العدسة – أحمد عبد العزيز
فجرت اعترافات مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق، مايكل فلين، الجدل مجددا حول مستقبل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بعدما أكد “فلين” أنه كذب على المحققين بشأن فضيحة اتصال حملة ترامب الرئاسية مع الحكومة الروسية.
القضية عادت إلى الواجهة، عندما أقر “فلين” أمام المحكمة، وفي بيان لاحق صادر باسمه، أنه كذب بشأن قضية اجتماعه مع السفير الروسي السابق لدى واشنطن سيرجي كيسلياك عقب فوز ترامب بالانتخابات الرئاسية وقبل تنصيبه رسميا، حيث ناقش معه موضوع متعلق بالعقوبات الأمريكية التي فرضتها إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، بعد انتشار تقارير تزعم وجود تدخلات روسية في الانتخابات الرئاسية الأمريكية.
” مايكل فلين “
وبالرغم من نفي “فلين” الاتهامات الموجهة إليه بالخيانة وتمسكه بـ”حسن النوايا”، إلا أن أكبر المفاجآت التي فجرها، كانت عندما أبدى استعداده أمام المحاكمة للشهادة ضد الرئيس دونالد ترامب في هذه القضية، مؤكدا أن ترامب وجهه لإجراء اتصالات مع المسؤولين الروس خلال المرحلة الانتقالية.
ولكن هل يشكل هذا أي تهديد حقيقي لترامب؟ وهل تؤثر هذه الشهادة، أيا كانت تفاصيلها، على مستقبل الرئيس الأمريكي المثير للجدل؟ الإجابة على هذه الأسئلة تستدعي الوقوف على التفاصيل الكاملة للقضية من بدايتها.
قانون “لوجان”
تقول صحيفة “فايننشال تايمز” في تقرير مطول لها، إن مايكل فلين، متهم بانتهاك قانون أمريكي معروف، يطلق عليه اسم “قانون لوجان”.
ويحظر “قانون لوجان” على المواطنين العاديين من الولايات المتحدة ممارسة أدوار دبلوماسية أو التفاوض مع الحكومات الأجنبية، وهو قانون لم يتم محاكمة أي شخص بمقتضاه طوال أكثر من 200 عام.
وقد وضع هذا القانون في عهد الرئيس الأمريكي جون أدامز، بعدما قام طبيب يدعى جورج لوجان بالتواصل مع الحكومة الفرنسية الثورية عام 1798 لإقناعها بإصلاح العلاقات مع أمريكا، وحملها على التوقف عن نهب السفن التجارية الأمريكية، وذلك كله دون أن يحمل لوجان أي صفة رسمية تخوله إجراء هذه المفاوضات.
وطبقا لهذا القانون، فإن “فلين” يواجه عقوبة السجن لمدة أقصاها 5 سنوات و250 ألف دولار، كحد أقصى غرامة للأفعال التي ارتكبها، إلا أن الصحيفة رجحت ألا يواجه “فلين” الأحكام القصوى، بل سيحصل على 6 أشهر حبس على أقصى تقدير، وغرامة 9 آلاف و500 دولار أو أقل.
ولكن ما الذي فعله “فلين” -الذي استقال من منصبه بعد 24 يوما فقط- ليستحق هذه العقوبة؟!
تفاصيل الاتهام
تكشف “فاينشيال تايمز”، أن الاتهامات الموجهة إلى “فلين” ليست فقط متعلقة بكذبه حول محادثاته مع السفير الروسي السابق بواشنطن، وإنما أيضا بمحادثاته مع أعضاء في مجلس الأمن الدولي بشأن قرار متعلق بمصر، بالإضافة إلى بيانات كاذبة أدلى بها “فلين” متعلقة بوثائق التخليص الخاصة بقانون تسجيل الوكلاء الأجانب ترتبط بتركيا.
” فلين و ترامب “
وتقول الصحيفة، إنه وفقا لوثائق المحكمة، فإن “فلين” عمل مع روسيا في واقعتين منفصلتين على الأقل، وقام بذلك بعد التشاور مع آخرين في فريق ترامب الانتقالي.
وتضيف أن الوثائق تشير إلى أن “فلين” تلقى مكالمة من السفير الروسي في 28 ديسمبر 2016، في نفس اليوم الذي فرضت فيه إدارة باراك أوباما عقوبات جديدة ضد موسكو لتدخلها في الانتخابات الرئاسية.
وفي اليوم التالي، أبلغ “فلين” مسؤولا كبيرا في فريق ترامب، أنه سيتواصل مع السفير الروسي، حيث تقابل الرجلان وطلب “فلين” من كيسلياك عدم تصعيد الموقف الروسي ضد العقوبات الأمريكية التي فرضها أوباما، دون أن يكون لـ”فلين” أي صفة رسمية أو دبلوماسية للحديث باسم الولايات المتحدة مع مسؤول روسي.
كما تلقى “فلين” أيضا توجيهات من عضو بارز في فريق ترامب الرئاسي، طلب منه التحرك ضد قرار قدمته مصر إلى مجلس الأمن يدعو إلى إدانة إسرائيل بسبب بناء المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وأخبر “فلين” المحققين في البداية أنه لم يقابل سوى “ممثلين” عن بعض أعضاء مجلس الأمن للتعرف على مواقفهم من التصويت الذي كان سيجرى في اليوم التالي، إلا أن الحقيقة كانت أن “فلين” تم توجيهه من قبل المسؤول البارز في فريق ترامب الرئاسي، للتواصل مع مسؤولين في حكومات أجنبية، بما في ذلك روسيا، لمحاولة التأثير عليهم لتأخير التصويت على القرار أو رفضه.
