العدسة – كنان الشامي

أثار اتفاق “بيسكو” أو “التعاون الدفاعي المنظم” الذي أبرمته الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، الخميس الماضي، والذي يسمح بالتمويل والتطوير والنشر المشترك للقوات المسلحة في دول القارة، العديد من التساؤلات حول تداعيات هذا الاتفاق على حلف شمال الأطلسي “الناتو” بعد نحو 68 عاما على تأسيسه.

فهل يكون “بيسكو” الذي سعت إليه الدول الأوروبية منذ 70 عاما، ووصفه محللون ومسؤولون بالإنجاز التاريخي، بديلا لـ”لناتو” أم سيكون دوره مكملا؟ وما هو دور ألمانيا الذي لعبته في تحقيق الاتفاق الذي طال أمده؟

ووفقا للأوروبيين يهدف الاتفاق إلى القضاء على تبديد مليارات اليورو، بسبب اختلاف السياسات الدفاعية بين دول التكتل، كما يهدف إلى التقليل من اعتماد أوروبا على الولايات المتحدة في هذا المجال، فيما لا يشمل الاتفاق دول الدنمارك التي لديها خيار البقاء خارج الشؤون الدفاعية للتكتل ، وهو ما فعلته بالطبع بريطانيا بعد قرار انسحابها من الاتحاد.

ووصف رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك الخطوة، خلال خطابه أمام قادة الاتحاد الأوروبي وقادة جيوش الدول الأعضاء بأنها ”أخبار سيئة لأعدائنا“، مشيرا إلى أن الحلم يتناقض مع الواقع، لكن اليوم الحلم أصبح واقعا“.

ولمحاولة الإجابة على التساؤلات السابقة قال الباحث في مجال الأمن والدفاع، خلال مقال بموقع انترناشونال بوليسي دايجست، إنه بعد عقد من اعتماد معاهدة لشبونة، أبرم الاتحاد الأوروبي (تحديدا 23 دولة من أعضاء الاتحاد) اتفاقا بين الحكومات، يسمح بالتمويل والتطوير والنشر المشترك للقوات المسلحة .

وأضاف أنه على الرغم من الأصوات المحذرة التي تأتي من هامش النظام السياسي الأوروبي، فإن المبادئ التوجيهية وراء التعاون الهيكلي الدائم لـ”بيسكو” لا يمثل الفكرة (المتفائلة) حول وجود قوة عسكرية أوروبية موحدة .

وتابع أنه بدلا من ذلك يمثل “بيسكو” فرصة سياسية واضحة وحالية لتعزيز التعاون الهيكلي بين أعضاء الاتحاد الأوروبي المتشابه، ونفى الميول والأفكار، (الطموحة) وأعضاء الاتحاد الأوروبي داخل حقل السياسة الدفاعية .

وذكر أنه جنبا لجنب مع “بيسكو” سيكون جزءا من جهود الاتحاد الأوربي، لترسيخ نفسه، كفاعل (عنصر) عالمي حسن النية، من خلال تطوير – ما تحدده الإستراتيجية العالمية للاتحاد الأوروبي – الاستقلال الإستراتيجي .

وأشار إلى انه من المسلم به، أن البعض ينظر إلى أن أي شكل من أشكال الاستقلال الإستراتيجي للاتحاد الأوروبي، من شأنها أن تكون بمثابة تحدي غير ضروري لحلف شمال الاطلسي (الناتو) على اعتبار أنه مرساة أساسية للأمن والاستقرار في القارة العجوز.

وأوضح أنه ومع ذلك فإنه من العبث أن نفترض بشكل تلقائي أن الطموحات الأوروبية للاستقلال الإستراتيجي هي محاولة لإزاحة الناتو أو انتزاع دوره، وبالنسبة لأولئك الذين يسعون لتبرير هذا الادعاء فإن هناك أربعة نقاط يجب إعادة النظر فيها بشكل دقيق .

