العدسة – غراس غزوان

كانت التوقعات تشير إلى احتمال انخفاض أسعار النفط عالميا، متأثرة بتصاعد وتيرة الخلافات في الشرق الأوسط، إلا أن الشهور التسعة الأخيرة خالفت التوقعات وشهدت صعود أسعار النفط عالميا، حتى وصلت إلى أعلى من 60 دولارا للبرميل.

تصاعد الأسعار جعل سوق النفط يشهد زيادة كبيرة في الطلب، مع استمرار المنتجين في سياسة تخفيض الإنتاج من أجل العودة بأسعار النفط إلى طبيعتها.

الطلب المتزايد على النفط في ظل السياسة الحالية جعل رئيس وكالة الطاقة الدولية “فاتح بيرول” يحذر من احتمال تعرض سوق النفط العالمية للشح قرب النصف الثاني من العام المقبل.

وفي تصريحات لوكالة رويترز على هامش مؤتمر للطاقة في النرويج قال بيرول “إذا كان نمو الطلب قويًّا، وإذا واصل المنتجون التمسك بسياساتهم، فقد نرى شحًّا في الأسواق، أتوقع أن يحدث ذلك قرب النصف الثاني من العام المقبل”.

التصريحات التي أدلى بها “بيرول” تعكس القلق لدى المتعاملين من أن تتجاوز جهود إعادة توازن السوق المدى، وأن تتسبب في عجز عالمي في النفط يقود إلى ارتفاع أسعاره مرة أخرى.

واعتبر “بيرول” أن سعر النفط فوق 60 دولارا هو سعر جيد، من أجل تحقيق معظم استثمارات النفط أرباحا، ويرى أن السوق في سبيلها نحو التوازن.

“فاتح بيرول” رئيس وكالة الطاقة الدولية

 

توقعات أسعار النفط

شهدت الأسابيع الأخيرة تغيير الكثير من البنوك لتوقعاتها بانخفاض البترول، وأصبحت التوقعات أن يظل مؤشر النفط العالمي في تصاعد، وربما تصل الأسعار إلى نحو 70 دولارا للبرميل.

من بين هذه البنوك بنك “ابن أمرو” الذي ذهب فريق تحليله إلى احتمال ارتفاع متوسط سعر خام “برنت” العالمي في العام المقبل إلى 70 دولارا، وأن يصل متوسط سعر خام “غرب تكساس” إلى 66 دولارا.

وعزت شبكة “بلومبيرج” الأمريكية المتخصصة في الاقتصاد مخالفة أسعار النفط للتوقعات إلى الإجراءات التي اتخذتها السعودية وعدد من الدول غير الأعضاء بمنظمة “أوبك”، وعلى رأسها روسيا التي تعتبر أكبر منتج للنفط من خارج المنظمة.

ويعود تماسك الاتفاق بين المنتجين من “أوبك” ومن خارجها إلى التفاهم بين السعودية وروسيا، والذي ضمن التزاما بسحب نحو 1.8 مليون برميل يوميا من السوق، وهو ما أدى إلى اعتدال ميزان العرض والطلب.

وقالت “بلومبيرج” إن دعم “أوبك” لتلك الجهود ساهم في عدم تأثر أسعار النفط بالمشكلات والأزمات السياسية التي تعاني منها المنطقة طيلة العام الجاري وكانت بمثابة إطار لاستمرار استقرار الأسعار.

وأشارت الشبكة إلى أن انخفاض التذبذب في أسعار النفط إلى نحو 22%، حيث كانت التوقعات تشير إلى تراجع الأسعار إلى مستوى قريب من أدنى معدلاته في السنوات الثلاث الماضية.

منظمة “أوبك”

 

خمسة عوامل ساهمت في رفع الأسعار

يرى خبراء ومحللون في أسواق النفط أن أسباب تغير نفسية السوق واتجاه الأسعار إلى الارتفاع يعود لخمسة عوامل.

أول هذه العوامل هو “قوة الطلب”: حيث تشير التوقعات إلى استمرار النمو في الطلب خلال العام المقبل، مع دخول مصفاتين في الصين ومصاف أخرى في أماكن متفرقة من العالم.

العامل الثاني هو اتفاق “أوبك”: حيث ساهم اتفاق خفض الإنتاج بين الدول الأعضاء بمنظمة “أوبك” مع أكبر منتج من خارجها “روسيا”، ساهم في تقليل المعروض النفطي والمخزونات، حيث تجاوزت نسبة الالتزام بالاتفاقية بحسب تقارير نسبة 100%.

العامل الثالث هو تراجع المخزون العالمي: ففي الوقت الذي شهد سوق النفط العالمي نموا في الطلب خلال العام الجاري بالتزامن مع تحسن أداء الاقتصاد العالمي، وخصوصا الصين، تراجع المخزون العالمي من النفط بسبب قلة المعروض.

العامل الرابع هو توقعات تراجع نمو النفط الصخري: وذلك بسبب تراجع أنشطة الحفر وبعض الأمور الأخرى التي تؤثر في نموه، مثل كمية الرمل المستخدم في عملية التكسير الهيدروليكي، بالإضافة إلى الأيدي العاملة، وهو ما قد يساهم في تراجع الإنتاج من 800 ألف برميل يوميا إلى نحو 500 ألف برميل يوميا.

أما العامل الخامس فهو ضبابية إنتاج “أوبك”: فبحسب التقرير الصادر قبل أسبوع عن شركة “ريستاد” البحثية فإن التوقعات تشير إلى احتمالية عدم تمكن الكثير من دول المنظمة من رفع إنتاجها العام المقبل من دون تمديد اتفاق خفض الإنتاج.

وأشار التقرير إلى أن فنزويلا قد تشهد هبوطاً قدره 30 % في إنتاجها العام المقبل، بسبب تراجع الاستثمارات في حقولها القديمة، كما توجد مخاوف أخرى حيال العراق وليبيا ونيجيريا والجزائر، التي لا تستطيع المضي قدماً في إنتاجها من دون استثمارات جديدة.