أسفرت نتائج الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية التركية عن جولة إعادة بعد أن أخفق كل مرشح – الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان وأبرز منافسيه كمال كيليجدار أوغلو – في الحصول على أكثر 50 في المائة من الأصوات. تعكس جولة الإعادة التآكل المستمر لدعم أردوغان في السنوات الأخيرة، وذلك بفضل الأزمات الأخيرة مثل التضخم الذي وصل إلى قرابة 80٪، وبعض الأزمات الاقتصادية الأخرى، لكنها تعكس أيضًا الديموقراطية التي تتمتع بها البلاد والتي سمحت للناخبين بالتعبير عن رأيهم بحرية.

لم يمنع ذلك الإعلام الغربي والسياسيين في الدول الأوروبية من التمسك بوصف أردوغان بأنه زعيم استبدادي، مع نشر مقالات مع عناوين مثل “هل يمكن لتحالف متنوع إنهاء الحكم الاستبدادي لرجب طيب أردوغان؟” و “من ديمقراطي إلى استبدادي… قصة رجب طيب أردوغان” و “كيف جعل أردوغان تركيا سلطوية مرة أخرى”.

نعم، تركيا ليست ديمقراطية غربية، ولكنها ديمقراطية شرق أوسطية، أردوغان رئيس منتخب ديمقراطيا في منطقة لا تحب معظم أنظمتها إجراء انتخابات على الإطلاق، بل يفوز المرشحون الرئاسيون في الدول المجاورة بنسب تتجاوز الـ80٪ والـ90٪ من الأصوات الناخبة، بالطبع هذه الانتخابات مزورة، لكن الأكيد الانتخابات التي تذهب إلى جولة إعادة ليست كذلك.

لم يمنع ذلك المعارضة التركية من إخراج صفحة من كتاب اللعب الليبرالي الأمريكي، وإلقاء اللوم في خسارتهم على التدخل الروسي، كما فعل منافس أردوغان كمال كيليجدار أوغلو؛ واتهم روسيا بنشر معلومات مضللة باستخدام تقنية التزييف العميق.

في المقابل التقى كليجدار أوغلو السفير الأمريكي في تركيا، جيف فليك، فإذا كانت حملات المعلومات المضللة على تويتر تدخلاً روسيًا، فلماذا لا يمثل لقاء أحد المرشحين مع السفير الأمريكي، تدخلاً من الولايات المتحدة؟

الانتخابات الحرة ضرورية في أي ديمقراطية، ومع ذلك، فإن قبول نتائج تلك الانتخابات هو أهم جزء في حماية العملية الديمقراطية؛ سواء أحببت النتيجة أم لا، إذا دعمنا الفائز أم لا، فإن الفائز لا يزال هو الفائز؛ إن إدانة النتيجة وإلقاء اللوم عليها على التدخل الأجنبي لن يؤدي إلا إلى زرع الشك في النظام وزيادة الانفصال السياسي.

ستبدأ جولة الإعادة للانتخابات التركية في غضون أسبوع، يحتاج أردوغان إلى 1 في المائة إضافية من الأصوات للفوز، وتحتاج المعارضة إلى الحصول على أكثر من 5 في المائة للفوز، يمكنهم سحبها إذا اتحدت المعارضة لدعم كليجدار أوغلو، على الرغم من الأيديولوجيات المختلفة.

لكن إذا لم يفعلوا ذلك، فمن الواضح أن الحكومات الغربية ووسائل إعلامها ستستمر في وصف الانتخابات التركية بـ “المزورة” حتى تتولى المعارضة التركية السلطة، رغم إرادة الشعب التركي التي يتضح من خلال النتائج ميلها إلى أي كفة.

لقد عشت في تركيا لسنوات عديدة، رأيت كيف يقوم الشعب التركي بحملة جادة لمرشحيه، يقضي الأتراك أيامًا ولياليًا في الاستعداد ليوم الانتخابات ويتجمعون في الساحات والشوارع الرئيسية في انتظار النتائج بفارغ الصبر.

في الانتخابات التركية، وهي من بين الانتخابات القليلة في المنطقة، يمكنك تغيير النظام من خلال التصويت، مثال على ذلك: خسر أردوغان بلدية اسطنبول، أحد أكثر المناصب أهمية في تركيا، أمام زعيم المعارضة أكرم إمام أوغلو من حزب الشعب الجمهوري.

تنديد وسائل الإعلام الغربية بالانتخابات التركية واتهام القائمين عليها بـ “التلاعب” ووصف أردوغان بالديكتاتور لن يؤدي إلا إلى الإضرار بالعملية الانتخابية في المستقبل ودفع مؤامرة تؤدي إلى تقليص الثقة في النظام الانتخابي التركي.

يبدو أن وسائل الإعلام الأمريكية ترغب في تصدير مشاكلها الخاصة – ربما تكون أفضل إشارة على أن الديمقراطية ما زالت حية وبصحة جيدة في تركيا.

للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا