العدسة – باسم الشجاعي
على مدار أكثر من عامين، يراود المسؤولين في مصر، حلم عودة السياحة الروسية للقاهرة، ولعل ماعكس ذلك حالة الاحتفاء “الزائدة”، من قِبل وسائل الإعلام المحلية، بتوقيع الجانبين “المصري والروسي”، بروتوكولا أمنيًّا، قد يفتح الباب أمام عودة حركة الطيران المباشر بين “القاهرة وموسكو”، دون الإعلان عن موعد محدد لعودة السياح الروس.
الاحتفاء بالقرار المصري الروسي، انعكس على صحف القاهرة، الصادرة صباح السبت 16 ديسمبر، والتي أفردت مساحات واسعة من عناوين الصفحات الأولى، فضلا عن متابعات مستمرة من قِبل بعض المواقع الإلكترونية، الموالية للنظام الحالي.
أين السيادة؟
البروتكول الموقع بين “القاهرة وروسيا”، يتضمن قيام شركات خاصة بتوفير أمن الرحلات التي لم يحدد حتى الآن موعد لبدايتها، غير أن وزير الطيران المصري، “شريف فتحي، قال في مقابلة مع وكالة “سبوتنيك” الروسية، الجمعة 15 ديسمبر:إن “جنسية تلك الشركات محل تباحث، وسيتم الاتفاق عليها، ومعرفة التفاصيل قريبًا”، واصفًا الاتفاق بأنه “إجراء اعتيادي”.
القرار الجديد، وإن كان في ظاهرة عودة السياحة، إلا أن الأخطر فيه أنه سيمس سيادة الدولة؛ حيث من المتوقع (بحسب خبراء)، أن تقوم الشركة بالتدقيق الأمني على الطائرات والمطارات، والتعامل معها، دون تدخل من سلطة الطيران المدني تقوم بما يسمى “التفتيش الأمني”.
ماذا عن شركة “فالكون”؟
ولكن السؤال الأهم، هل سيعتمد الجانب الروسي على شركة “فالكون” الأمنية التي وقعت اتفاقية تعاون مع شركة “ريستراتا” الإنجليزية، لتأمين المطارات والموانئ رسميا، في أغسطس 2016، أم أنه سيتم البحث عن شركة أخرى.
ومن المعروف أن شركة “فالكون” التي تأسست في 2006، يرأسها اللواء “شريف خالد”، وكيل سابق للمخابرات الحربية، ورئيس قطاع الأمن في اتحاد الإذاعة والتليفزيون سابقًا، وتقدم خدماتها الأمنية مسلحة بشكل كامل.
كما أنها الشركة الوحيدة في مصر التى لديها تصريح البندقية الخرطوش في الشرق الأوسط، والتي حصلت عليها قبيل تولي المسؤولية لتأمين “السيسي” أثناء حملته الانتخابية في 2014.
ووفقًا للدكتور “عادل سليمان”، رئيس منتدى الحوار الإستراتيجي فإن أغلب أفراد الشركة هم أفراد جيش وشرطة ومخابرات متقاعدون أو مكلفون سريًّا بالالتحاق بالشركة.
تكلفة كبيرة دون عائد
وبعيدا عن الشركة الجديدة وماهيتها، يتبادر للأذهان سؤال آخر، ماذا عن الـ 24 مليون دولار، التي تكبدتها القاهرة لتطوير الأجهزة الأمنية في مختلف المطارات المصرية، بعد أزمة سقوط الطائرة الروسية في أكتوبر 2015، ومن سيتحمل تكلفة التأمينات الجديدة التي يتحدث عنها الجانب الروسي، في ظل الأزمة الاقتصادية التي تضرب البلاد.
وبعيدا عن تأمين المطارات والشركة التي ستتولى تأمينها (التي مازالت غامضة حتى الآن)، يبدو أن استئناف الرحلات المباشرة بين البلدين بعد توقف دام عامين، في 1 فبراير 2018، ليس إعلانا بعودة السياحة، مما يشير إلي أن مصر مازال أمام طريق طويل من المفاوضات والمباحاثات.
