العدسة – منصور عطية
تهديد كشف الوجه الحقيقي للولايات المتحدة الأمريكية والذي يزداد قبحًا يومًا تلو الآخر خاصة في عهد الرئيس الحالي دونالد ترامب، وباتت صورة أمريكا “الخيّرة” باهتة.
“ترامب” هدد، الأربعاء، بقطع المساعدات الأمريكية عن الدول التي ستصوت لصالح مشروع قرار في الأمم المتحدة يدين اعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمة لإسرائيل.
وقال “ترامب”: “نحن لا نعبأ بذلك، ولكن الوضع لن يكون مثل الماضي عندما كان يمكنهم التصويت ضدنا ثم يحصلون على مئات الملايين من الدولارات من الولايات المتحدة”، مضيفًا: “شعبنا سئم من استغلال بلادنا، ولن نسمح باستغلالها بعد الآن”.
” دونالد ترامب “
وبقدر ما يكشف هذا التصريح ظاهريًّا حرصًا من الرئيس الأمريكي على مصالح شعبه وبلاده، غير أنه يخفي وراءه استخدامًا غير مسبوق للمساعدات والمعونات الأمريكية، كسيف مسلط على رقاب العديد من دول العالم المتلقية لتلك المساعدات.
كما يعيد إلى الأذهان قرارًا أمريكيًّا صدر في أغسطس الماضي، بحرمان مصر من مبلغ 100 مليون دولار، والامتناع عن صرف مبلغ 195 مليون دولار إضافية، بانتظار “تحسّن سجل القاهرة على صعيد حقوق الإنسان والديمقراطية”.
عودة لمرحة الإملاءات
وتعد المساعدات الاقتصادية الأمريكية إلى الخارج واحدة من الأدوات الفعالة لتحقيق أهداف السياسية الخارجية الأمريكية، ومنذ خرجت الولايات المتحدة إلى الوجود كقوة عالمية كبرى بعد الحرب العالمية الثانية، احتلت المساعدات إلى الخارج دورًا بالغ الحيوية كأداة لتحقيق هدف أساسي يتم تعريفه على المستوى الرسمى بأنه تعزيز الأمن القومي للبلاد.
نظرة الولايات المتحدة لنفسها كقوة كبرى وزعيمة للعالم الحر، استلزم الاحتفاظ بشبكة مترابطة من العلاقات السياسية والعسكرية والاقتصادية والأيديولوجية مع الخارج.
ومنذ البداية، كان العامل المسيطر والمحرك لنظرية الأمن القومي للولايات المتحدة هو مواجهة النظام الاشتراكي، وعلى رأسه الاتحاد السوفيتي، وتعبئة كافة القوى لمواجهة ما يسمى بالتوسع والغزو الأحمر.
في فترة الحرب الباردة، وهى الفترة الممتدة حتى أوائل سبعينيات القرن الماضي، كانت المساعدات الاقتصادية الأمريكية إلى الخارج تتنقل أساسا من خلال العلاقات الثنائية، وتتخذ شكل المعونات الغذائية والقروض على وجه العموم، أما في الفترة الثانية، وهي التي تبدأ من أوائل السبعينيات باتباع سياسية الانفراج أو الوفاق، فإنه يلاحظ زيادة الاهتمام الأمريكي بتوفير المساعدات عن طريق العلاقات متعددة الأطراف، ومن خلال مؤسسات التمويل الدولية كالبنك وصندوق النقد الدوليين.
المرحلة الأولى، كان يميزها وجود شروط أمريكية واضحة لإعطاء المعونات إلى الدول النامية، أما الفترة الثانية، فشهدت تحولًا في طريقة إملاء هذه الشروط، حيث أصبحت المعونة تتقرر من قبل البنك وصندوق النقد الدولين اللذين تسيطر الولايات المتحدة عليهما، سواء من خلال رأس المال، أو من خلال عملية اتخاذ القرارات عن طريق قوتها التصويتية وسيطرة موظفيها.
ولعل التطورات التي حدثت في طبيعة النظام الاقتصادي العامة وهيكل العلاقات السياسية الدولية، كانت تفرض على الولايات المتحدة ضرورة اللجوء إلى تلك الأشكال من الوصاية الدولية متعددة الأطراف، بحيث تتحقق في النهاية أهدف الأمن القومي الأمريكي، ودون أن يظهر دور الولايات المتحدة كدولة كبرى دورا سافرا في هذه الوصاية.
وخلال المرحلتين على السواء كرست السياسة الخارجية الأمريكية جهودها على استخدام الدولار استخدامًا سياسيًّا في المعونات الخارجية، وهو ما أطلق عليه الاقتصادي الأمريكي “ستيوارت سميث” مسمى “الدولار السياسي”، حيث وجه انتقادات قاسية لسياسة المساعدات الاقتصادية الأمريكية بوصفها لونا من ألوان السيطرة الجديدة لخدمة الأهداف الأمريكية، دون مراعاة المصالح الوطنية للدول المتلقية للمساعدات.
