العدسة – منصور عطية
يبدو أن العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، يتجه نحو تغيير خارطة تحالفات بلاده الإقليمية، على وقع قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة موحدة للاحتلال الإسرائيلي.
مع من يفترض أنهما غريمان، قطر وتركيا، يرسم الأردن تحالفات جديدة بعيدًا عن حلفائه التقليديين، مصر والسعودية والإمارات، على خلفية مواقف الثلاثي “الباهتة” و”المتآمرة” أحيانًا فيما يخص القدس.
من قاعدة الولاية التاريخية للأردن على المقدسات الإسلامية في القدس، وفي مقدمتها المسجد الأقصى تنطلق عمّان نحو هذا التوجه الجديد.
قضية الأردن الأولى
حتى قبل قرار “ترامب” كان الأردن صاحب الموقف الأقوى عربيًّا، وقاد اتصالات دبلوماسية نجحت بداية في تأجيل إعلان القرار، رغم أن السعودية قفزت على هذا الدور وأعلنت أنها صاحبة الفضل في التأجيل.
وبدلًا من أن ينسق الأردن في قضية القدس مع حلفائه التقليديين توجه إلى غريمين لهؤلاء الحلفاء، حيث التقى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في أنقرة الجمعة الماضية، وشددا على تمسكهما بضرورة الحفاظ على الوضع القائم بمدينة القدس.
الملك “عبد الله الثاني” بصحبة الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان”
وقبلها بيوم أجرى أمير قطر الشيخ تميم بن حمد اتصالًا هاتفيًّا بملك الأردن بشأن القرار الأمريكي، على الرغم من موقف عمّان الموالي لدول الحصار ضد الدوحة في الأزمة الخليجية الأخيرة.
وكان لافتًا أن التحالف الثلاثي (مصر، السعودية، والإمارات) لم يكن ضمن محطات الأردن في الاتصالات المكثفة بشأن القدس.
وفي يوم الجمعة أيضًا، احتشدت شوارع الأردن في جميع المدن والمحافظات بمسيرات جماهيرية، مدعومة رسميًّا، وجيَّشت فيها عمان كافة مفاصلها وأجهزتها، للتعبير عن غضبهم إزاء ما يخطط للمدينة المقدسة.
المسيرات الحاشدة نددت بالتواطؤ العربي تجاه المدينة المقدسة، ونادوا جميعاً بقطع العلاقات مع إسرائيل وإلغاء اتفاقية وادي عربة وطرد السفير الإسرائيلي من البلاد.
الدعم الرسمي لهذه التحركات عبر عنه الملك عبد الله الثاني بتغريدة عبر حسابه الرسمي على تويتر بقوله: “الأردنيون هم على الدوام نبض هذه الأمة، وما أظهروه اليوم من مشاعر جياشة تجاه القدس، قضيتنا الأولى، بتلاحم وتآخ لا مثيل لهما، يعكس مقدار شموخ شعبنا ورقيه، وهو مصدر فخر لي ولكل عربي، حفظ الله الأردن وشعبه درعا وسندا لأمتنا وأبنائها”.
تواطؤ عربي
الواقع الحالي يُظهر الأردن وحيدًا، في موقف عصيب يدافع فيه عن شرعيته القانونية والتاريخية والدستورية، عن المدينة التي طالما كانت وازدهرت تحت الحكم الأردني منذ عشرينيات القرن الماضي، وسط غياب دول عربية حليفة عن اتخاذ موقف قوي وواضح تجاه القرار الأمريكي.
وبحسب تقارير إعلامية، فإن الأردن بات يخشى الآن دخول عواصم عربية وإسرائيل والإدارة الأمريكية في مفاوضات على المدينة المقدسة تحت مسمى “مفاوضات السلام” تكون بمجملها على حساب الأردن وهويته في المدينة المقدسية.
“ترامب” و “الملك سلمان” و “السيسي” في افتتاح مركز اعتدال
وكردة فعل طبيعية، يعمل ملك الأردن على كسب أصدقاء وتحالفات جديدة، بعدما شعر بأنه يقف وحيداً في معركة الدفاع عن القدس أمام الإدارة الأمريكية الحالية.
