العدسة – منصور عطية

لا يزال الغموض محيطًا بمصير مؤتمر الحوار السوري، الذي دعت إليه روسيا في منتجع “سوتشي” نهاية يناير المقبل، وسط حالة رفض متسعة من قبل المعارضة السورية السياسية والمسلحة، لما تقول إنها شروطا مسبقة تفرضها موسكو.

فهل تنجح روسيا بجانب تركيا وإيران- بصفتهم “الثلاثي الضامن” لقرار وقف إطلاق النار- في إقناع المعارضة بالمشاركة لحل الأزمة الأعقد والأكثر دموية في الشرق الأوسط؟ أم أن الأمر لا يخرج عن كونه صفقة حقق فيها كل طرف مبتغاه على حساب السوريين؟

وكان الثلاثي قد اتفق في ختام الجولة الثامنة من مفاوضات أستانا على عقد مؤتمر الحوار الوطني السوري، يومي 29 و30 من الشهر المقبل، بمشاركة النظام والمعارضة، بهدف “التمهيد لحل سياسي من خلال البدء بصياغة دستور جديد”.

 

روسيا وسيط غير نزيه

وأطلقت مجموعة من الشخصيات والقوى السورية الوطنية والديمقراطية نداء إلى الشعب السوري، لحضه على مقاطعة مؤتمر “سوتشي”، وقعه نحو 200 شخصية من معارضين ومسؤولين وضباط وناشطين.

ووفقًا للنداء، فإن روسيا قد وقفت موقف العداء لثورة الشعب السوري وتطلعاته إلى الحرية، فعطلت مجلس الأمن، واستخدمت 11 مرة حق النقض للدفاع عن نظام الأسد وتجنيبه المساءلة، وقدمت له المستشارين العسكريين وكل أنواع السلاح لمواجهة شعبه، ثم زجَّت بقواتها العسكرية إلى جانبه، منذ سبتمبر 2015.

البيان قال إن روسيا “لم توفر جهدًا، منذ سنوات ست، لتعطيل مفاوضات جنيف، والحيلولة دون تطبيق قرارات مجلس الأمن، واختلقت في سبيل ذلك طاولة مفاوضات موازية في أستانة، سعت من خلالها إلى ضم فصائل عسكرية ومحاولة فصلها عن القوى السياسية للثورة والمعارضة”.

وتابع: “في سياق العمل للإجهاز على ما تبقى من قوى الثورة والمعارضة وتحقيق الانتصار الكامل للأسد والحليف الإيراني، تأتي الدعوة الجديدة اليوم لحكومة روسيا لحضور ما سمته بـ”مؤتمر سوتشي”، بمشاركة أكثر من 1500 عضو، منتقين حسب الطلب، لتخريج الحل الروسي، وشق صفوف قوى الثورة والمعارضة، وفرض دستور مزيف يضمن بقاء الأسد والاحتلالات الأجنبية الضامنة له، بمساعدة انتخابات تجرى تحت إشراف الأجهزة الأمنية وبقيادتها، وهي قادرة على تعطيل أي مراقبة سورية أو أممية”.

وتأكيدا لهذا الموقف، أصدر 44 فصيلًا عسكريًّا سوريًّا، من أبرزها “جيش الإسلام” و”حركة أحرار الشام”، بيانًا مشتركًا أعلنت فيه رفضها القاطع لمؤتمر سوتشي.

 

الصفقة “الحرام”

وبطبيعة الحال في السياسة، فإن كل طرف يسعى لتحقيق أكبر مصلحة ممكنة له، ويبدو أن الثلاثي وجد ضالته في مؤتمر سوتشي، ليكون بديلًا عن مفاوضات جنيف، التي أصرت فيها المعارضة على ضرورة رحيل بشار الأسد، كبداية لأي حل للأزمة في مسارها السياسي.

الأمر يشير في طياته إلى “صفقةٍ” ما، تنازل فيها البعض عن مطالب سابقة، مقابل تحقيق استفادة قصوى، ولعل الأمر اتضح جليًّا في اجتماع قادة الدول الثلاث في منتجع سوتشي، نوفمبر الماضي.