إلا أن الواقع الحالي في عهد “ترامب” يشير إلى عودة قوية لنهج أمريكا في توزيع المساعدات، على نحو أشد ضراوة بإملاء شروط تصل إلى حد تبني المواقف السياسية الأمريكية، حتى من قبل أنظمة ربما تضعها هذه المواقف في حرج كبير أمام شعوبها، كالحال في قضية القدس.
إسرائيل تأشيرة العرب
وحتى منتصف الستينيات كانت المساعدات الأمريكية إلى الدول العربية تذهب أساسا إلى تلك الدول التي أقامت الولايات المتحدة في أراضيها قواعد عسكرية، وكذلك التي أبدت تجاوبًا كبيرًا مع أهداف السياسة الخارجية الأمريكية، وفي مقدمتها المغرب، التي أعطت للولايات المتحدة تسهيلات بحرية وجوية، وليبيا، حيث كانت توجد قاعدة “هويلس” الجوية، والمملكة العربية السعودية.
أما بالنسبة لمصر، فقد استمر التوتر يحيط علاقاتها مع أمريكا حتى أوقفت الأخيرة شحنات الحبوب، ثم كان العدوان الإسرائيلي على الدول العربية في يونيو 1967، بدعم من الولايات المتحدة، وهو ما أدى إلى قطع العلاقات الدبلوماسية.
وفي أعقاب حرب أكتوبر 1973، كان المجهود الرئيسي الأمريكي مركزا على هدف الاقتراب نحو مصر، بوصفها قوة سياسية وعسكرية ذات تأثير حاسم في مجريات الأمور العربية، وكان من الواضح، أن المساعدات التي قدمتها أمريكا إلى كل من مصر وسوريا في أعقاب الحرب، ارتبطت في الأساس بنتائج اتفاقات فك الاشتباك بين القوات العربية والإسرائيلية.
وبمعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية عم 1979، أصبحت المساعدات الأمريكية أكثر تقنينًا، وارتبطت بمقدار ما تبديه الدول العربية من تقارب مع الاحتلال الإسرائيلي، إلى حد أصبحت معه تلك المسعدات مكافأة على السلام والتطبيع مع الاحتلال، كما في الحالات المصرية 1979، والأردنية والفلسطينية 1994.
الآن، وقد أصبحت مسألة التطبيع مع الاحتلال واقعًا غير مسبوق مع بعض الدول العربية، وسعيًا حثيثًا من قبل دول أخرى، بات الأمر جزءًا أساسيًّا من متطلبات الحصول على المساعدات بالنسبة للدول الفقيرة، واستمرار علاقات الصداقة بتلك الغنية مثل دول الخليج.
وهو ما يفسر الارتباط الشديد الذي يبديه “ترامب”، بين عدم الاعتراض على قراره بشأن القدس، وبين الاستمرار في تدفق المساعدات، وربما يتخطى الأمر ذلك إلى إعادة النظر في العلاقات السياسية والدبلوماسية وغيرها بين أمريكا والدول التي لا تلتزم بما تمليه واشنطن.
خريطة المساعدات بالأرقام
ووفق تقرير أصدرته الخارجية الأمريكية، قدمت الولايات المتحدة 35 مليار دولار إلى أكثر من 140 دولة حول العالم، خلال عام 2014.
وتظهر الخريطة أعلى 77 دولة بالنسبة لحجم المساعدات التي تتلقاها من الولايات المتحدة، ويشير اللون إلى حجم الناتج المحلي الإجمالي للفرد الواحد.
خريطة المساعدات “الأمريكية” لدول العالم
وأعلى 5 دول مستفيدة من المساعدات الخارجية الأمريكية، بحسب التقرير، هي: إسرائيل بقيمة 3.1 مليار دولار، ثم مصر 1.5 مليار، وأفغانستان 1.1 مليار دولار، فالأردن بمليار دولار، وباكستان 933 مليونًا.
وتعتبر إسرائيل الدولة الأعلى في تلقي المساعدات الخارجية الأمريكية، بنسبة تبلغ نحو 9% من إجمالي ما تقدمه لجميع الدول، ويتم إنفاق كامل مبلغ المساعدات على الجيش والدفاع.
وجاءت مصر كثاني أعلى دولة عالميًّا والأولى عربيًّا وإسلاميًّا في تلقي المساعدات الأمريكية، أغلبها (1.3 مليار دولار) يوجه للجانب العسكري، والباقي مساعدات تنموية.
التقرير بيّن أن الأردن والعراق حصلا على مساعدات عسكرية أمريكية تقدّر بـ300 مليون دولار لكل واحد منهما، ممّا يجعلها في المرتبة الثانية عربيًّا بعد مصر في سلم هذه المساعدات، بينما أتت لبنان في المركز الثالث بـ75 مليون دولار، تلاها في المركز الرابع كل من تونس واليمن بـ20 مليون دولار لكل منهما.
وأظهر التقرير أن البحرين أتت في المركز الخامس بـ10 ملايين دولار، ثم عمان سادسة بـ8 ملايين دولار، والمغرب سابعًا بـ7 ملايين دولار، بينما لم يأت ترتيب الجزائر وليبيا والمملكة العربية السعودية وفسطين في هذا السلم.
اضف تعليقا