العدسة – كنان الشامي

نشرت صحيفة “الإندبندنت” البريطانية مقالا للكاتب باتريك كوبين قال فيه إن قرارات ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان المرتكزة على مشورة غير حكيمة تقوض مكانة السعودية في العالم، وتستعدي عليها كثير من الأطراف.

وأضاف الكاتب أن “بن سلمان” بلا شك أبرز شخص في منطقة الشرق الأوسط خلال العام الجاري، لكن تأثيره الأكبر يظهر بالفشل أكثر من النجاح في شق طريقه نحو العرش يتهم بالتزام المبدأ القائل إن الغاية تبرر الوسيلة، وبالانقضاض على منافسيه داخل الأسرة المالكة وخارجها، أما عندما يصل الأمر إلى مكانة المملكة في العالم فقد أدت حساباته الخاطئة إلى تراجعها.

ويضيف الكاتب أن “بن سلمان” الذي وصفه بـ”المتهور والمتقلب” تورط في مشاريع خارج المملكة تؤدي إلى عواقب تناقض ما أراده وخطط له، وقال إن سياسة “بن سلمان” الخارجية قامت على التصدي بعنف لإيران وحلفائها في الإقليم لكن هذه السياسية وسعت دور إيران في النهاية وزادت نفوذها في المنطقة.

وإلى نص المقال ..

لا شك أن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، هو رجل الشرق الأوسط لهذا العام، ولكن تأثيره الكبير في هذا الصدد  ينبع من إخفاقاته أكثر من نجاحاته.

فهو متهم أنه “ميكافيلي” في تطهير طريقه للجلوس على العرش، من خلال التخلص والقضاء على المعارضين داخل وخارج الأسرة الحاكمة داخل المملكة، لكن عندما يتعلق الأمر بموقف المملكة في العالم الخارجي، فأخطاؤه الناجمة عن سوء تقديره تشبه – في جزء صغير منها- المناورات البارعة لـ”ميكافيلي”، ولكن الغالبية الباقية تذهب لـ” المفتش كلوزو”.

و”كلوزو” أو النمر الوردي، هو شخصية خيالية هزلية تجسد مفتشا أحمق وغير كفء يعمل في مديرية الأمن الفرنسية، والذي ترتبط تحقيقاته دوماً بالفوضى والتخريب، واللذين يكونان دائما بسببه، ومحاولاته في حل قضاياه عادة ما تؤدي إلى حدوث المصائب له ولمن حوله.

ومرارا وتكرارا، شرع الأمير المتهور متقلب المزاج في تنفيذ العديد من المغامرات في الخارج، والتي دائما ما تأتي بعكس النتائج المرجوة، فعندما أصبح والده ملكا في مطلع 2015، قدم الدعم للمعارضين في سوريا وحقق بعض النجاح، ولكن هذا الدعم أثار تدخل روسيا على نطاق واسع، ما أدى بدوره إلى انتصار الرئيس بشار الأسد في نهاية المطاف.

وتقريبا في نفس التوقيت، شنت السعودية حملة عسكرية معظمها من خلال الغارات الجوية على اليمن، تحت اسم “عاصفة الحزم”، ولكن بعد عامين ونصف لاتزال الحرب والصراع بين الأطراف اليمنية مستمرين، وقتل أكثر  من 10 آلاف يمني، وأصبح هناك أكثر من  7 ملايين يمني على حافة المجاعة.

ويسلط ولي العهد تركيز السياسة الخارجية للسعودية على التصدي العنيف لإيران وحلفائها الإقليميين، لكن تأثير تلك السياسيات التي ينتهجها أدت في نهاية المطاف إلى زيادة النفوذ الإيراني في المنطقة.

وأدت أيضا إلى النزاع مع دولة قطر، حيث تلعب المملكة والإمارات دورا رئيسيا في عملية فرض حصار مستمر منذ 5 أشهر على قطر.

