(حربنا مع العدو حرب عقائدية ولاتعرف الحدود والجغرافيا، تجربة البسيج في ايران انتقلت الى باقي البلدان، وتجلت في حزب الله اللبناني والحشد الشعبي العظيم)

اللواء جعفري قائد قوات الحرس الثوري الإيراني – ديسمبر 2017.

لم يعد الخطر الإيراني مجرد فزاعة للتخويف، بل صار خطرا داهما تلهبه أحقاد تاريخية فارسية، ويحظى بمظلة أمريكية تسمح له بالتهام الدول العربية الواحدة تلو الأخرى بدءا من العراق ولبنان وصولا للشام واليمن، في ظل سياسات سعودية فاشلة وفرت فرصا ذهبية أمامه للتمدد والانتشار، فضلا عن بروز ممارسات دموية من فئات متطرفة ساعدت إيران على الظهور بمظهر الصدر الحنون والدرع الواقي للشيعة في كافة أنحاء العالم، مما يستدعي تفكيك تلك التشابكات كي نطرح تصورات لكيفية التصدي للمشروع التوسعي الإيراني.

 

خلع الشاه وتصدير الثورة

نجحت الثورة الإيرانية بقيادة الخميني في الإطاحة بحكم الشاه عام 1979، وتبنت شعارات تصدير الثورة للخارج، وسعى النظام الإيراني الجديد لتغيير أنظمة الحكم بالمنطقة، فأسس(الجبهة الإسلامية لتحرير البحرين) التي حاولت تنفيذ انقلاب عسكري ضد آل خليفة عام 1981 ولكنه فشل.

كما عملت إيران على تأسيس أذرع تابعة لها بالدول التي تتواجد فيها تجمعات شيعية كبيرة، فأسست حزب الله بلبنان عام 1982 ، وأسست (حزب الله الكويتي) الذينفذ سلسلة عمليات توجت بمحاولة فاشلة

لاغتيال أمير الكويت بسيارة مفخخة عام 1985. كما دخلت إيران في حرب ضروس مع العراق استمرت 8 سنوات (1980- 1988) استنفذت موارد البلدين، وقُتل خلالها مئات الآلاف.

لم تحقق إيران آنذاك نجاحات تذكر سوى في لبنان، إذ نجحت في توظيف الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982 – والذي أسفر عن هزيمة حركة فتح الفلسطينية وإجلاء مقاتليها إلى تونس- في ترسيخ دور حزب الله على الساحة اللبنانية، فاحتفظ وحده دون بقية الأطراف التي شاركت في الحرب الأهلية بحق امتلاك السلاح  بذريعة مقاومة الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان، وتحول الحزب بمرور الوقت إلى (دولة داخل الدولة) له أذرعه الأمنية والعسكرية والإعلامية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية الخاصة به، وشارك في الحكومة بتمثيل وزاري ، وامتلك بواسطة الثلث المعطل حق اسقاط أي حكومة لا يرضى عنها.

 

أحداث سبتمبر وغزو أفغانستان والعراق

في حقبة التسعينات عملت إيران على إعادة التموضع لبناء ما خسرته أثناء حربها مع العراق، وخففت حدة التوتر مع جيرانها، مع التهيؤ لانتهاز الفرص السانحة لإعادة تفعيل مشروعها التوسعي، وهو ما بدأت بتنفيذه إثر ارتكاب الإدارة الأمريكية في عهد بوش خطيئة كبرى بتورطها في غزو أفغانستان عام 2001، ثم العراق عام 2003، إذ غاصت أميركا في مستنقع استنزافي بالبلدين كبدها آلاف القتلى وعشرات آلاف المصابين وتريليونات الدولارات.

رحبت إيران بغزو البلدين، ودعمت أميركا علنا في التخلص من أكبر خصمين من جيرانها، نظام طالبان في الشرق، ونظام صدام في الغرب، ومن ثم نجحت إيران عبر المليشيات العراقية التابعة لها في السيطرة على العراق والتحكم بمراكز صنع القرار فيه.

مع تعثر أميركا في حروبها بالمنطقة، اعتبرت الإدارة الأمريكية  إيران بمثابة الحليف المثالي القادر على توفير مليشيات عقدية تشارك في الصفوف الأولى ضمن الحرب على الإرهاب المزعوم .

وسعت إيران لاستغلال الضوء الأخضر الأميركي في استنساخ تجربة حزب الله جديدة باليمن، فكثفت من دعمها للحوثيين، الذين دخلوا في 6 حروب دامية مع نظام “علي عبدالله صالح” خلال الفترة الممتدة من عام 2004 حتى عام 2010.

كما عملت إيران على امتلاك أوراق ضغط ضد إسرائيل، فاستغلت تخلي أغلب الدول العربية عن دعم حركات المقاومة الفلسطينية، فدعمتها بدلا منهم بالسلاح والمال والخبرات، ضمن مخطط تبنيها دعم القضية الفلسطينية لإبعاد شبح الطائفية عن مشاريعها، وبذلك شاغبت مع إسرائيل سواء من الشمال على يد حزب الله، أو من الجنوب على يد حركتي حماس والجهاد الإسلامي.

وقد خشيت إسرائيل من تزايد النفوذ الإيراني قرب حدودها، وحاولت تقزيم دور حزب الله بلبنان، فشنت عليه حملة شعواء لمدة ناهزت الشهر عام 2006 توجت بفشل استراتيجي، أسفر عن ترسيخ دور الحزب كفاعل أساسي على الساحة السياسية اللبنانية.