أولا: تفتقر أوروبا (وستظل تفتقر في المستقبل القريب) إلى الموارد المالية اللازمة، لكي تحل محل حلف شمال الأطلسي، باعتبارها المزود الرئيسي للدفاع الإقليمي للقارة، وببساطة، لا يمكن التقليل من شأن الدور الذي يؤديه التحالف في الوفاء بهذه المهمة الوجودية الحاسمة للقارة العجوز.

ثانيا: الجمهور الأوروبي لا يحترم الوجود المستمر لحلف شمال الأطلسي فحسب، بل أيضا مساهماته في الأمن ما بعد الحرب الباردة، وعلاوة على ذلك لم تكن على الإطلاق حملة عامة ذات مصداقية ومدعومة جيدا لإلغاء التحالف والنظر في بدائل عملية تحل محله .

ثالثا: دافع حلف شمال الأطلسي وأيد بنفسه  فكرة أن يكون موقف الاتحاد الأوروبي أكثر قوة وثقة بنفسه، ومتفرغا واستباقيا، ويتقاسم الأعباء مع حلفائه داخل التحالف .

رابعا: من حيث مهام “بيسكو” المحتملة، والتخطيط الدفاعي والدعم الصناعي، لم يكن هناك أبدا تحديد أي شكل من أشكال التناقض له دلالة بين أولويات التحالف والاتحاد الأوروبي .

ولفت المحلل الأمني إلى أنه بعيدا عن الانتقاد القائل بضعف حلف الناتو، وخلافا للتخمينات العدائية، فإن طبيعة السيطرة السياسية والديموقراطية على القوات العسكرية التابعة للاتحاد الأوروبي ستظل بلا تغيير كامل في ظل “بيسكو” .

وختم مقاله قائلا: إن كل قوة عسكرية في القارة ستكون – وستظل – على وضعها الطبيعي والوطني، وببساطة فلن يكون ثمة تحول كبير في هذا الصدد، ولن تكون هناك محاولات من قبل الاتحاد الأوروبي ليحل محل القوات المسلحة الوطنية لدول الأعضاء وهياكل القيادية، والسيطرة المدنية السياسية .

 

تقرير مصير

وفى المقابل، رجح الكاتب إميل أمين – في مقال – حدوث تداعيات سلبية على الناتو، وربما يتفكك، مشيرا إلى إنه غير خاف على أحد أن الشعارات التي رفعها الرئيس الأميركي “دونالد ترامب” خلال معركته الانتخابية الرئاسية، قد دعت الأوروبيين إلى التفكير ملياً في مستقبل العلاقة بين ضفتي الأطلسي، وبصفة خاصة الألمان.

وأضاف أن المستشارة “ميركل” التي صرحت في مايو الماضي بأن أوروبا لا يمكنها أن تعتمد على شركاء أجانب بعد الآن، وأن أوروبا يجب من الآن أن تجعل مصيرها بيدها.

وذكر أن الدول الموقعة على الاتفاقية قدمت نحو خمسين مشروعاً مشتركاً في مجالات القدرات الدفاعية العسكرية، بهدف تعزيز الاستقلال الاستراتيجي، ومساعدة دول الاتحاد على مواجهة التحديات الأمنية.

وأكد أن العارفين ببواطن الأمور أوروبياً يدركون أن ألمانيا باتت قلب المفاعل الأوروبي النابض والحيوي، وهي قلقة على موقعها المتميز في الاتحاد سياسياً واقتصادياً، ولهذا فهي تزخم المشروعات التي تعزز من وحدة أوروبا على كافة الصعد.

ونبَّه، لكن على جانب آخر، هناك مخاوف من بقية الأطراف الأوروبية من ترك ألمانيا تصحو من جديد؛ لئلا تتكرر تجربة النازية المؤلمة.. هل سنشهد قريباً الفيلق الأوروبي الذي حلم به ميتران وكول، وساعتها ستكون نهاية «الناتو» حتمية مؤكدة؟