وكانت جريمة القطريين، هي تقديم الدعم لحركات متطرفة على غرار تنظيم القاعدة – وهي اتهامات صحيحة بنفس الدرجة من الصحة للسعودية المتهمة أيضا بذلك – وإقامة علاقات مع إيران.

وكانت النتيجة الصافية، للحملة المناهضة لقطر، هي أن اندفعت الدولة الصغيرة بالغة الثراء إلى ما هو أبعد من إقامة روابط مع الإيرانيين.

وكانت العلاقات السعودية مع الدول الأخرى تتسم بالحذر والنهج المحافظ في التعامل؛ تهدف للحفاظ على الوضع الراهن، لكن اليوم أصبحت تصرفاته مزعجة وغير قابلة للتنبؤ وغالبا ما تكون عكسية.

وخير دليل على ذلك ما حدث في نوفمبر، عندما تم استدعاء رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري إلى الرياض ثم لم يسمح له بالرحيل، وتم إجباره على تقديم استقالته من منصبه خلال كلمة متلفزة من الرياض.

وعلى ما يبدو كان الهدف من تلك الخطوة غير المدروسة من قبل المملكة هي إضعاف حزب الله وإيران في لبنان، لكنها على النقيض منحتهما التمكين في لبنان.

وتستند حسابات السعودية في كل ما تقوم  به من إجراءات وأفعال، إلى افتراض “زاج” وهو أن سيناريو أفضل الحالات سيتحقق حتما.

فلا توجد خطة (ب) ولا حتى الكثير من الخطة (ا)، فالمملكة هي مجرد سدادة للصراعات، وليس لديها أي فكرة عن كيفية وضع حد لها.

وقد يتصور محمد بن سلمان ومستشاروه أنه لا يهم ما يفكر فيه اليمنيون أو القطريون أو اللبنانيون، لأن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وصهره جاريد كوشنر ومستشاره لشؤون الشرق الأوسط يقفون في جانبهم بقوة.

وغرد دونالد ترامب ونجله بعد شن المملكة حملة ما يسمى بمكافحة الفساد، طالت حوالي 200 شخصا من النخبة في المملكة قائلا ” لدي ثقة كبيرة في الملك سلمان وولي عهد، وهما يعرفان ما يقومان به بالضبط “، وفى وقت سابق غرد “ترامب” لدعم عزل قطر باعتبارها مؤيدة للإرهاب.

لكن المملكة تعلم أن الدعم من البيت الأبيض هذه الأيام يجلب مزايا أقل مما كان عليه في الماضي.

ففترة اهتمام دونالد ترامب بهم قصيرة للغاية، بالنظر إلى انشغاله بالسياسة المحلية في أمريكا، ولهذا فإن موافقته لا تعني بالضرورة موافقة أجزاء أخرى من الحكومة الأمريكية.

وقد لا توافق وزارة الخارجية الأمريكية والبنتاجون على تغريدات “ترامب” الأخيرة، وربما تسعى لتجاهلها أو الالتفاف عليها.

وعلى الرغم من تغريدته الإيجابية، لم تدعم الولايات المتحدة السعودية في مواجهتها مع قطر، أو محاولة إجبار رئيس الوزراء اللبناني على الاستقالة.

ومن جانبه، أصبح البيت الأبيض يكتشف (يدرك) حدود القوة والسيطرة السعودية، حيث لم يتمكن محمد بن سلمان،  من الحصول على موافقة الرئيس الفلسطيني محمود عباس أبو مازن، على خطة سلام ترعاها الولايات المتحدة، وكان شأنها منح إسرائيل الكثير، والفلسطينيين القليل جدا.

وقد تبدو فكرة التحالف السعودي الإسرائيلي السري ضد إيران جذابة لبعض مراكز الأبحاث في واشنطن، ولكنها ليس لها معنى على أرض الواقع.