 

الربيع العربي والتوحش الإيراني

رحبت إيران بثورات الربيع العربي في بداياتها، إذ ساهمت في التخلص من عدد من خصومها السياسيين مثل مبارك والقذافي وعلي صالح، ولكن سرعان ما انقلبت إيران على الثورات عندما اشتعلت الثورة السورية، فكشفت عن وجهها الطائفي البغيض بدعمها لبشار الأسد ومجازره الوحشية ضد الشعب السوري، وهو الدعم الذي وصل حد مشاركتها في القتال المباشر بجواره ، حتى أن وسائل الإعلام الإيرانية تحدثت خلال الأيام الماضية عن حفل تأبين لخمسة آلاف قتيل إيراني سقطوا في سوريا أثناء القتال بالشام منذ بداية الثورة.

كما أدت عمليات تنظيم الدولة الإسلامية ضد عموم الطائفة الشيعية (كقتل الشيعة على الهوية، وتفجير مساجدهم باليمن والعراق والكويت والسعودية، وارتكاب مجازر ضد الهزارة بأفغانستان كما في استهدافهم أثناء تظاهراتهم المطالبة بإدخال الكهرباء لمناطقهم) إلى ارتماء التجمعات الشيعية في حضن إيران، والتماس الحماية والدعم منها.

 

الخطيئة السعودية الإماراتية

ربما لم تدعم دولة إيران مثلما دعمتها السعودية، بواسطة سياساتها الفاشلة التي ساهمت في زيادة النفوذ الإيراني بالمنطقة، فالسعودية هى من :

-حرضت الرئيس الأميركي بوش على غزو العراق حتى أن السفير السعودي بواشنطن  “بندر بن سلطان” عرف قرار شن الحرب  قبل أن يعرفه وزير الخارجية الأميركي “كولن باول”  وفقا لما ذكره الصحفي الأميركي البارز “بوب ودوارد” في كتابه (خطة الهجوم).

– فرغت الثورة  اليمنية من محتواها بالمبادرة الخليجية، نكاية في جماعة الإخوان والإسلاميين، مما سمح للحوثيين بالتمدد وبسط سيطرتهم على اليمن.

– ساهمت في تأجيج الصراع بين الفصائل الشامية وقدمت لهم دعما مشروطا بدلا من تقديم دعم  حقيقي ضد التدخل الإيراني.

– دعمت بالتنسيق مع الإمارات سحق الجماعات الإسلامية السنية في المنطقة، وهى الحركات التي تقف وجه عثرة أمام إيران ومشاريعها التوسعية، كما أدى تضييقهما على حركة حماس إلى تقارب الأخيرة مع إيران، وأدى حصارهما لإمارة قطر إلى حدوث تقارب قطري إيراني.

والآن بدأت السعودية تحت حكم ابن سلمان في تنفيذ مغامرة أخرى بمد علاقات مع إسرائيل لتكوين تحالف عربي إسرائيلي ضد إيران، وهو التحالف الذي لن ينتج عنه سوى المزيد من استنزاف السعودية اقتصاديا وبشريا، في حين ستتعامل إسرائيل في النهاية مع إيران بكل براغماتية، وسيتفقان معا على ترسيم مناطق نفوذهما، حتى وإن تخلل ذلك بعض الحروب بالوكالة لفرض كل طرف لمطالبه.

 

جعجعة ترامب

بالنسبة للعلاقات الأمريكية الإيرانية، فأميركا لن تكسر عظم إيران إلا في حالة استشعارها خطر إيراني جدي على إسرائيل، أما فيما سوى ذلك ستستنزف أميركا أموال الخليج دون مواجهة حقيقية لإيران التي يوظفها الغرب حاليا لانهاك العالم السني، وتأجيج اقتتال (سني شيعي) مهلك للطرفين. أما كلام “ترامب” عن التصدي لإيران، فيكذبه دعمه الجوي للمليشيات الطائفية بالعراق أثناء اجتياحها للمدن السنية.

 

مقترحات للتصدي للخطر الإيراني

-يصعب تقديم مقترحات على مستوى الدول في ظل وجود قيادات رعناء تقود مصر والسعودية والإمارات، وتراهن على التحالف مع إسرائيل، فالتصدي الفعلي للخطر الإيراني يصعب تحقيقه دون وجود تحالف (مصري سعودي تركي)  لذا فإن الإصلاح السياسي في الدول المذكورة لإيجاد قادة على مستوى المسؤولية هو الأمر الأكثر أولوية الآن.

– دعم الحركات الإسلامية المعبرة عن هوية الأمة للتصدي للتمدد الإيراني، ومد يد العون لفصائل الثورة السورية وحركات المقاومة الفلسطينية والقبائل اليمنية الأبية وأهل السنة بلبنان، ورفع المظالم متى وُجدت عن التجمعات الشيعية بالدول السنية.

– تقديم خطاب شرعي وتاريخي تجديدي ومتزن يحرص على احتواء الأمة المسلمة بفرقها المختلفة، وتفكيك الخطابات السلطوية التي شرعنت وبررت المجازر الوحشية ضد آل البيت الكرام ، ونبذ أطروحات الغلو التي تشرعن القتل على الهوية وتفجير المساجد وقتل الناس في الأسواق والشوارع، وإدراك تباينات الداخل الإيراني الطائفية والإثنية والعرقية ومد جسور التواصل مع التجمعات التي تعاني من مظالم بالداخل الإيراني

الآراء الواردة في التدوينة تعبر فقط عن رأي صاحبها، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر “العدسة“.