المفارقة أن دولة حليفة للأردن مثل السعودية طلبت من رعاياها المقيمين في الأردن عدم الاقتراب من المسيرات المناصرة للقدس المحتلة “حفاظًا على سلامتهم”!.
الكاتب في صحيفة “الرأي” الحكومية “مجيد عصفور” لم يستبعد في أحد مقالاته أن تكون دول عربية “باركت خطوة “ترامب” من وراء ستار”، ويقول: “ربما تكون دول عربية أعطت ضوءًا أخضر لـ”ترامب” في قراره، وهو ما جعله يشعر بالراحة”.
اللافت، أن قرار “ترامب” يأتي على وقع توتر حاد منذ أشهر بين الأردن وإسرائيل، بسبب مقتل أردنيين على يد حارس يعمل في السفارة الإسرائيلية بعمّان.
ولعل تواصل ملك الأردن مع تركيا وقطر خطوة أولى ربما تتبعها خطوات أخرى أكثر بُعدًا عن التحالف القديم بالتوجه نحو إيران، وحركة حماس.
الولاية الأردنية على القدس
تفيد المصادر الرسمية الأردنية إلى أن الهاشميين بدؤوا منذ عام 1923 بالمساهمة في ترميم الأماكن المقدسة بالقدس على يد الشريف حسين بن علي, بناء على ما يوصف بأنه “عقد شرعي وأخلاقي” مستمد من دور الهاشميين السابق في إدارة شؤون المقدسات بمكة المكرمة.
وخلال الحقبة الفاصلة بين بداية الانتداب البريطاني على فلسطين ونهايته عام 1948، لم تكن قضية الإشراف على الأوقاف والأماكن الإسلامية المقدسة بالقدس محل تنازع بين الأردن والفلسطينيين، إلا أن الوضع بدأ في التغير مع صدور قرار تقسيم فلسطين عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في نوفمبر 1947، فقد منح القرار القدس وضعا خاصا يميزها عن المناطق التي خصصت للعرب وتلك التي خصصت لليهود.
ومع انتهاء الحرب العربية الإسرائيلية الأولى، بتوقيع اتفاقات هدنة بين الأردن وإسرائيل في فبراير 1949، أصبحت المدينة ومقدساتها وأوقافها خاضعة لحكم أردني مباشر بحكم الأمر الواقع، ورفض الملك عبد الله الأول الاعتراف بحكومة عموم فلسطين.
الملك “عبد الله الأول بن الحسين”
واستمرت تبعية الضفة الغربية والقدس للأردن إداريًّا وقانونيًّا، رغم احتلالها من قبل إسرائيل بحرب 1967، ولم يؤد نشوء منظمة التحرير الفلسطينية عام 1964، والإقرار بأحقيتها بتمثيل الشعب الفلسطيني بالقمة العربية عام 1974 إلى تغيير هذا الوضع، وظل كل الموظفين المدنيين العاملين بالأوقاف والتربية والصحة بالقدس والضفة الغربية تابعين للإدارة الأردنية، وينظر لهم كمواطنين أردنيين نظرا لحملهم جواز السفر الأردني.
لكن الأمر تغير بعد اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987، فقد أعلن ملك الأردن حسين بن طلال عام 1988 فك الارتباط مع الضفة الغربية، لكنه أبقاها على الأماكن المقدسة بالقدس.
الملك “حسين بن طلال”
وعند توقيع معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية بوادي عربة عام 1994، أصر الأردن على تضمينها فقرة تنص على توليه رعاية الأماكن المقدسة بالمدينة، مما أثار تحفظا فلسطينيا رد الأردن عليه باستعداده لنقل الوصاية الأردنية إلى السلطة الفلسطينية، عندما يتوصل الطرفان الفلسطيني والإسرائيلي إلى اتفاق نهائي.
وفي فترة لاحقة، عين الأردن مفتيا للقدس، كما عينت السلطة الفلسطينية مفتيا آخر، ويواصل الأردن الاحتفاظ بما يسميه ولاية هاشمية على الأماكن الإسلامية المقدسة، وبـ640 موظفا بأوقاف القدس ما زالوا في عداد موظفي وزارة الأوقاف الأردنية.
اضف تعليقا