كتبه :منصور عطية
توتر غير مسبوق تشهده الساحة الداخلية في الأردن، على خلفية أحاديث متزايدة بشأن إحباط الملك عبد الله الثاني محاولة انقلابية تورطت فيها كل من السعودية والإمارات.
وعلى الرغم من النفي الرسمي، إلا أن الجدل لم يتوقف ليس بشأن محاولة الانقلاب المزعومة فقط، بل بمسألة التدخل السعودي في الشأن الأردني الداخلي، ومرجعية ذلك إلى حقيقة الخلاف بين البلدين بشأن قضية القدس، في أعقاب القرار الأمريكي باعتبارها عاصمة للاحتلال الإسرائيلي.
فهل كانت هناك محاولة انقلابية بالفعل؟ وما الذي قد يدفع السعودية إلى ممارسة هذا الدور؟.
إقالة فتحت الباب
بدأت الأزمة بالقرار الذي أصدره العاهل الأردني بإحالة كل من أخويه، الأمير فيصل بن الحسين والأمير علي بن الحسين، بالإضافة إلى الأمير طلال بن محمد، إلى التقاعد من الخدمة في القوات المسلحة.
وبحسب البيان الرسمي، فإن قرار إنهاء خدمة الأمراء بالجيش جاء أسوة بباقي كبار ضباط الجيش الأردني، ووفقًا لمقتضيات المؤسسة وإعادة الهيكلة في القوات المسلحة.
وفي أعقاب القرار الملكي، نقلت صحيفة “ذا تايمز أوف إسرائيل” العبرية عن مصادر، قولها إن الأجهزة الاستخباراتية الأردنية رصدت اتصالات بين شقيقي الملك عبد الله وابن عمه، مع مسؤولين في السعودية والإمارات لتنفيذ انقلاب ضد الملك، مشيرة إلى أن الأمراء الثلاثة تم وضعهم حاليًا تحت الإقامة الجبرية.
الملك سلمان و الملك عبدالله
وقال موقع “بريتبارت نيوز” الأمريكي إن الأمراء الثلاثة “كانوا يتآمرون مع قادة سعوديين لتنفيذ انقلاب ضد الملك عبد الله”.
تلك الأنباء انتشرت كالنار في الهشيم، وتناولتها الصحف والمواقع الإقليمية العالمية بالرصد والتحليل، إلى الحد الذي دفع الديوان الملكي الأردني إلى إصدار بيان ندد بما قال إنها “الإشاعات والادعاءات الباطلة الملفقة والمغرضة”، التي تسيء إلى الأمراء، فيصل وعلي ابني الحسين وطلال بن محمد.
وشدد البيان على أن الديوان الملكي الهاشمي سيقوم” بالملاحقة القانونية لكل من يسيء، أو ينشر الأكاذيب والمزاعم الباطلة المذكورة”، وأكد أن “هذه الإشاعات والأنباء المختلقة تهدف إلى الإساءة إلى الأردن والنيل من مؤسساته”.
هل أحبط الملك انقلابًا؟
الموقع الأمريكي أشار إلى أن تلك التقارير قد تكون غير مؤكدة؛ لأن الملك عبد الله يمسك بزمام الأردن بقوة، ويمتلك بين يديه كل أوراق اللعبة السياسية وداخل القصر الملكي.
وثمة شواهد أخرى تدفع إلى استبعاد فرضية وجود انقلاب ضد الملك الأردني، فبحسب اللواء الأردني المتقاعد “فايز الدويري”، فإن “هذه المرة الخامسة التي يتم فيها إعادة الهيكلة (بالجيش)، وكل مرة تحدث بسبب ظروف معينة، وتأتي الآن بهدف ضبط الإنفاق، ومن أجل زيادة مؤسسة العمل بالقوات المسلحة”.
وبحسب خبراء عسكريين، ستشمل الهيكلة إلغاء وحدات ومناصب قائمة؛ من باب توفير الكلف والرواتب، ودمج أخرى قائمة، ومن الوحدات العسكرية التي سيتم تعزيزها ودعمها قوات حرس الحدود، من خلال إيجاد وحدات عسكرية جديدة وإلغاء أخرى، وتطوير هذه القوات لمواجهة التحديات الأمنية في الإقليم.
الملك عبدالله وسط الجيش الاردني
وستشمل الهيكلة إعادة التنظيم في كثير من المواقع القيادية، وقد يُطلب في إعادة الهيكلة إنشاء وحدات مسلحة بأسلحة حديثة جدا، وبالمقابل شطب وحدات لا تكون مؤثرة في الميدان، وفق تقارير إعلامية.
