العدسة – منصور عطية

1000 يوم كاملة تمر على الحملة العسكرية التي شنها التحالف العربي بقيادة السعودية ضد الحوثيين المدعومين إيرانيًا في اليمن، وسط شعارات تقول إن الهدف من الحرب استعادة الشرعية التي يمثلها الرئيس عبدربه منصور هادي.

هذه الشرعية حتى قبل بدء الحرب ظلت قابعة في العاصمة السعودية الرياض، غالبية الأوقات، ولم يخرج منها هادي إلى بلاده إلا في أوقات استثنائية.

وبين استنزاف لخزينة المملكة، وقلق دولي ودعوات للتسوية السياسية، وخلافات مضطربة بين مكونات التحالف، ووضع إنساني متفاقم.. هل حققت الحرب أهدافها، ومتى يمكن أن تضع أوزارها؟.

اللافت أن الأيام الأخيرة شهدت العديد من المواقف الدولية والأحداث الساخنة على أرض المعركة، شكلت تحولات دراماتيكية للمشهد اليمني العام، ربما تنذر بتحولات أخرى في المستقبل أكثر خطورة.

بدأت الأحداث بمقتل الرئيس السابق علي عبدالله صالح على يد الحوثيين حلفائه السابقين، بعد معارك طاحنة في العاصمة صنعاء أعقبت إعلان صالح انقلابه على الحوثيين ونيته التقارب مع السعودية.

وصعد الحوثيون من هجماتهم الصاروخية واستهدفوا قصر اليمامة الملكي في الرياض لكن دفاعات المملكة الجوية أسقطته قبل بلوغ هدفه، وسط اتهامات أمريكية بتحمل إيران المسؤولية وراء الهجوم.

إلا أن واشنطن نفسها أكدت، الخميس، أن حل الأزمة اليمنية سياسي وليس عسكريا، وأن “هناك مجالا للتسوية السياسية مع الحوثيين لكن يجب ألا يهاجموا السعودية أو يهددوها”.

 

صراع قيادة التحالف

ولعل الحديث عن تحقق أهداف التحالف التي شن الحرب من أجلها يبدو غير منطقي في ظل انقسام واضح بين مكونيه الرئيسيين السعودية والإمارات، وما كشفته تفاصيل الحرب من صراع دائر بينهما على النفوذ في اليمن.

لم يكن الحديث عن صراع على النفوذ بين الدولتين بجديد، بل يرجع إلى منتصف عام 2016 أي بعد مرور نحو عام واحد على بدء الحرب.

الأزمة فجرتها تصريحات لوزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي أنور قرقاش، أعلن فيها أن دور بلاده العسكري في اليمن انتهى، لكنه سرعان ما تراجع بعد غضب السعودية.

وكانت أزمة إقالة نائب هادي السابق “خالد بحاح” رجل الإمارات الأول، وأزمة تعز وغيرها من الشواهد محل دراسة كشفت الأبعاد الأولية لهذا الصراع.

ومع استمرار نزيف الدم والمال للتحالف، بدأ الصراع يتخذ أشكالًا أعمق وأكثر خطورة، خاصة مع اندلاع أزمة انفصال الجنوب، لكن أحدث إرهاصات الدور الإماراتي المشبوه في اليمن كشفه الفيلم الوثائقي “كيد الشقاء”، الذي تحدث عن تورط الإمارات في أعمال استخباراتية ضد السعودية خلال الحرب على اليمن، فضلًا عن ضلوع القوات الإماراتية في إسقاط طائرة سعودية هناك هذا العام.

العديد من الشواهد على الممارسات والانتهاكات الإماراتية المخالفة للسعودية ولأهداف الحرب، رصدها وحللها (العدسة) في تقرير سابق.

وعليه فإن الحديث عن تحقق أهداف الحرب يكون أكثر واقعية عندما نفصل كلا الطرفين عن بعضهما.

 

ماذا حققت السعودية؟

وسط عدم تحقق للهدف المعلن من الحرب وهو استعادة الشرعية، فإن الأمر لابد وأن ينطوي على بنك أهداف أخرى، وهذا ما ذهب إليه الخبير في الشأن السعودي “فايز النشوان” الذي رأى أن السعودية حققت 3 أهداف رئيسية: أهمها أن الحدود الجنوبية أصبحت آمنة من “التوغل الحوثي”، رغم تهديد الصواريخ التي تطال أرض السعودية “ولكنها ليست خطرا استراتيجيا”، بحسب تصريحات صحفية له.

أما الهدف الثاني، بحسب النشوان، فإن جماعة الحوثي والموالين لصالح لم يتمكنا من السيطرة على كامل اليمن فهم يسيطرون على أقل من 20 % فقط من الأراضي اليمنية، فضلًا عن أنها مناطق مضطربة.

