العدسة – منصور عطية

أثار قرار منع سفر التونسيات على متن رحلات طيران الإمارات، موجة غضب كبيرة في تونس، رغم التراجع عن القرار في وقت لاحق.

وقالت الخارجية التونسية في بيان لها، إنها استدعت السفير الإماراتي سالم الزعابي، لطلب توضيحات بخصوص القرار، فيما رد السفير بأن “القرار كان ظرفيا، ويتعلق بترتيبات أمنية”، وأنه تم رفعه وتمكين كل المسافرات من المغادرة.

الأزمة فتحت الباب واسعًا أمام الحديث عن العلاقات بين البلدين، والتي توترت كثيرًا بعد ثورة 2011 في تونس، وصعود حركة النهضة، الامتداد الفكري لجماعة الإخوان المسلمين، وما أثير بشأن تدخلات الإمارات لكبح جماح الحركة.

 

الإمارات تعاقب “السبسي” !

هذا السياق، يقود بالضرورة إلى طبيعة التحالف القائم بين الرئيس التونسي باجي قايد السبسي وحزبه “نداء تونس” وحركة النهضة، الأمر الذي لا ترضى عنه أبو ظبي بكل تأكيد، بل تسعى لمحاربته بشتى الطرق، إلى درجة غضبت فيها من “السبسي”.

تقارير إعلامية كشفت عن غضب إماراتي رفيع المستوى من “السبسي”، الذي رفضت الإمارات إلى الآن استقباله رسميًّا، رغم تأكيد مستشاره السياسي سابقًا (وزير الخارجية الحالي)، خميس الجهيناوي، في أكتوبر 2015، أن “السبسي” سيزور أبو ظبي.

وكان الإعلامي التونسي، سفيان بن فرحات، أكد أثناء مداخلة على قناة “نسمة” التونسية الخاصة، في 18 مايو 2015، أن “السبسي” أعلمه في لقاء خاص أن الإمارات طلبت منه إعادة سيناريو مصر، وإزاحة حركة النهضة التونسية؛ للإيفاء بتعهداتها المالية لتونس، إلا أن الأخير رفض ذلك، وفضّل سياسة الحوار والتوافق؛ لتفادي الحرب الأهلية بالبلاد وإراقة الدماء.

الغضب الإماراتي من “السبسي” لم يتوقف عند هذا الحد، حيث طال التونسيين بمختلف أطيافهم؛ بعد أن قررت السلطات الإماراتية، في يونيو 2015، منعهم من الحصول على تأشيرة للدخول لمباشرة أعمالهم أو مشاريعهم التي يشرفون عليها.

وكشف وزير الخارجية الأسبق، أحمد ونيس، أن التحالف بين نداء تونس وحركة النهضة، دفع الإمارات إلى إغلاق أبوابها أمام التونسيين؛ كوسيلة ضغط على الحكومة.

ولعل هذا الربط يعزز من إمكانية قراءة الموقف الخاص بمنع التونسيات من السفر عبر الإمارات، بأنه يأتي في السياق ذاته، سياق معاقبة تونس على عدم انصايعها للرغبات الإماراتية في تكرار النموذج المصري، والحد من صعود حركة النهضة، ومحاولة قتل حالة الوفاق التي تعيشها البلاد بين المكونات المختلفة.

 

إستراتيجية التخريب

وفي يونيو الماضي، كشفت وثيقة مسربة ملامح الخطة الإماراتية للتدخل في السياسة الداخلية التونسية، للوقوف ضد تجربة التوافق و”تحالف الدساترة والإسلاميين”.

الوثيقة التي تقع في 7 صفحات فقط، عبارة عن ورقة سياسات خاصة بتونس بعنوان: “الإستراتيجية الإماراتية المقترحة تجاه تونس”، أعدتها وحدة الدراسات المغاربية في مركز الإمارات للسياسات (مقره أبو ظبي)، والذي يتمتع بنفوذ قوي لدى صناع القرار هناك.

وبحسب الوثيقة، تنقسم الإستراتيجية الإماراتية لاختراق تونس على 3 محاور، هي: محاربة الإسلام الراديكالي في أبعاده الأمنية والسياسية والفكرية، بناء كتلة سياسية موالية في الساحة الداخلية، وكبح النفوذ القطري في الساحة التونسية.