المحلل السياسي الأردني “عمر كُلاب”، رأى أن إحالة الأمراء للتقاعد بعد أن وصلوا إلى رتب عالية، يعني رسالة من الملك إلى أصحاب الرتب العالية في الجيش، خصوصًا من أبناء العشائر، مفادها: “إنني بدأت بإخوتي”.
ونقل عن العاهل الأردني شخصيًّا أنه تحدث في لقاء جمعهما في أبريل 2016، تحدث فيه الملك عن “تخفيض الإنفاق، والتوجه إلى التقليل من عدد الرتب العالية”.
وأوضح أن “النظام يتجه إلى أن يكون هناك لواء واحد في الأمن العام، ولواء في جهاز المخابرات، وأربعة في الجيش”، على حد قوله.
القدس تكشف السعودية!
وعلى الرغم من ذلك، فإن الدور السعودي في إحداث بلبلة داخلية في الأردن، بل ومحاولة زعزعة استقرار البلاد يبقى غير مستبعد، بالنظر إلى العلاقات المتوترة مؤخرًا بين البلدين.
موقع “بريتبارت” الأمريكي، أشار إلى أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان سعى للضغط على الملك عبد الله، لتجنب حضوره اجتماع منظمة التعاون الإسلامي بشأن القدس في مدينة “إسطنبول”، ولكن الملك عبد الله أصر على الحضور، في الوقت الذي أرسلت فيه السعودية مسؤولا مبتدئا.
وبحسب تقارير إعلامية، فإن الأردن بات يخشى الآن دخول عواصم عربية وإسرائيل والإدارة الأمريكية في مفاوضات على المدينة المقدسة، تحت مسمى “مفاوضات السلام”، تكون بمجملها على حساب الأردن وهويته في المدينة المقدسية.
الواقع الحالي يُظهر الأردن وحيدًا في موقف عصيب يدافع فيه عن شرعيته القانونية والتاريخية والدستورية عن المدينة التي طالما كانت وازدهرت تحت الحكم الأردني منذ عشرينيات القرن الماضي، وسط غياب دول عربية حليفة عن اتخاذ موقف قوي وواضح تجاه القرار الأمريكي.
الملك عبدالله و الرئيس التركي
وبدلًا من أن ينسق الأردن في قضية القدس مع حلفائه التقليديين، توجه إلى غريمين لهؤلاء الحلفاء، حيث التقى العاهل الأردني الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في أنقرة بعيد القرار الأمريكي، وشددا على تمسكهما بضرورة الحفاظ على الوضع القائم بمدينة القدس.
وقبلها بيوم أجرى أمير قطر الشيخ تميم بن حمد اتصالًا هاتفيًّا مع ملك الأردن بشأن القرار الأمريكي، على الرغم من موقف عمّان الموالي لدول الحصار ضد الدوحة في الأزمة الخليجية الأخيرة.
“بن سلمان” يعمق الأزمة
ليست القدس وحدها سبب التوتر القائم بين البلدين، بل ثمة أسباب أخرى، وهو ما ذهبت إليه صحيفة “هآرتس” العبرية، التي قالت إن العلاقات الأردنية السعودية يشوبها الكثير من التوتر، بسبب سياسات وإجراءات ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، الذي يسعى إلى تجريد المملكة الهاشمية من الهيكل الحاكم لها.
وأوضحت في تقرير لها، أن مسؤولا أردنيًّا (لم يكشف عن هويته) اشتكى في نوفمبر الماضي، من طريقة تعامل ولي العهد السعودي مع الأردنيين والسلطة الفلسطينية، وأشارت إلى أنه يتعامل معهم كأنهم “خدم وهو السيد الذي عليهم أن يتبعوا ما يأمر به فقط، وهو ما رفضته الأردن بصورة قاطعة”.
الملك عبدالله
من جانبه، نقل موقع “ديبكا” الاستخباراتي الإسرائيلي عن مصادر عربية، تأكيده أن الملك عبد الله أثار غضب القادة السعوديين والإماراتيين بإقامته علاقات وثيقة مع تركيا وقطر.
ووصل الصدع إلى ذروته باعتقال الملياردير الأردني الفلسطيني “صبيح المصري”، وطلب الأمير محمد بن سلمان والأمير محمد بن زايد من العاهل الأردني أن ينفصل عن الحلف التركي القطري مقابل الإفراج عن “المصري”، الذي شكلت عملية احتجازه ضربة قوية للاقتصاد الأردني، قبل أن يفرج عنه لاحقًا.
اضف تعليقا