هو هذه الهالة البيضاء، كانت وستبقى أكثر ما يحمل الإبهار، ويرمز للجمال في تاريخ البشر، وكذلك يرتبط بمخاوفهم.
لم يأت ذكر القمر فقط وجماله بالأغنيات والأشعار الرومانسية، ولكن وعبر الحضارات المختلفة، طالما كان للقمر خاصة بلحظة اكتماله “قمر 14” عشرات القصص والخرافات التي ارتبطت به، رغم اختلاف اللغات والثقافات، وهو ما يعود بطبيعة الحال لدور وقوة حضور القمر، قديما قبل اختراعات العصر الحديث، حين كان هو المصدر الرئيسيى للإضاءة، وهو المحل الرئيسي للملاحظة عند اكتماله وعند خسوفه، وتأثيره على حركة المد والجذر بالبحر .
فمن تشوه الأجنة إلى تحول “المذؤوبين” حكوا الكثير، فإذا ما خسف القمر منعت النساء الحوامل من أن ينظرن إليه، فتقول السيدات العجائز: «كانت أمهاتنا يحذرننا من أن نشاهد القمر أثناء حدوث الخسوف؛ لأنه يؤثر في صحة الجنين، ويمكن أن يولد مشوها، أو يفقد بعض أعضائه، أو يصاب بشيء في عقله، فكنا نختبئ في الغرف ولا نخرج منها طوال تلك الليلة، وإذا اضطررنا إلى ذلك خرجنا منكسات الرؤوس أو نضع غطاء على أعيننا» .
أما “المذؤوب”، فأسطورة رعب قديمة، تربط بين اكتمال القمر بمنتصف الشهر عند منتصف الليل، فيتحول بعض البشر إلى كائن خرافي، نصفه إنسان ونصفه الآخر ذئب يؤذي من حوله، ويعذبهم طوال الليل، حتى تعاود الشمس السطوع.
ولقد حصدت الظواهر المرتبطة بالقمر على اهتمام خاص بالشهور الأخيرة مع إعلان وكالة “ناسا” الأمريكية للفضاء، عن ظهور القمر هذا العام، ولمدة 4 ساعات في أكبر صورة له، ليصبح أكبر من الحجم الطبيعي بنسبة 14%، وأكثر إشراقا وسطوعا بنسبة 30%، مما أعاد للذاكرة الجمعية “أساطير القمر”، ومحاولة الوقوف على حجم الحقيقة والخيال بها.
كانت البداية مع ظاهرة “المذؤوب”، وهو ما فسرته النظريات الطبية على أنه حالة من نوبات الصرع، أضاف إليها التراث الشعبي الخرافة، ووفق مقال نشرته مجلة “وال ستريت نيوز” الأمريكية فقد استلهمت العديد من أفلام الرعب والروايات، وقصص مصاصي الدماء ودراكولا، وظهور “المستذئبين” من نظرية منسوبة للعلم، مفادها أن هناك حالة عصبية مرضية يُقال إنها تتأثر بظهور القمر بدرا في سماء الليل، والحالة هي نوبات الصرع التشنجية epileptic seizures، وهي مقولة منسوبة إلى علم الطب، مفادها أن احتمالات الإصابة بنوبة من الصرع وتشنجاته العضلية ترتفع في أيام اكتمال البدر.
وبنفس الاتجاه تناولت الجريدة هذا الربط القديم بين القمر و ظاهرتي موت المرضى في العمليات الجراحية أثناء خسوف القمر، و تزايد معدلات الجريمة .
فقديما، ومع بداية ظهور مدارس الطب في أوروبا، انتشرت نصيحة تحذر الأطباء من إجراء العمليات الجراحية الخطرة خلال أيام خسوف القمر؛ وأرجعوا السبب في ذلك إلى تشابه جسد الإنسان بالبحر، حيث تمثل المياه 78% من كتلة جسم الإنسان؛ ومن ثم فهو يتعرض مثله للجذر في حالة خسوف القمر، أما عند اكتماله كبدر، فيحدث نوع من المد، بما يعود بالفائدة على صحة الإنسان بتزايد نسبة المياه فيه.
استشهد المقال بدارسة إنجليزية نشرت في مجلة متخصصة، هي «علم التخدير»، أكدت أن من الأكثر أمانا أن تجرى جراحات القلب خلال اكتمال القمر؛ إذ أظهرت الملاحظات الطبية أن النتائج كانت أفضل، وفترة المكوث في المستشفى أقل، ولا يستطيع الخبراء تأكيد أسباب ذلك، ولكنهم ينصحون به.
ومن المرضى للمجرمين، يشير المقال إلى ما جاء بمجلة علم الطب النفسي الإكلينيكي “جورنال أوف كلينيكل سايكاتري”، من أنه في سبعينيات القرن الماضي، قدم الفريق من باحثي جامعة ميامي الأمريكية دراسة تناولت علاقة القمر بجرائم القتل، وخلصت الدراسة بعد مراجعة كل جرائم القتل التي وقعت خلال فترة خمسة عشر عاما في مقاطعة ديد بولاية فلوريدا، إلى أن معدل حصول جرائم القتل ينخفض ويزيد بحسب تطور مراحل ظهور القمر، وتحديدا، وجد الباحثون أن جرائم القتل ترتفع بشكل أكبر خلال مرحلة اكتمال البدر، أي اكتمال ظهور القمر.
ومن اللافت للنظر، أن الطبيعة التي طالما حيرت الإنسان الأول قد شملت العديد من العناصر المبهرة في جمالها، والمرعبة في قوتها، كالشمس والرياح و المطر، ولكن بقي القمر وحده يحتفظ بهذه الهالة الخاصة من الأساطير المنسوجة حوله والخرافات، سواء في العصور الأولى، أو في عصور التكنولوجيا والقوة، بما يجعله بلا منازع ملك الطبيعة وتاجًا فوق رأسها.
اضف تعليقا