الأمر الثالث هو “قطع دابر المصالح الإيرانية في منطقة الجزيرة العربية وتقليل دور إيران في المنطقة وعدم إيجاد حزب الله آخر في اليمن شبيه بما هو موجود الآن في لبنان”.

“مايكل نايتس” الخبير الأمريكي في شؤون الخليج قال في مقابلة نشرها مركز واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، إن الضربات الجوية للسعودية “دمرت قسمًا كبيرًا جدًا من قوة الصواريخ التي كان الحوثيون يمتلكونها.

وأشار إلى أن الحرب البرية نجحت في تحرير عدن وتعز، واستعادت الحكومة الشرعية السيطرة على حقول النفط والغاز الرئيسية في مأرب وشبوة، أما الحصار البحري فقد نجح في عرقلة محاولات إيران لإعادة تموين الحوثيين بدرجة كبيرة، بحسب “نايتس”.

على صعيد الخسائر التي مُنيت بها السعودية فلا تتوفر معلومات رسمية أو إحصاءات دقيقة بشأنها، إلا أن تقارير إعلامية قدرت الكلفة اليومية للحرب بـ 750 مليون ريال، يتم إنفاقها كقيمة للذخائر، وقطع غيار، وإعاشة وتموين أفراد الجيش فقط، بينما بلغ إجمالي الكلفة الكلية للحرب خلال شهورها التسعة الأولى نحو 200 مليار ريال.

أما على مستوى الخسائر في العتاد والآليات وأعداد القتلى، فقد أسهبت تقارير أخرى في بيانها، لكن دون الاستناد إلى مصادر موثوقة.

 

الإمارات توسع نفوذها

وعلى الرغم من أن الإمارات هي الخاسر الأكبر (على مستوى الخسائر البشرية) في هذه الحرب مقارنة بدول التحالف الأخرى، إلا أنها تبدو من الناحية العسكرية والتموضع على الأرض في أريحية كبيرة، ويبدو أنها تحقق مكاسبها وأهدافها التي وضعتها نصب عينيها في هذه الحرب، بحسب تقارير إعلامية.

وأبرز الأهداف الإماراتية هو توسيع نفوذ أبوظبي جغرافياً في عموم الجنوب اليمني، وحتى الجنوب الغربي للشمال، وبالذات في العواصم والموانئ والجزر، وهذا يعني بالضرورة أن الهدف الإماراتي من هذه الحرب يتمحور حول مغزى اقتصادي يرتكز محوره على اقصاد المناطق الحرة واستثمار شركات الموانئ.

ولتحقيق هذا الغرض، فقد استطاعت أبوظبي مد شبكة نفوذها على الأرض والبحر، معززة بالقوة العسكرية، من شواطئ محافظة المهرة شرقاً حتى شواطئ المخا على البحر الأحمر غرباً، مروراً بجزيرة سقطرى – بحر العرب.

وبسيطرتها على هكذا مساحة بحرية وبرية، ترى أبو ظبي أنها ستتمكن من فرض أجندتها في اليمن، وبالذات التخلص من الهاجس الذي يؤرقها دوماً، وهو نفوذ جماعة الإخوان المسلمين التي يمثلها هناك حزب الإصلاح.

الدراسة سالفة الذكر ترى أن الخطر الذي قد يفترس الوجود الإماراتي في اليمن هو اتساع قُطر دائرة الاعتقاد الذي يتنامى لدى اليمنيين – في الشمال تحديداً – باعتبار هذا الوجود احتلالاً تجب مقاومته.

 

اليمن.. الخاسر الأكبر

ويظل اليمن هو الخاسر الأكبر من هذه الحرب حتى اليوم، فالدمار والأمراض واتساع دائرة التطرف والإرهاب، وتغول حالة الفساد وغياب مؤسسات الدولة وسيادة الفوضى والقتل، هي عناوين “اليمن السعيد” فيما بعد مارس 2015 بداية عاصفة الحزم.

وتحول اليمن إلى حلبة كبرى للصراع بين لاعبين محليين وإقليميين ودوليين كُثر، من كل الأصناف السياسية، وبلد تفترسه مخالب وأنياب المذاهب الفكرية والأيديولوجية، وتتنازع خصوصيته ومميزات جغرافيته وثرواته قوى إقليمية ودولية لا حصر لها.

إنسانيًا، لم تكن الأمور بأفضل حال، حيث بلغ عدد المصابين بوباء الكوليرا في اليمن مليون مصاب، حسب اللجنة الدولية للصيب الأحمر.

وقالت اللجنة في بيان رسمي إن هذا العدد “الصادم” يعكس معاناة بلد تعصف به حرب وحشية، ويفتقد أكثر من 80 % من شعبه الغذاء والوقود ومياه الشرب والرعاية الصحية.

وتقول الأمم المتحدة إن اليمن يعاني أسوأ أزمة إنسانية في العالم، ويُحرم أكثر من 14 مليون شخص من إمدادات المياه الصالحة للشرب وخدمات الصرف الصحي وانتشار القمامة.