إن الافتراض أن اعتراف “ترامب” بالقدس عاصمة أبدية لإسرائيل، والوعد بنقل السفارة الأمريكية هناك، لن يكون له آثار طويلة الأجل على مجريات الأمور في الشرق الأوسط، فقد أصبح على ما يبدو متداعيا للسقوط حاليا.

إن السعودية – وليس منافسوها – هي التي أصبحت معزولة، وقد تغير ميزان القوى السياسية خلال الظروف السيئة التي تمر بها المنطقة على مدار العامين الماضيين.

وبعض من تغير هذه الموازين في المنطقة سبق صعود محمد بن سلمان لمنصب ولي العهد في 2015، حيث بدا واضحا أن مجموعة الدولة السنية بقيادة المملكة وقطر وتركيا فشلوا جميعا في تنفيذ رغبتهم في التخلص من نظام الأسد.

وقد تفرقت هذه المجموعة القوية مع اقتراب تركيا وقطر من المحور الذي تقوده إيران وروسيا، والذي أصبح القوة المهيمنة في الطبقة الشمالية من الشرق الأوسط بين أفغانستان والبحر الأبيض المتوسط.

وإذا أرادت الولايات المتحدة والسعودية أن تفعلا أي شيء حول هذا الاصطفاف الجديد، فقد أصبحتا متأخرتين جدا عن القيام بأي إجراء، فالدول الأخرى في الشرق الأوسط  تدرك أن هناك فائزين وخاسرين، ولا يرغبون في الارتكان إلى الجانب الخاسر.

فعندما دعا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى عقد اجتماع في إسطنبول هذا الأسبوع بمنظمة التعاون الإسلامي، الذي تنتمي إليه 57 دولة إسلامية لرفض وإدانة القرار الأمريكي بشأن القدس، لم تحضر المملكة سوى بتمثيل صغير لمنظمة التعاون التي تحتضر حاليا.

يأتي ذلك فيما حضر قادة دول أخرى، مثل الرئيس الإيراني حسن روحاني، والملك الأردني عبد الله الثاني،  وأمير الكويت وقطر وغيرها من الدول الأخرى، واعترفوا جميعا بالقدس الشرقية عاصمة لفلسطين، وطالبوا الولايات المتحدة بالرجوع عن إعلانها التوأم بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل سفارتها إلى هناك.

محمد بن سلمان يتبع التقاليد المتعارف عليها من زعماء العالم، الذين يظهرون مهارات “ميكافيلية” في تأمين السلطة داخل بلدانهم، ولكن جاههم داخليا يعطيهم إحساسا مبالغا فيه بقدراتهم في التعامل مع الشؤون الخارجية، وهذا يكون له عواقب وخيمة.

كان صدام حسين عنيفا جدا في الاستيلاء على السلطة في العراق، ولكنه دمر بلده من خلال شن حربين لم يتمكن من تحقيق الانتصار فيهما.

وكثيرا ما تفسر أخطاء ارتكبها القادة الأقوياء ، بسبب إصابتهم بـ”الإيجومانيا” (الأنانية الهوسية)، والجهل والإغراء والنصائح المضللة من كبار المساعدين والمستشارين.

وغالبا ما تكون الخطوات الأولى من التدخل الأجنبي مغرية؛ لأن القائد يمكن أن يقدم نفسه كحامل لواء الوطنية ويبرر احتكاره للسطة.

مثل هذا الموقف الوطني هو اختصار للشعبوية، ولكن هناك دائما فاتورة سياسية يجب أن تدفع إذا ما انتهت الحروب والنزاعات بالهزيمة والإحباط.

وقد قرر محمد بن سلمان بشكل غير حكيم، أن المملكة يجب أن تكون عنصرا فاعلا، وأن تلعب دورا أكثر نشاطا وعنفا، وفي اللحظة ذاتها تعاني قوتها السياسية والاقتصادية الحقيقة من الانحسار، فهو يلعب بثقة مبالغ فيها، ويجعل لها الكثير من الأعداء.