العدسة – بشير أبو معلا
منذ صعوده إلى ولاية العهد، والقرارات التي يتخذها الأمير محمد بن سلمان تثير استغراب الأصدقاء والأعداء على حد سواء، ذلك بسبب التحولات الجذرية التي يراها كثيرون أنها ثورة على قواعد راسخة وقديمة في المملكة سواء في السياسة الداخلية أو الخارجية ويمكن أن تؤدي إلى عواقب لا يمكن توقعها.
الخطة التي أطلقها محمد بن سلمان يسعى من خلالها إلى اعتماد مصادر أخرى للدخل بدلا من النفط، وتكرار النموذج الإماراتي في المملكة، لكن هل يستطيع تحقيق ذلك؟ يبدو أن الحلم بعيد المنال.
في الآونة الأخيرة، أطلق ابن سلمان خطة طموحة للإصلاح الاقتصادي والاجتماعي لبلاده، من خلال جعل المعركة ضد الإسلام السياسي والراديكالي في قلب هذا المشروع، وهي إستراتيجية تأثر بها عن طريق معلمه، ولي العهد الحالي لدولة الإمارات محمد بن زايد، الذي يعود له الفضل في ذلك جزئيا، وفقا لصحيفة “أتلانتيكو” الفرنسية.
كما أن هناك أشياء مشتركة بين السعودية والإمارات،كأنهما يسعيان للتسلح بشكل كبير، لا يحبان قطر أو إيران، لدى الرجلين صفات كثيرة مشتركة، فلم يكن يتوقع أحد أن يصبحا الاثنان ولِيَيْ عهد، كلاهما الابن المفضل لوالده، الاثنان طائشان وعسكريان.
محمد بن زايد كذلك من أتباع دبلوماسية القوة، كما أنه وابن سلمان بارعان في استخدام هذا المنهج، وطموحان جدا، ولا يمكنهما الحرب في أكثر من جهة في آن واحد، والجميع يؤكد أنهما قريبان جدا.
ولي العهد الإماراتي، قرر شن حرب ضد جماعة الإخوان المسلمين والإسلام السياسي، لأنه يريد فصل الدين عن السياسة، ويعتبر الإخوان المسلمين أعداء وكذلك الشيعة.
التأثير الحقيقي لمحمد بن زايد، أدى لاقتناع أخيه الأصغر وصديقه محمد بن سلمان، بأن الرياض لا يمكنها أن تكون نموذجا للحداثة والكفاءة كالإمارات، طالما أنه لم يتخلص من الظلام الديني، رغم أنه يعلم أن هذا الأمر إن كان يصعب تطبيقه في الإمارات، فهو أكثر صعوبة في المملكة.
افتتان ولي العهد السعودي بنظيره الإماراتي، بات ظاهرا وبوضوح، فهو أدرك أن الإسلام الراديكالي للمذهب الوهابي يقف حائلا أمام التقدم والحداثة.
محمد بن سلمان ليس ليبراليا ديمقراطيا أو علمانيا، لكنه يدرك أن البلاد لا يمكن أن تتطور دون المرور بحد أدنى من الحد من السلطة الدينية التي تعترض على السماح للمرأة بقيادة السيارة، وغيرها من السخافات، وبدون ذلك لن تشهد السعودية أي تنمية.
محمد بن زايد أقنع تلميذه أيضا باستخدام منهج القوة، السعودية لم تستخدم العدوانية المباشرة، لكن منذ وصول محمد بن سلمان للسلطة أصبح أسلوبه عسكريا جدا، وبدعم من الإمارات، أعلن حربا غير عسكرية ضد قطر، وبدعمهم أيضا يحلمون بغزوها.
لكن إمكانية محمد بن سلمان تكرار النموذج الإماراتي في السعودية يعتبر صعب لعدة أسباب، أولا بالنسبة للسكان، عدد السعوديين يفوق بأكثر من ثلاث مرات عدد مواطني دولة الإمارات العربية المتحدة، ويوجد عدد أكبر من الفقراء، فالسعوديون الأصوليون يزدادون فقرا، حيث يوجد ما لا يقل عن 30٪ من الفقراء الجدد، وثانيا الديمغرافيا المتفجرة.
الشيء الثالث، منذ نشأة السعودية، تقوم مملكة الفصام على التحالف بين القبيلة البراجماتية (آل سعود) والطائفة الدينية الراديكالية، التي باتت جزءا من الدولة السعودية منذ تأسيسها.
أما في الإمارات من السهل محاربة الراديكاليين، رأينا لوحة للعذراء المقدسة في متحف “اللوفر”بأبو ظبي، وهو الأمر الذي من المستحيل رؤيته في السعودية، فهناك جزء من الشباب مؤيد للغرب، الذي يدعم محمد بن سلمان، وعلى عكس الإمارات، هناك أيضا جزء كبير من المتشددين الذين من المرجح أن يعارضوا معركة ولي العهد ضد الدين.
أما من الناحية الاقتصادية للإصلاحات التي يمكنها المضي قدما، فمحاربة الفساد تحظى بشعبية كبيرة، لكن الأسس الدينية الراديكالية قد تكون هي المشكلة، لأن هناك جزءا من المؤيدين لابن سلمان أصوليون، وكذلك الكثير من الزعماء الدينيين يتولون مناصب رسمية.
توجد أيضا بؤرة من المتعصبين الذين قد يعتبرون ولي العهد “كافرا”، والبعض يتحدث عن أن الدعوة إلى الحداثة قد ينتج عنها ردود فعل عنيفة ضده، وهي المشكلة التي لا نجدها في الإمارات.
اضف تعليقا