فعلى الرغم من حديث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن أن هناك “فرصة حقيقية لإنهاء النزاع السوري تحتاج لتقديم تنازلات من كل الأطراف، ومن ضمنها الحكومة السورية”، بدا أن مصير الأسد لن يكون ضمن هذه التنازلات، مع إشارته إلى التزام النظام السوري بالتسوية والانتخابات الحرة والإصلاحات الدستورية، من دون التطرق لمصير الأسد.

في المقابل، كان تركيز أردوغان على إبعاد “العناصر الإرهابية” من التسوية السياسية في سوريا، دون الحديث عن مصير الأسد، وهو ما يشير إلى تنازل تركي عن رحيل الأسد، مقابل ضمان روسيا وإيران سحق القوات الكردية على حدودها مع سوريا.

إيران لن تخرج خالية الوفاض؛ فهي كرست من خلال تلك المشاركة دورها الأساسي في وضع أسس التسوية حول مستقبل سوريا، مع تكرار حديث رئيسها حسن روحاني عن دورها في “مكافحة الإرهاب” وشرعية وجودها هناك، خاصة بعد الفضائح التي كشفت تشكيلها ميليشيات طائفية ارتكبت العديد من المجازر بحق الشعب السوري.

 

مستقبل مجهول

وهكذا، يبقى المستقبل الذي يمكن أن يساهم فيه مؤتمر سوتشي في حل الأزمة السورية غامضًا إلى حد بعيد، لكنه لن يخرج عن سيناريوهات ثلاثة:

  • السيناريو الأول أن يُعقد المؤتمر في موعده المقرر، دون مشاركة الأطراف السياسية والعسكرية التي أعلنت رفضها حضوره، لكن يبدو حينها – في حال سمح الثلاثي بانعقاده على هذا الوضع – أن ما يمكن أن يخرج عن المؤتمر غير ذي قيمة في أوساط السوريين والمجتمع الدولي، الذي بات مجبرًا على إلغاء نتائج مفاوضات جنيف، تحت وطأة التحكم الثلاثي في الأمر، والابتعاد الأمريكي كثيرًا عن التوغل في الشأن السوري.
  • أما السيناريو الثاني، فيشير ربما إلى إلغاء للمؤتمر قبل موعده المحدد، أو حتى إرجاء انعقاده لحين الوصول إلى صيغة توافقية يتم من خلال الضغط بشكل أو بآخر- من قبل تركيا على وجه الخصوص- على المعارضة من أجل إقناعها بالمشاركة.
  • السيناريو الثالث الأكثر قتامة، يلمح إلى إمكانية الضغط السياسي التركي من جانب، والعسكري الروسي من جانب آخر، لعقد المؤتمر بمشاركة جميع الأطراف المعنية، حتى تلك التي أعلنت غيابها عنه.

يعزز من هذا السيناريو، تصريحات رئيس الحركة الشعبية السورية المقيم في موسكو “بسام البني”، الذي قال: إن “المعارضة السورية ستشارك بالقوة، نتيجة إعطاء تركيا ضمانات لروسيا وإيران، وبالتالي فإن الدول الثلاث، أي روسيا وإيران وتركيا، ملزمة بإحضار الأطراف إلى المؤتمر”.

واعتبر البيانات التي صدرت عن الفصائل العسكرية والقوى السياسية، حول رفض الذهاب إلى سوتشي، أنه “كلام فارغ”، مشيرًا إلى أن “تركيا ستجبرهم على القدوم إلى سوتشي”.

ورأى المعارض السوري “خليل آغا”، أن العالم يلعب الآن على المصالح، حيث الجميع يريد تحقيق مصالحه، ولكل منهم أطماع، وبالتالي يبقى السوريون الثائرون هدفهم أن يعود بلدهم حرًّا، وقال: “لن نذهب إلى سوتشي، ولتفعل روسيا المجرمة ما تشاء، بعد تصعيد القصف والقتل من أجل إرغامنا على الخضوع”.