العدسة – غراس غزوان

خلال الخمس سنوات الأخيرة، لم تتوقف الإمارات عن التدخل في الشؤون الداخلية والخارجية لمصر، واستخدمت كامل نفوذها السياسي والاقتصادي لتغيير نظام الحكم في مصر، ووصل الأمر إلى تعطيل أي مسار يمكن من خلاله تغيير نظامها القائم في القاهرة.

وتظهر الأحداث التي وقعت، خلال الأسبوع الأخير والمتعلقة بالفريق أحمد شفيق، مدى تغلغل الإمارات في الشأن السياسي المصري، وتأثيرها على دوائر صنع القرار، ومحاولاتها منع أي تهديد قد يؤثر على استمرار عبد الفتاح السيسي في الحكم.

فبعد أن أعلن “شفيق” نيته الترشح للانتخابات الرئاسية المزمع عقدها العام المقبل، خرج الرجل بعد ساعات قليلة، عبر مقطع مصور نشرته قناة الجزيرة، يؤكد فيه أنه “فوجئ بقرار منعه من السفر من قبل الإمارات، لأسباب ودواع لم يفهمها أو يتفهمها، مجدداً تمسكه بقرار ترشحه للرئاسة.

قرار الإمارات في هذه اللحظة يعكس مدى حرصها على بقاء النظام الحالي بقيادة عبدالفتاح السيسي واستمراره في الحكم لفترة رئاسية أخرى؛ حتى تضمن تحقيق أطماعها واستمرار سيطرتها على دائرة صنع القرار في القاهرة.

وفيما يبدو أن هناك ضغوطا مورست على الجانب الإماراتي لفك الحصار الذي فرضته على رئيس الوزراء المصري الأسبق، والذي تشابه مع موقف مماثل حدث قبل أيام، حيث احتجز ولي العهد السعودي محمد بن سلمان رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري قرابة 3 أسابيع.

وبعد يوم واحد وبحسب تصريحات لمصادر مقربة من “شفيق” تطورت الأوضاع للأسوأ، فبعد أن رضخت الإمارات للضغوط قررت ترحيل الرجل إلى مصر، بدعوى أنه دخل الإمارات قبل خمس سنوات دون تأشيرة، ولا يحق له التوجه لأي جهة أخرى إلا الرجوع إلى مصر، وهو ما أثار الريبة والشكوك من النية المبيتة ضده.

 

تخوفات الإمارات

ربما تتخوف الإمارات من مجرد ترشح الفريق أحمد شفيق في الانتخابات الرئاسية المقبلة، فمثل هذا القرار ربما يغير الدفة باتجاه تنقلب معه الموازين، كما أنه يمثل تهديدا حقيقيا للسيسي الذي لم يجد حتى الآن منافسا حقيقيا له في الانتخابات، رغم فشله في كل الملفات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وإخفاقه في تحقيق وعوده للمصريين.

وفي ظل فشل السيسي المدعوم من الإمارات والخلفية العسكرية لـ”شفيق” الذي شغل منصب وزير الطيران المدني لعشر سنوات، ثم رئيسا لآخر حكومة في عهد المخلوع حسني مبارك، يتضح أن الأخير له أفضلية، وربما يجد من يناصره من داخل النظام العسكري، وهو ما قد يؤدي إلى خروج الأمور عن سيطرة الإمارات.

” أحمد شفيق “

 

رأس الدولة المصرية في يد بن زايد

بدأت خطوات “بن زايد” الأولى داخل القاهرة عبر دعم الانقلاب العسكري بقيادة عبدالفتاح السيسي في 3 يوليو 2013، وبدت خطوات ولي عهد أبو ظبي متسارعة حتى ظن البعض أن مصر تحولت إلى ولاية ثامنة أضيفت إلى الولايات السبع الإماراتية.

أهداف “بن زايد” من دعم هذا الانقلاب كانت واضحة منذ البداية؛ فهو أراد أن تتحول مصر إلى دولة منفذة لسياسات الإمارات في الشرق الأوسط، وتساعدها في تنفيذ المخططات الأمريكية والصهيونية في المنطقة، حتى إن الإمارات قامت بتعيين “وزير دولة” لها في القاهرة.

” محمد بن زايد “

في الحقيقة لم يكن الدعم الإماراتي لنظام السيسي وليد لحظة الانقلاب، فالتسريبات التي وردت لاحقا من مكتب عباس كامل أكدت أن الإمارات مولت حركة “تمرد” وبعض الأذرع الإعلامية التابعة لها داخل مصر، لإحداث نوع من عدم الرضا لدى الشعب عن الرئيس محمد مرسي، وهو ما أحدث فجوة شعبية ساهمت في الخطوات التي جاءت لاحقا.

وبعد الانقلاب تنوع الدعم الإماراتي للنظام العسكري ما بين مادي وسياسي وعسكري، وعملت على تسويق عبد الفتاح السيسي في الخارج ليكون الرئيس المصري المقبول في الأوساط الغربية.

وخلال تلك المدة عمدت الإمارات إلى الانتقام من جماعة الإخوان المسلمين، ووظفت جميع السلطات الأمنية والقضائية والإعلامية في هذا الاتجاه.

كما أن السيسي لم يتأخر يوما عن تقديم فروض الطاعة والولاء للإمارات، ليحصل السيسي على عشرات المليارات من الدولارات، ووعود بالاستمرار في منصبه لولاية ثانية، وفي مقابل ذلك أصبح القرار السياسي في الدولة تابعا لما يرسمه “بن زايد” الذي استخدم السيسي في عمليات خارجية، وحرب بالوكالة في ليبيا واليمن، بالإضافة إلى أدوار أخرى لعبتها الإمارات في ملف نقل تبعية جزيرتي تيران وصنافير إلى السعودية لحساب إسرائيل المستفيد الوحيد من هذه الصفقة.

” عبد الفتاح السيسي “

 

24 زيارة بين أبو ظبي والقاهرة

ومما يؤكد عدم انفصال القرار المصري في عهد السيسي عن الإمارات، عدد الزيارات الرسمية التي تمت بين الدولتين خلال السنوات الأربع الأخيرة.

فخلال تلك المدة بلغ عدد الزيارات أكثر من 24 زيارة تمت بين القاهرة وأبو ظبي، بدأت بزيارة “بن زايد” للقاهرة في 7 يونيو 2014، في حفل تنصيب السيسي، ثم توالت بعدها الزيارات المتبادلة، وكان آخرها زيارة السيسي لأبو ظبي في سبتمبر الماضي، والتي قيل إنها كانت للترتيب للانتخابات الرئاسية والضغط على الإمارات لإقناع الفريق أحمد شفيق بعدم خوض تلك الانتخابات.