وفي مكالمة هاتفية مع السفير الروسي السابق لدى واشنطن، في 22 ديسمبر من العام الماضي، طلب “فلين” أن تصوت روسيا ضد القرار أو تعمل على تأخيره، وقال له إن إدارة ترامب القادمة تعارض هذا الإجراء، وفي اليوم التالي، تحدث “فلين” مرة أخرى مع كيسلياك الذي قال له إن روسيا لن تصوت تأييدا لهذا الإجراء.
السفير الروسي السابق لدى واشنطن “سيرجي كيسلياك”
توابع الاعتراف
عقب تراجع “فلين” عن تصريحاته الأولى التي كان ينفي فيها كل هذه الاتهامات، وبعدما عاد ليؤكد أنه كذب في تصريحاته الأولى، باتت أغلب هذه التفاصيل واردة بشكل كبير، مما يعني أن اعتراف “فلين” بالذنب، قد يورط أعضاء آخرين من فريق ترامب في هذه القضية، حيث إنه حتى الآن فإن “فلين” هو المسؤول ذو المستوى الأرفع في إدارة ترامب الذي يقدم للمحاكمة، ولكن يبدو أن ذلك لن يدوم طويلا.
وترى فايننشال تايمز، أن التحقيقات قد تطال مستشار ترامب الخاص وزوج ابنته جاريدكوشنر، الذي كان واحدا من كبار مستشاريه فيما يتعلق بالسياسة الخارجية خلال الحملة الانتخابية والمرحلة الانتقالية، بالإضافة إلى مايك بينس نائب الرئيس الحالي، والذي كان رئيسا للفريق الانتقالي لترامب.
اعترافات الرجل والتوابع التي قد تجلبها على إدارة ترامب، دفعت البيت الأبيض لإصدار بيان قال فيه إنه “لا شيء في إقرار”فلين” بالذنب أو التهمة الرسمية الموجهة إليه يُورط أحدا آخر ما عدا “فلين” نفسه”.
وهو ما عاد وأكده محامي البيت الأبيض، تي كوب، خلال لقائه بالصحفيين، حيث حاول الإيحاء بأن التحقيق أوشك على الانتهاء، وقد يسدل عليه الستار خلال أسابيع قليلة، وأن أحدا آخرا لن يتورط في هذا التحقيق، زاعما أنه لن تكون هناك أي مفاجآت مستقبلية في القضية.
” ترامب و كوشنر “
موقف ترامب المرتبك
إلا أن فايننشال تايمز، ترى أن تصريحات محامي البيت الأبيض ما هي إلا محاولة لتخفيف وطأة الصدمة، بدليل أن “فلين” أخبر المحققين أنه كان يتصرف بالتشاور مع مسؤول واحد على الأقل من كبار المسؤولين في المرحلة الانتقالية -لم يكشف عن اسمه- وهو ما يعطي المحققين خيطا جديدا لإدخال أشخاص متورطين جُددٍ قريبين للغاية من ترامب.
أما عن موقف ترامب نفسه، فتقول الصحيفة إنه حتى الآن من الصعب إثبات تورط ترامب في هذه القضية الشائكة، أو اتهامه بعرقلة سير العدالة، ومن المستبعد إجراء أي تصعيد ضده أو ضد إدارته، بالرغم من اعترافات “فلين”، حيث لا يزال ترامب واحدا من أكثر الرؤساء الأمريكيين شعبية في تاريخ الولايات المتحدة، وبالرغم من ذلك، فإن 60% من الأمريكيين غير راضين عن أداء ترامب، ولا يقتنع بأدائه سوى 34% ممن شاركوا في التصويت اليومي لتتبع الأداء الرئاسي “جالوب”.
إلا أن الصحيفة عادت إلى القول بأنه، حتى لو انتهى التحقيق ولم يتم إدخال أشخاص جدد إلى التحقيقات، فإنه ما حدث سيترك وصمة عار كبيرة على رئاسة ترامب، فبعد أقل من عام على توليه منصبه، تم توجيه تهم جنائية ضد مستشاره السابق للأمن القومي “فلين”، ورئيس حملته السابق بول مانافورت، ومسؤول آخر في الحملة يدعى ريتشارد جيتس، ومستشار السياسة الخارجية جورج بابادوبولوس، وقد اعترف اثنان على الأقل من هؤلاء “فلين وبابادوبولوس” بالذنب على تلك التهم الجنائية.
” دونالد ترامب “
وترى “فايننشال تايمز” أن اعتراف “فلين”، جاء في يوم كان من المفترض أن يكون يوما تاريخيا بالنسبة لإدارة ترامب والجمهوريين ككل، حيث إن مجلس الشيوخ سيصوت لصالح مشروع قانون ضريبي ضخم، يمثل أول إنجاز تشريعي لرئاسة ترامب، إلا أن تصريحات “فلين” أفسدت على الجمهوريين فرحتهم، وذكرتهم بفضيحة التحقيقات مع روسيا.
وسبق لترامب وفريق عمله، أن اشتكوا من “الدولة العميقة” التي يعتقد منظرو المؤامرة أنها تسيطر على جهاز الأمن القومي في الولايات والمتحدة، حيث رفض ترامب مرارا التحقيق الروسي، بزعم أنه أمر لا أساس له من الصحة، إلا أن كل ذلك بات غير مُجدٍ لدى المواطن الأمريكي، الذي ربما فقد قسطا كبيرا من الثقة في رئيسه الحالي وإدارته.
اضف تعليقا