العدسة – كنان الشامي
في مقال تحت عنوان ” حان الوقت أن تعاقب الأمم المتحدة السعودية ” كتب أكشيا كومار نائب مدير شؤون الأمم المتحدة في منظمة “هيومن رايتس ووتش”، أن مسؤولية ولي العهد السعودي محمد بن سلمان عن استمرار الكارثة الإنسانية في اليمن لا تتناسب مع الاحتفال بخطواته الإصلاحية التي وجدت صدى إيجابيا في واشنطن .
وأشار إلى أن فرض عقوبات محددة؛ بسبب القصف العشوائي، والحصار غير القانوني على السلع غير الأساسية على السكان المدنيين في اليمن، يقع ضمن صلاحيات مجلس الأمن الدولي .
وقال “كومار” إن الأمم المتحدة، وحتى الآن، اتخذت نهجا غير متوازن إزاء الصراع في اليمن؛ إذ فرض مجلس الأمن عقوبات على قادة الحوثيين المسؤولين عن الانتهاكات وحليفهم السابق على عبد الله صالح، بينما لم تقم بفرض أية عقوبات على قادة التحالف، بمن فيهم قادة عسكريون من الإمارات والسعودية، بسبب قوة حلفائهم، كالولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا رغم التدهور المستمر للوضع الإنساني في اليمن جراء الحصار .
وإلى نص المقال ..
اجتذبت موجات الإصلاح القادمة من السعودية تغطية صحفية إيجابية للسعوديين من قبل وسائل الإعلام في واشنطن، حيث تعهدت الحكومة الحالية بتمكين المرأة من القيادة، والسماح بدور سينما، وحصص التربية الرياضية للفتيات بالمدارس.
وهذه الإجراءات تعد بمثابة خطوات مهمة، لا سيما فيما يتعلق بالمساواة بين الجنسين، وفى هذا الشهر، وفي نهاية المطاف، فاز ولي العهد السعودي، الذي يعتبر المحرك الرئيسي وراء كل هذه الإصلاحات، في استطلاع رأي القراء لمجلة “التايم” المتعلق بشخصية العام .
وفي ظل تلك التحركات، يبدو أن الكثيرين سعداء بالتمويه على جرائم الأمير الشاب، بدلا من تتبع سجله الحافل بالمشاكل .
فقرار ولي العهد المفاجئ بتوقيف العشرات من الأمراء والمسؤولين ورجال الأعمال في فندق “الريتز كارلتون” بالرياض لاتهامهم بالفساد، جاء كما يبدو دون اتباع الإجراءات القانونية الواجبة، والذي يتطلب مزيدا من التدقيق والفحص.
وبالمثل أيضا مسؤوليته عن الكارثة الإنسانية المستمرة في اليمن فالحرب في اليمن، والدور البارز الذي يلعبه محمد بن سلمان لا يتناسب مع حديث الزعيم الشاب عن الرؤية الإصلاحية.
ومنذ مارس 2015، قادت المملكة تحالفا من الدول العربية ضد جماعة الحوثي التي تسيطر على أجزاء كبيرة من اليمن، ولم ينتج عنه شيء جريء أو تحوُّلي على الأرض، رغم استمرار قصف التحالف المتواصل للمدنيين اليمنيين، بينما يرفض التحالف الاتهامات الموجهة إليه بمسؤوليته على جرائم الحرب.
كما أن القيود المفروضة على الورادات تدفع ملايين اليمنيين إلى الاقتراب من حافة المجاعة، وتساعد على انتشار الأمراض التي يمكن علاجها عادة لولا الحصار، فلا ينبغي أن يحصل الأمير على تصريح مجاني، وبدلا من ذلك يجب أن يواجَه هو وغيره من كبار قادة التحالف بعقوبات دولية.
إن فرض عقوبات محددة على القصف العشوائي والحصار غير المشروع للسلع الأساسية، الذي يفرضه الحصار على المدنيين، هو من صميم اختصاصات مجلس الأمن .
وأصدر المجلس قرار في عام 2015، أعطاه سلطة فرض حظر السفر وتجميد الأصول لأي شخص مسؤول عن عرقلة إيصال المساعدات المنقذة للحياة.
ويملك المجلس سلطة فرض عقوبات على أي شخص ينتهك قوانين الحرب في اليمن، ويشترك قادة التحالف العربي، بمن فيهم ولي العهد في هذا الصدد.
وفى عالم يعاني من كوارث لا حصر لها، تحتل اليمن، مكانا مخجلا حيث تشهد البلاد أكثر أزمة إنسانية في العالم، وأسوء وباء كوليرا.
