العدسة – بشير أبو معلا
مع قرب انتهاء عام 2017، نشرت صحيفة “لاتريبين”، الكندية الناطقة بالفرنسية، افتتاحية عن البلدان أو الأقليات التي سيحل عليها العام الجديد، وهي لا تزال تعاني في صمت، وسط تجاهل تام من المجتمع الدولي، وكأنهم في كوكب آخر، واصفة إياهم بـ “النسيون”.
من ضمن هؤلاء، سلط الكاتب “دينيس دوفريسن” الضوء على الوضع في اليمن التي تعاني من أسوأ أزمة إنسانية في العالم، وتساءل عن عدم مساءلة السعوديين، رغم إدراج الأمم المتحدة التحالف العربي الذي تقوده السعودية على لائحة سوداء سنوية للدول والكيانات التي ترتكب جرائم بحق أطفال.
والعام الماضي، أزيل اسم التحالف من قائمة عام 2015 لارتكاب جرائم بحق الأطفال، رغم ما قالته منظمة إنقاذ الطفولة: إن “الأمم المتحدة تحققت من دليل على وجود نمط من الانتهاكات الجسيمة”، وأمر الأمين العام السابق للأمم المتحدة بان كي مون “بمراجعة مشتركة”، بعد تقارير تحدثت عن تهديد السعودية بسحب التمويل لبرامج المنظمة الدولية.
وفيما يلي نص افتتاحية “لاتريبين”:
التقرير الأخير الذي قدمه رئيس وزراء “أونتاريو” السابق، ومبعوث كندا الخاص، حول أزمة اللاجئين الروهينجا في ميانمار “بوب راي”، هو مثال على الحالة الإنسانية المأساوية التي يصعب حتى الآن حلها.
ووصفت الأمم المتحدة ما يتعرض له هؤلاء، بأنها حملة تطهير عرقي، قامت بها السلطات البورمية ضد هذه الأقلية المسلمة، حيث هروب أكثر من 000 600 لاجئ من الروهينجا إلى بنجلاديش المجاورة، فيما أسفرت الاشتباكات والضرب الذي تعرض له المسلمون من قِبل الجيش، عن آلاف القتلى.
وبالنسبة لـ”بوب راي”، يجب على المجتمع الدولي التحقيق في هذه الجرائم ضد الإنسانية، ومساعدة اللاجئين الذين يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة.
المجلس الدولي لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، طالب بورما بالتعاون مع مختلف وكالات الأمم المتحدة، من خلال السماح للمحققين والعاملين في مجال الإغاثة بحرية الحركة والتنقل، وهو الأمر الذي رفضته السلطات البورمية حتى الآن، فكيف نضع جدا لهذا الجنون؟!
كما تعاني اليمن من حالة مأساوية بسبب الحرب الأهلية التي اندلعت، منذ عام 2015، بين القوات الحكومية المدعومة بتحالف عسكري تحت قيادة السعودية، والمتمردين الحوثيين الشيعة.
هناك أيضا ما لا يقل عن 21 مليون شخص في حاجة ماسة إلى مساعدات إنسانية، منهم 7 ملايين شخص على وشك المجاعة، ومليون أصبحوا ضحية للكوليرا.
وبالإضافة إلى الحصار المفروض على البلاد، تقوم المملكة العربية السعودية، من خلال التحالف العسكري، بقصف المدارس والمستشفيات بشكل متقطع، لاسيما في العاصمة صنعاء.
وفي الوقت الذي نحسب فيه يوميا عدد القتلى، الدول الغربية ليست على استعداد إلا للتعبير عن “مخاوفها” فقط، لكنها تظل صامتة، بما في ذلك كندا، حليف وشريك تجاري للسعودية، وهي بلد لا يحترم الحقوق الأساسية للمواطنين.
فتحت الأمم المتحدة تحقيقا في جرائم الحرب المرتكبة في هذا البلد، لكن من يجرؤ على المطالبة بمحاسبة السعودية؟
وفي أماكن أخرى من القارة الإفريقية، تُمزِّق جنوبَ السودان الغني بالنفط، والذي أعلن استقلاله منذ عام 2011، حربٌ أهلية يبدو أنها بلا نهاية.
ونتيجة لذلك، قتل عشرات الآلاف من الناس، ونزح 2.5 مليون شخص، وتعرض الملايين من السودانيين للمجاعة، ولأسلحة حرب جديدة، في حين يتعين على العاملين في المجال الإنساني التفاوض مع الجماعات المسلحة المختلفة، وفي كثير من الحالات، الأدوية لا تصل أبدا إلى وجهتها.
كما أن جمهورية الكونغو الديمقراطية تشهد أزمة إنسانية خطيرة تهددها، بسبب النزاع المسلح في ثلاث مناطق من البلاد.
يبدو أن عام 2018 سيكون سيئا للغاية في جمهورية الكونغو الديمقراطية؛ بسبب نزوح السكان، وخطر المجاعة-هناك بالفعل 400 ألف طفل دون سن الخامسة يعانون من سوء التغذية الحاد، وفقا لليونيسيف – ومرض الكوليرا.
الأمل الوحيد والضئيل جدا في إحدى صراعات الموت بهذا العالم هو سوريا، حيث يمكن أن تبدأ محادثات السلام في عام 2018، لإنهاء الحرب التي أودت بحياة أكثر من 340 ألف شخص، منذ عام 2011، وفقا للمرصد السوري لحقوق الإنسان، وأدت إلى فرار نصف السكان.
علينا أن نضع حدا لهذه المأساة التي دمرت بلدا يبلغ من العمر ألف عام، وأدت إلى أسوأ الانتهاكات التي ارتكبها تنظيم “داعش”، وتسببت في صدم عشرات الآلاف من الأطفال إلى الأبد.
في عصر “الترامبية” (الرئيس الأمريكي دونالد ترامب) حيث يعمل كل إنسان لمصلحته فقط، لا نزال نأمل أن تسمح الحكمة والرحمة وعودة الشعور الأخلاقي بالتعبئة الدولية الحقيقية، للتخفيف من بؤس الملايين من البشر.
اضف تعليقا