هذا اللي ظل من البلد.. ومن ريحة الأحباب.. مفتاح بيتي في صفد..ال هدموا الأغراب..شبنا على وعود وخطب..ولسا الأمل ما شاب..بستنا يصهل هالوعد.. وخيل الوعد ما لاح“.

 

كلمات الشاعر الشاب الفلسطيني عبد الشافي الدحلة، من قصيدته “مفتاح الحلم”، التي غناها الشاب الفلسطيني ابن مخيم اللجوء في الأردن أحمد الكردي، والذي لا يزيد عمره عن 23 عاماَ، ولكن “الدحلة” و”الكردي” وملايين غيرهم من أبناء فلسطين داخل الأراضي المحتلة وخارجها، بل وكل أبناء الثقافة العربية قد تشربوا بـ”المفتاح”، كرمز رئيسي للإعلان عن تمسكهم بحق العودة إلى أرض فلسطين، التي نهبتها عصابات الصهاينة عام 1984، بمباركة نظام دولي متواطئ منذ وعد بلفور عام 1917.

إنه المفتاح، هذا الرمز الذي تجده بكل الرسومات التي تحكي عن القضية الفلسطينية، وبالتذكارات التي يمنحوها لكل المؤمنين بهم، بينما ملايين من المفاتيح القديمة لا زالت متواجدة داخل بيوت فلسطينية بشتى بقاع الأرض على مدار 70 عامًا، وهي تلك التي حملها الآباء والأجداد عندما تم ترحيلهم قسراً عن بيوتهم بالمدن والقرى الفلسطينية، ليتكون عبر السنوات جيل وراء جيل من اللاجئين الفلسطينيين، بلغ عددهم حسب أقل تقدير 6 مليون فلسطيني.

“لم يكن يدرك جدي يومها أنه يحمل هذا المفتاح ليتحول لرمز عبر التاريخ، بل كان فقط يحمله كحرص تقليدي من رجل ظن أنه قد يعود إلى منزله خلال أيام أو شهور على الأكثر، “هكذا يقول الكردي في تعليق منه قبل ترديد أغنيته لأول مرة على مسرح أردني عام 2016، وهى الحقيقة التي يعرفها الجميع، قد حملوا المفتاح بشكل عفوي ليصبح فيما بعد هو الأبقى والأكثر جدارة للدلالة عن حقهم في العودة، بينا بليت الأموال والملابس وكل ما استطاعوا سريعا حمله معهم، بينما تطاردهم عصابات الهانجا الصهيونية ليصبحوا لاجئين في مخيمات بلبنان وسوريا والأردن، أو من قرى الداخل (حيفا ـ تل الربيع ـ يافا ـ الخليل ـ القدس) إلى الضفة الغربية، و منهم من عاش اللجوء مرتين، الأولى عام 1948، والثانية عام 1967.

ففي فيلم وثائقي حول مفتاح العودة كان اللقاء من داخل مخيم عايدة، شمالي مدينة بيت لحم بالضفة الغربية، مع الحاج الثمانيني عبد المجيد أبو سرور، الذي لا يفارق رقبته مفتاحه منذ ترحيله قسرا عن مسقط رأسه بلدة بيت نتيف، جنوب غرب القدس.

حكي قصته العفوية، فروى كيف غادر المنزل دون أن يتمكن من أخذ المفتاح، وعاش نحو أسبوع بين الأشجار في محيط القرية، ثم خاطر بنفسه وتسلل إلى القرية ليلا قبل تدميرها، وأخذ بعض الأغراض، ثم أغلق باب المنزل وأخذ المفتاح على أمل العودة قريبا.

حمل المفتاح من أجل عودة حقيقية متكاملة لنفس البيت بنفس التفاصيل، أما الآن وحسب ما ذكره، فهو يأخذ ذويه رغم صعوبة الحصول على تصاريح أمنية من المحتل الصهيوني إلى مدينة القدس الغربية، حيث كان منزلهم الذي لم يعد له أي أثر، ويشرح لأحفاده كيف كان البيت، وحدود ملكيتهم، مؤمنا أن العودة ستحدث يوما ما، مهما بدا ذلك الآن مستحيلاً.

وعن المفتاح نفسه، وارتباطه النفسي به، قال: “أعرف أن باب المنزل لن يفتح بمفتاحي، لكن التفريط به هو تفريط في الوطن، وتخلي عن قضيتنا العادلة التي سنبقى ندافع عنها حتى لو خذلنا كل العالم”.

ملايين الروايات المشابهة التي تحكي جميعها عن صفحات من الصمود، وأخرى من الوجع، وبها جميعاً تحول “المفتاح” إلى رمز، ومن أجله كتبت الأشعار، وخططت اللوحات ورسوم الكاريكاتير، فأصبح رمزا أصيلا للقضية الفلسطينية كما “الحطة”، والرسم الكاريكاتيري لـ”الطفل حنظلة”.

ليس هذا فقط، فمع مرور السنوات اهتم فنانون بتجسيد “المفتاح” في عمل فني يتفاعل بشكل يومي مع ذاكرة اللاجئين والعرب بشكل عام، فعلى مدخل مخيم العايدة قامت جمعية “بيت لحم الأهلية” على سبيل المثال، بنحت تمثال بقاعدة ملساء، ومن فوقها يميل “مفتاح” يشبه المفاتيح الفلسطينية القديمة، تم تثبيت التمثال أمام مدخل المخيم؛ ليكون رسالة ذات شفرتين: الأولى ناحية الشعب الفلسطيني نفسه، والثانية نحو المحتل، حيث انتشرت المستوطنات حول المخيم نفسه داخل الضفة الغربية، ورغم امتلاكهم القوة والطغيان، رأى الفلسطينيون تثبيت هذا المفتاح في وجههم، للتعبير عن موقفهم من قضية لا يمكن تحقيق عدالتها الآن.

أما على مستوى الدول، فقد بادرت “قطر” بتنفيذ عمل فني مشترك يجمع بين النحت والغناء عام 2016، فتم إطلاق أمسية ثقافية في الذكري الـ 70 للنكبة، شملت غناء للفلكلور الفلسطيني الذي يحمل الكثير منه أغاني تدفع نحو المقاومة، تلا هذا الكشف عن تنفيذ “مفتاح للعودة” ضخم، باعتباره الأكبر في العالم مما سمح بتسجيله داخل موسوعة “جينيس” للأرقام القياسية.