وحتى قبل الحملة العسكرية التي كانت تقودها السعودية كانت اليمن أفقر بلد في الشرق الأوسط، والآن تحذر الأمم المتحدة من أن اليمن على أعتاب واحدة من أكبر المجاعات في العصر الحديث.
ويبرر التحالف القيود التي يفرضها على اليمن، من خلال الإشارة إلى استخدام الحوثي لقذائف بالستية، في نوفمبر الماضي، ويزعم أنه تم تهريبها من إيران، ويقول السعوديون إنهم أسقطوا صاروخا آخر أطلقه الحوثيون اليوم (أمس الاثنين) على الرياض .
ووقفت مندوبة واشنطن لدي الأمم المتحدة نيكي هايلي ، مؤخرا في مؤتمر صحفي لتعرض شظايا صاروخية وصفتها أنها تعد دلائل دامغة على الأعمال العدائية الإيرانية ضد السعودية، وهو ما نفته إيران.
وبغض النظر عن أصل السلاح، فإن الهجوم الذي شنه الحوثيون على مطار الرياض الدولي في نوفمبر، كان عشوائيا وجريمة حرب محتملة.
والتحالف ليس الطرف الوحيد في الصراع اليمني الذي يرتكب انتهاكات، فلقد وثقنا الاعتقالات التعسفية، والاختفاء القسري، وسوء المعاملة للسياسيين والنشطاء والصحفيين من قبل الحوثيين، ويمنعون المساعدات، ويقصفون المدن اليمنية.
وكذلك تورطت قوات موالية للرئيس السابق على عبد الله صالح، لفترات طويلة في ارتكاب جرائم حرب .
وقد فرض مجلس الأمن حظرا على السفر، وتجميد الأصول على قادة الحوثي المسؤولين عن انتهاكات، بجانب حليفهم السابق على عبد الله صالح، ولدى الأمم المتحدة معلومات تشير إلى ضرورة فرض إجراءات فردية مماثلة على أعضاء التحالف، بمن فيهم القادة العسكريون من الإمارات والسعودية.
ولكن في الغالب بسبب قوة حلفاء المملكة، كالولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا ، لم يتصرف مجلس الأمن بجدية إزاء تلك المعلومات، على الرغم من تدهور الوضع الإنساني، فقد مضى 6 أشهر لم يقل مجلس الأمن أي شيئ عن اليمن ، ما شجع التحالف على مواصلة مساره المدمر.
وقد دعمت الولايات المتحدة التحالف، عسكريا ودبلوماسيا، خلال فترة ولاية الرئيس السابق باراك أوباما، حيث كانت الطائرات الأمريكية تقوم بتزويد طائرات التحالف بالوقود اللازم لشن غاراته ومواصلة القصف.
وفى وقت سابق هذا الشهر، اتخذ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خطوة أولى في معالجة انتهاكات التحالف، حيث أصدر بيانين علنيين من البيت الأبيض يطالب السعوديين بعدم عرقلة الغذاء والوقود والدواء والسلع المنقذة للحياة في اليمن.
وبوصفه وزيرا للدفاع في السعودية، وقائدا للتحالف العربي في اليمن، يتحمل محمد بن سلمان مسؤولية انتهاكات التحالف لمعايير القانون الدولي، كما عزف “ترامب” على نفس نغمة البيت الأبيض في ديسمبر وطالب السعوديين بتغيير مسارهم.
ولكن السعوديين لم يستجيبوا، والآن أصبح من الواجب وضع التهديد في السياق، بتوجيه نيكي هايلي لبدء محادثات في نيويورك تتعلق بفرض عقوبات على قادة التحالف.
وقد يرى البعض أن تلك الخطوة بمثابة أمر بعيد الاحتمال، ولكنه الشيء الصحيح الذي يجب القيام به في الوقت الحاضر.
وعلاوة على ذلك فإن ثمة تغييرا في المواقف ووجهات النظر العالمية في هذا الصدد، حتى إن بريطانيا تقترح الآن علنا، أن استمرار فرض القيود من قبل التحالف على السلع السعودية يعد انتهاكا للقانون الدولي الإنساني.
الاستمرار في حماية السعودية سوف يترك الملايين من اليمنيين عرضة لمواصلة طريقهم نحو الموت والبؤس، ولا ينبغي أن يتمكن ولي العهد بالتمويه بورقة الإساءات في الخارج بالحديث عن الإصلاح في الداخل .
اضف تعليقا