 

أذرع الإمارات في تونس من أجل تنفيذ مخططها

إثر فشل محاولة تصفية حركة النهضة، تمت الإشارة إليهم بالتفصيل في الوثيقة، حيث أوصت بالسعي إلى كسر تحالف التحالف “الدستوري- النهضاوي”، عبر “دعم محسن مرزوق، وحزب مشروع تونس، وجبهة الإنقاذ، والانفتاح على شخصيات دستورية، كرشيد صفر ومصطفى الفيلالي ومنصور معلي وكمال مرجان، ودعم الحزب الدستوري الحر برئاسة عبير موسى، باعتباره يضم الأوفياء لنظام “بن علي”، وتبني نجيب الشابي ليشكل زعامة مستقبلية لها وزنها في تونس”.

وأوصت بضرورة “فتح قنوات مع الاتحاد العام التونسي للشغل ودعم الطموح السياسي لأمينه العام نور الدين الطبوبي”، وكذلك فتح قنوات اتصال مع رئيسة الاتحاد العام للصناعة والتجارة وداد بوشماوي والإشارة إلى إمكانية دعمها في الترشح للانتخابات الرئاسية القادمة.

كما دعت في المحور الثالث، إلى دعم رجال الأعمال النافذين بتأسيس شراكات اقتصادية ومالية لمواجهة الوجود الاقتصادي القطري في تونس، واقترحت “دعم قطب إعلامي منافس من بين مكوناته جريدة المغرب وقناة الحوار التونسي (مؤسسات إعلامية خاصة)، والتدخل في إذاعة شمس إف إم (إذاعة عمومية)”.

وأوصت كذلك بدعم مؤسسة فرع “مؤمنون بلا حدود” في تونس لتنشيطه في مواجهة المركز العربي للأبحاث ودراسات السياسيات، ومنتدى الشرق، عبر التنسيق مع مؤسسة بيت الحكمة، وبالذات مع رئيسها عبد المجيد الشرفي للعب دور في مواجهة الإسلام السياسي.

 

خداع “بن زايد”

الكاتب التونسي سامي الجلولي، رئيس مركز جنيف للسياسة العربية، وصاحب كتاب “الإمارات ما قبل الكارثة.. أسرار وخفايا”، قال: إن الإمارات تسعى جادة لزعزعة معادلة الانتقال الديمقراطي في تونس، مشيرًا إلى أن العديد من الأحزاب والجمعيات ووسائل الإعلام من ورقية ومسموعة ومرئية، التي حرّضت على الفوضى في تونس أوائل العام الماضي، “تلقّت دعمًا من الإمارات بطريقة مباشرة أو غير مباشرة”.

ونقل عن الرئيس التونسي السابق المنصف المرزوقي، والذي هاجم الإمارات علانية في أكثر من مناسبة، علمه بالمبالغ المالية الكبرى التي خصصتها الإمارات لضرب وحدة تونس واستقرارها، وإدخالها في دوامة العنف والحرب الداخلية.

وعن رفض الرئيس التونسي تنفيذ مخطط الإمارات القاضي بتصفية الإسلاميين وإقصائهم من الحكم، قال: ” “السبسي” رجل يمتلك من الدهاء والخبث السياسي ما يتجاوز الحالة الانطباعية التي تحكم سياسة النظام الإماراتي، لهذا قبل الدعم الإماراتي؛ لأنه كان في حاجة لمن يدعمه من أجل نجاح حزبه ووصوله لمنصب رئيس الجمهورية ولم يكن من أحد قادر على الدعم في تلك الفترة غير الإماراتيين، لذلك، فور وصوله إلى الحكم قلم أظافر المد الإماراتي بطريقة رآها الإماراتيون مهينة لهم، في حين رآها “السبسي” الداهية معقولة ومنصفة”.

ولعل الشاهد الأبرز والدليل الأكثر رمزية بهذا الشأن، هو الموقف التونسي الرسمي من الأزمة الخليجية، حيث رفضت تونس السير في ركب دول الحصار وبقيت متمسكة بموقف متوازن لا يميل إلى أحد الطرفين.