فشل الموسم الجديد
الأمر لم يقف عن هذا الحد فحسب، ولكن يتزامن استئناف الرحلات المباشرة بين البلدين، مع انتهاء موسم رأس العام “الكريسماس”، وانتهاء أجازة نصف العام، ما يؤكد أن مصر ستكون بعيدة عن خريطة السياح الروس خلال الفترة المقبلة.
ويشار إلى أن نسبة اعتماد السياحة في مدينة شرم الشيخ بمحافظة جنوب سيناء، على السياح الروس تصل إلى 50%، مما يؤكد استمرار ضرب موسم أعياد الميلاد وعطلة نصف العام، وبذلك تواصل السياحة المصرية النزيف، والتي تشهد في الأساس تراجعا بنسبة 40 % خلال الربع الأول من العام الحالي.
فقطاع السياحة المصري، يتكبد خسائر فادحة، منذ تحطم طائرة الركاب الروسية في سيناء خلال شهر أكتوبر من عام 2015، ومقتل 224 شخصًا كانوا على متنها، ما أدى إلى خسارة الجانب المصري للسائح الروسي.
وبحسب وزير السياحة “السابق”، “هشام زعزوع”، في مقابلة مع وكالة “رويترز” مطلع العام الجاري، فإن مصر كانت تستهدف جذب 12 مليون سائح حتى نهاية عام 2017.
وتأمل مصر في استقبال 3.2 مليون سائح روسي سنويا بعد استئناف الرحلات الجوية مع موسكو، الذي لم يحدد بعد، أي ما يعادل أكثر من 25% من السياحة المستهدفة من العام الجاري، وبداية العام المقبل، وذلك بحسب “هشام الدميري”، رئيس هيئة تنشيط السياحة المصرية.
واستنادًا إلى بيانات رسمية، فإن قطاع السياحة تكبد خسائر تصل قيمتها إلى قرابة أربعة ملايين دولار يوميًّا، بسبب قرار من روسيا، بعد سفر راعياها إلي مصر حتي 2016، بينما توقع خبراء اقتصاد أن تصل خسائر قطاع السياحة جراء مغادرة السياح الروس 2.5 مليون دولار يوميًّا، في العام الجاري الذي أوشك على الانتهاء.
ويساهم قطاع السياحة المصري بـ14.5% في إيرادات النقد الأجنبي لمصر، ووصلت نسبة مساهمة السياح الروس في إيرادات النقد الأجنبي في عام 2014، إلى ما قيمته 2.5 مليار دولار، بمتوسط إنفاق يومي وصل إلى 57 دولارا للسائح.
ومع استمرار فشل مصر في ملف عودة السياح الروسية، بدأ الروس في الاتجاه لتركيا؛ حيث قال “تاراس ديمورا”، الرئيس التنفيذي لشركة TUI في روسيا ورابطة الدول: إن حوالي 6 ملايين روسي سيزرون إسطنبول في عام 2018، بالرغم من أن متوسط سعر الليلة في الفندق التركي من 60 – 70 دولارا يوميا، بيما في مصر يبلغ سعر الليلة في الفندق 30 دولارا.
دون جدوى
ومنذ توقف الرحلات الروسية إلى مصر في 2015، دائمًا ما تطلق تصريحات بشأن استئناف الرحلات الجوية، مع الجانب المصري فقط، ولكنها دون أي إثبات على أرض الواقع.
ومع زيارة الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” للقاهرة، الاثنين 12 ديسمبر الجاري، احتفى الجانب المصري بتصريحات “بوتين”، غير أنه أيضا لم يحدد موعد عودة السياح الروس لمصر، واكتفى بالقول: “ناقشت مع الرئيس عبد الفتاح السيسي استئناف الطيران، وقد قدم إلى الجانب الفيدرالي الروسي بأننا على استعداد لاستئناف الطيران بين البلدين” (دون تحديد موعد).
كما أن وزير النقل “مكسيم سوكولوف” لم يحسم الأمر أيضا وأبقاه معلقا، وقال بعد يومين من زيارة “بوتين” للقاهرة، إنه “يمكن عودة الرحلات المنتظمة بين القاهرة وموسكو في النصف الأول من فبراير عام 2018، إذا لم تحدث أية حوادث سلبية”.
اضف تعليقا