العدسة – بشير أبو معلا

التقارب بين الولايات المتحدة وإسرائيل والمملكة العربية السعودية، الذي يديره جاريد كوشنر، صهر دونالد ترامب، كان ردا على صعود التحالف الإيراني الروسي، فهذه المواجهة بين عمالقة النفط الأربعة (واشنطن والرياض وموسكو وطهران)، مع الارتفاع المحتمل في سعر البرميل، قد يضخ المزيد من هرمون “التستوستيرون” في هذا الاضطراب.

بسعر يتجاوز الـ 60 دولارا، تتضاعف طموحات جميع الأطراف، فإدارة “ترامب” تحلم بالهيمنة على قطاع الطاقة بفضل إنتاجها الصخري، أما فلاديمير بوتين من المتوقع أن يجني ما يكفي من النقد لتمويل إستراتيجيته، بينما نجد الإنفاق الهائل لدول “البترودولار” لإرهاق إيران في الشرق الأوسط، أظهر علامات الضعف على السعودية.

منذ أن روج الملك سلمان، لابنه البالغ من العمر 35 عاما محمد بن سلمان آل سعود، لتولي زمام الأمور، فإن أركان أكبر مصدر للنفط في العالم بدأت تهتز، فثروة المملكة تستند كليا على المادة الخام المستنفدة، وبما أن الأخبار السيئة لا تأتي فرادى، فإن استهلاك النفط المحلي يتزايد باطراد بينما تنخفض ​​في الوقت نفسه صافي صادرات البلاد.

الحاصدون، وهم أعضاء الأسرة المالكة، يفضلون وضع ثرواتهم في الخارج، وبالإضافة إلى ذلك، ينفق جزء كبير من الميزانية الوطنية على شراء الأسلحة للحروب الخارجية، بما في ذلك اليمن والعراق، كما أن الأسرة المالكة تدعم الإسلام السني، في حين أن السكان الذين يعيشون بالقرب من حقول النفط هم من الشيعة.

 

هل النفط لعنة؟

وبما أن 70% من السكان تقل أعمارهم عن 30 عاما، فالضغط لتوسيع الحريات الاجتماعية، وإيجاد فرص عمل مبتكرة آخذ في الازدياد، ومن خلال “رؤية 2030″، استوعب الأمير محمد بن سلمان هذه القضية، ومنذ أشهر يسعى لجمع تريليون دولار من أجل تحرير بلده من الذهب الأسود وجذب المستثمرين.

كما لو أن النفط، وليس ذروة النفط، أصبح لعنة للمملكة العربية السعودية، ومع ذلك، يبدو أن درجات الحرارة والجفاف اللذين لا يمكن تحملهما بصورة متزايدة في ظل الاحتباس الحراري الذي يعاني منه العالم، يجعل هذه المنطقة غير قابلة للاستمرار، فإلى أي مدى سيكون النفط قادرا على تشغيل أنظمة تكييف الهواء وتحلية المياه؟

كذلك قرارات الأمير الشاب لها نتائج مؤسفة، فبدلا من إحراز هدف في الخصم يضع الكرة في شباكه؛ فكوزير للدفاع أقحم بلاده في حرب اليمن، وبقصف الطيران السعودي قُتل عدة آلاف من المدنيين، مما أثار اتهامات ضدها بارتكاب “جرائم حرب”، وفي نوفمبر، قررت المملكة إغلاق الموانئ معرضة 7 ملايين يمني للمجاعة.

هدد الحوثيون الذين تقاتلهم السعودية بمهاجمة ناقلات النفط، ما جعل الرياض تعيد النظر فورا في قرارها، خاصة بعد أن قامت الميلشيات بإطلاق صاروخ باليستي باتجاه الرياض، لكنه فشل في استهداف مصفاة للنفط.

أما في سوريا، فمنذ بداية الحرب، سارعت السعودية بدعم مختلف الميليشيات السنية، وبعد أن وصل الأمير الشاب في عام 2015، قرر زيادة دعمه ضد الرئيس الأسد، وكان ذلك دون النظر لتدخل ونجاح الجيش الروسي في هذا الصراع بمساعدة إيران وحزب الله.

وبعد زيارة دونالد ترامب للرياض، جاءت المناورة الأكثر غموضا من قبل الأمير، وبجانب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والإمارات العربية المتحدة، أعلنت الرياض الحصار على قطر، لأسباب غير مقنعة، وحتى الآن، لا يعرف أي طرف كيفية الخروج من هذا المستنقع.

وفي آخر قراراته، أجبر ولي العهد رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري على الاستقالة أمام كاميرات التليفزيون السعودي، وعندما أطلق سراح سعد الحريري من المملكة برعاية الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، سارع الحريري بالعودة إلى بلده والاستمرار في منصبه.

ومؤخرا، أطلق محمد بن سلمان حملة تطهير داخلي، أوقف من خلالها مئات الأمراء، ومسؤولين بالحكومة، وكبار الشخصيات، بحجة الفساد، وصادر أكثر من 800 بليون دولار من ثرواتهم الخاصة، فهل سيكون لدى الأسر المتضررة القدرة على الرد والإطاحة بالأمير؟ هذا السؤال ليس له إجابة حتى الآن.