لم تكن اللغة العربيّة بمنأى عن الثورة الرقميّة المشهودة في مختلف جوانب الحياة؛ حيث فرضت التكنولوجيا سيطرتها بشكلٍ واضح على الحياة العامة والخاصة. وبطبيعة الحال، كان للغة العربيّة نصيب من هذه السيطرة؛ واعتمدت مجموعة من أدوات تكنولوجيا المعلومات على استخدام اللغة العربيّة في محتوياتها، واستطاعت تقديم العديد من الخدمات المفيدة لها.
لكن، وفي المقابل، تأثرت اللغة العربيّة بشكلٍ سلبيٍّ أدّى إلى تراجع استخدامها بين شريحة كبيرة من مستخدمي أدوات التكنولوجيا الرقميّة المتنوعة، والذين توجهوا إلى استخدام اللغة الإنجليزيّة المُعرّبة، وغيرها من اللغات الأُخرى للتواصل بينهم.
إن تأثر اللغة العربيّة في هذه الموجة من التطور الرقميّ التكنولوجيّ يعود لسبب رئيس؛ وهو انتشار شبكة الإنترنت الذي واكب اهتمامًا واضحًا في العالم العربيّ؛ بسبب ظهور العديد من المواقع الإلكترونيّة العربيّة، ومن الأمثلة عليها المنتديات الرقميّة، وما تبعها من اعتماد منصات التواصل الاجتماعي على استخدام اللغة العربيّة لجذب المستخدمين العرب لها.
وأدّى ذلك إلى تحول اللغة العربيّة لتصبح واحدةً من اللغات الافتراضيّة، ولكنها لم تحصل على اهتمامٍ مشابه لما حصلت عليه اللغات العالميّة الأُخرى، كاللغة الإنجليزيّة التي اعتمد عليها هذا التطور الرقميّ كأسس في بنيته التحتية.
وإثر ذلك، تواجه اللغة العربيّة، في ظلّ هذا التطور الرقميّ، تحديًا واضحًا يحتاج إلى دراسة، وتحليل دقيق بهدف الوصول إلى علاج مناسب له؛ من أجل ضمان وجود اللغة العربيّة في الطريق الصحيح للتعامل مع هذا التطور الرقميّ.
كانت اللغة العربيّة قبل التطور الرقميّ تمتلك مكانةً كبيرةً لا يمكن أن تتهاوى أبدًا؛ وذلك بسبب الاهتمام الواضح في دراستها وتأليف العديد من المؤلفات التي تهتمّ بها. ولكن أثّر ظهور العصر التكنولوجيّ -وما تبعه من مخرجات أُخرى- على اللغة العربيّة، وإن لم يكن هذا التأثير واضحًا في البداية، ولكنه ازداد وضوحًا مع مرور الوقت، لا سيّما مع عدم وجود توازنٍ بين كمية المعلومات العربيّة الموجودة على الإنترنت مقارنةً مع المعلومات المكتوبة باللغات الأُخرى، والتي تجدُّ اهتمامًا ملحوظًا من قِبل مستخدمي هذه الشبكة المعلوماتيّة؛ وتحديدًا في مجال إعداد الدراسات الأكاديميّة المتنوعة.
ويُعدّ التفكير بنهضة اللغة العربيّة رقميًّا من المعضلات الناتجة عن العصر التكنولوجيّ الحديث؛ لذلك لا يُمكن إغفال الجهود الفعالة التي تمتاز بالكفاءة عند بعض المواقع الإلكترونيّة العربيّة، والتي ساهمت في المحافظة على صورة اللغة العربيّة؛ عن طريق تقديمها وتوفيرها محتويات رقميّة باللغة العربيّة في مختلف المجالات الفكريّة؛ ممّا أدّى إلى بناء محتوى عربيّ ساعد على تعزيز وجود اللغة العربيّة في ظلِّ تقنيات عصر التكنولوجيا الحديثة.
ولكن ما زالت اللغة العربيّة تحتاج إلى حلولٍ مدروسة، ومناسِبة للمحافظة على مكانتها في هذا المحيط المعلوماتيّ واسع الانتشار، فمن المهم تعزيز دور التفكير الرياديّ الذي يستثمر في المواقع الإلكترونيّة العربيّة، والبرامج الرقميّة المصممة باستخدام اللغة العربيّة، وغيرها من الوسائل الأُخرى التي تساعد على بقاء اللغة العربيّة في المرتبة الأولى، وتُعزز من قدرتها على مواكبة كافة التأثيرات الناتجة من النموّ المتسارع للتطور الرقميّ.
ويبقى السؤال المُلح مطروحا حول البحث عن مدى قُدرة اللغة العربيّة على المحافظة على قيمتها عند الأفراد المتأثرين بهذا التطور الرقميّ. وهل تستطيع اللغة العربيّة الاستمرار في مواكبة كافة مخرجات هذا العصر التكنولوجيّ؟ وهل ستظلّ ضمن اللغات الأولى عالميًّا كما كانت قبل هذا التطور الرقميّ؟
اضف تعليقا