أصدرت منظمة الصحة العالمية تقريرا مخيفا عن نوعية الدواء المتداول في الدول النامية يؤكد أن 10% من سوق المستحضرات الطبية “الصيدلانية” في الدول النامية، هي منتجات طبية مزيفة وأدوية رديئة النوع.

وأشار التقرير إلى أن هذه الأدوية الغير مرخصة لا تختص بمرض محدد أو أدوية لأمراض بسيطة أو مستعصية، فهي لا تفرق بين علاج السرطان أو حتى وسائل منع الحمل ولعل أكثر هذه المنتجات شيوعا هي الأدوية المضادة للملاريا والمضادات الحيوية.

وأكدت المنظمة، التابعة للأمم المتحدة ومقرها جنيف، أن تقديرها للنسبة البالغة 10% اعتمد على نتائج أكثر من 100 ورقة بحثية تناولت  48 ألف عينة من الأدوية في 88 بلدا ناميا.

ودعا تيدروس أدهانوم جيبريسوس، المدير العام لمنظمة الصحة العالمية إلى تعاون دولي يكافح هذا الفساد الطبي، ويعمل على وقف إنتاج هذه المنتجات وتداولها بين الدول.

ولعل الخطر الذي تسببه هذه الأدوية لا يتوقف عند حد المرض أو حتى الوفاة، ولكنها قد تحتوي على مواد سامة جداً، كما أنها تسهم أيضاً في زيادة البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية.

ويمتد خطر هذه الأدوية إلى فقدان الثقة في النظام الصحي بأكمله بداية من الطبيب وحتى المؤسسات الطبية، سواء كانت خاصة أو عامة.

 

أسباب انتشار الدواء المزيف

واجتمع الأطباء على أن هذه المنتجات صنعت بقصد تضليل المستخدم لها، سواء كان المريض أو حتى الطبيب، إلا أنه يجب التفريق بين الدواء ذي الجودة المنخفضة وبين الدواء المزور، فكل الأدوية المزيفة ذات جودة سيئة، بينما ليس كل دواء منخفض الجودة بالضرورة دواء مزيف.

ويوضح الأطباء أنه بالفعل يمكن تزوير أي دواء، ولكن هؤلاء المزورين يتوجهون إلى حيث يتزايد الطلب على دواء بعينه، أو ما يحقق بيعه ربحا وفيرا، ولهذا يتم تزوير المضادات الحيوية ومضادات الفيروسات، وأدوية السرطان، وأدوية الإيدز، والهرمونات والستيرئيدات، وبالتأكيد فإن هذه الأدوية قد تصل بالمريض لحالة مأساوية.

وكانت العديد من التقارير قد أثبتت أن تزوير الدواء لا يحتاج لأدوات معقدة، أو شبكة إجرامية ضخمة، ولهذا فليس من السهل كشف هذا التزوير.

وأصدر مركز الولايات المتحدة الأمريكية للإعلان عن الأدوية لأغراض المنفعة العامة تقريرا تشير التقديرات الواردة فيه إلى أن قيمة مبيعات الأدوية المزيفة قد تصل إلى 75 مليار دولار أمريكي في عام 2010، مما يشكل ارتفاعا بنسبة 92% مقارنة بالعام 2005.

وتجد هذه التجارة سوقا رائجة وسهلة في تلك البلدان التي تقل فيها الآليات اللازمة لمراقبة اللوائح الخاصة بالأدوية وإنفاذها، رغم أنها أيضا لا تستثني البلدان الأكثر صرامة، فقد أشارت العديد من التقارير الواردة من دوائر الصناعة الصيدلانية إلى اعتماد منتجي الأدوية المزيفة على وسائل وقنوات أكثر تعقيدا، وهو ما يصعب الكشف عنها حتى مع وجود أنظمة رقابة شديدة.

 

آليات المواجهة

وقد دعت منظمة الصحة العالمية إلى تطوير الحلول الابتكارية التي تعتمد على التكنولوجيا لمنع التزوير، سواء كان في مرحلة التصنيع أو لإمكانية الكشف عنه أثناء التوزيع.

كما أثبتت بعض الوسائل البسيطة والغير مكلفة فاعليتها في الكشف عن الدواء المزيف، فعلى سبيل المثال استخدام تحاليل قياس اللون، التي استحدثت أصلاً للأدوية القائمة على مادة الأرتيميسينين، والتي تم استخدامها من البداية للكشف عن الأدوية المغشوشة القائمة على مادة الأرتيسونات والمستخدمة في مكافحة الملاريا، والتي قد حققت نجاحا في كشف التزييف.

إلا أن هناك تدابير أخرى قد تم اتخاذها لمواجهة تجارة الأدوية المزيفة ومن بينها تقديم الدعم اللازم إلى السلطات المعنية بتنظيم الأدوية؛ وتوفير كواشف رخيصة وسهلة التأويل للتثبت من صحة الأدوية، مثل شريط التشفير؛ والتي من شأنها رصد الأدوية المغشوشة أو الأدوية المنخفضة الجودة عبر الحدود الوطنية؛ بالإضافة إلى تثقيف المرضى والعاملين الصحيين والصيادلة.

وفي عام 2005، قامت منظمة الصحة العالمية، بإنشاء أول نظام إلكتروني عالمي يتمكن من تعقب الأنشطة الخاصة بتزوير الأدوية في إقليم غرب المحيط الهادئ، والذي يدعى نظام الإنذار السريع، حيث تقوم شبكة الاتصالات التابعة له بنقل تقارير عن توزيع الأدوية المزيفة إلى السلطات المعنية والتي بدورها تتخذ الإجراءات اللازمة لمواجهة توزيعها على وجه السرعة.

وتبحث بعض البلدان الأخرى عن وسائل أكثر تعقيدا لتتبع تلك المنتجات المزيفة، ومنها تجربة الترددات الصوتية وأنظمة تكنولوجية أخرى، إلا أن هذه الوسائل المعقدة لابد من العمل على إتاحتها للبلدان النامية وتسهيل استخدامها فيها.

ويبقى أن يتم التعاون بين السلطات الحكومية المعنية بتنظيم الأدوية والجمارك والشرطة وشركات الأدوية والمنظمات غير الحكومية ومجموعات الدفاع عن المستهلكين، للكشف عن تلك  الأدوية المغشوشة والحد من توزيعها، والعمل على التوعية من مخاطرها، عن طريق وسائل الإعلام، من أجل إذكاء الوعي العام في هذا الصدد.