العدسة – منصور عطية
ياسر عرفات، خليل الوزير، فاروق القدومي.. وغيرهم من الأسماء التي لمعت في سماء المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي، وساهموا معًا في تأسيس حركة التحرير الوطني الفلسطيني “فتح” قبل 53 عامًا.
لكن بعض هؤلاء شاركوا في تحويل سياسة الحركة وتبديلها، وسط ظروف محيطة داخلية وخارجية، قادت إلى تبني السلام كخيار استراتيجي لها عبر المفاوضات مع الاحتلال، بديلًا لسلاح المقاومة الذي ظل مُشهرًا في وجه الاحتلال لعقود.
هذا النهج الجديد قلّص تطلعات وطموح فتح من زوال الاحتلال وعدم الاعتراف بكيان اسمه إسرائيل، إلى مجرد “إقامة دولة فلسطينية على الأراضي المحتلة عام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية” وذلك في ذكرى الانطلاقة الـ53 التي احتفت بها الحركة، أمس الأحد.
القدس تحرج فتح
ولعل الأيام الأخيرة من عام 2017، شهدت حدثًا بارزًا في مسيرة القضية الفلسطينية، عندما قرر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة موحدة للاحتلال الإسرائيلي، وعلى الرغم من موقف حركة فتح ورئيس السلطة الفلسطينية المنتمي لها محمود عباس الرافض بشدة للقرار الأمريكي، إلا أن رد فعله لم يتناسب مع حركة نضالية تحررية.
وبالتزامن مع ذكرى انطلاقة الحركة قرر وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي الأحد، استدعاء رئيس المفوضية العامة لمنظمة التحرير الفلسطينية لدى الولايات المتحدة “للتشاور”، في خطوة هي الأولى من نوعها منذ القرار الأمريكي.
الخطوة التصعيدية، ربما كان يُنتظر أقوى منها بكثير من فتح، لكن الحركة أعلنت تمسكها بخيار السلام واكتفت باعتبار قرار ترامب انسحابًا من قبل أمريكا كوسيط بين السلطة والاحتلال.
وبعد أيام من قرار ترامب قال عباس: “إن الاعتراف بدولة فلسطين، هو استثمار في السلام، وفي مستقبل مستقر وآمن للمنطقة، وإبعاد شبح العنف والتطرف والإرهاب والحروب عن منطقتنا، ومن أجل ذلك وحفاظًا على حل الدولتين قبل فوات الأوان، فإننا ندعو الدول التي لم تعترف بعد بدولة فلسطين أن تقوم بذلك”.
وربما كان يؤمل أن ترفع حركة فتح راية المقاومة من جديد، حتى تكون على قدر اللحظة الفارقة التي تمر بها القضية الفلسطينية، إلا أن رد الفعل كان مخيبًا للآمال، وربما شجع الاحتلال على مزيد من الخطوات التصعيدية ضد فلسطين.
فبالتزامن مع ذكرى الانطلاقة أيضًا، صوت حزب “الليكود”، الذي ينتمي إليه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لصالح قرار يدعو إسرائيل لضم مستوطنات الضفة الغربية لإسرائيل وتطبيق القانون عليها.
للحركة رأي آخر
لكن على ما يبدو فإن حركة فتح كان لها رأي آخر، عددت فيه ببيان ذكرى انطلاقتها ما قالت إنها انتصارات حققتها الحركة في مسيرة فلسطين منذ تأسيس فتح.
البيان قال: “اليوم في ذكرى انطلاقة الثورة المعاصرة، انتصرت فلسطين في الأمم المتحدة، من خلال قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الرافض لقرار الإدارة الأمريكية بشأن القدس، والإجماع الدولي في مجلس الأمن الذي عزل الموقف الأمريكي”.
كما أكدت “تمسكها بالثوابت الوطنية، ومن بينها حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم، وإزالة كافة المستوطنات الإسرائيلية، وتحرير المعتقلين من السجون الإسرائيلية”.
واعتبرت الحركة أن “إنجاز الوحدة الوطنية وإتمام ملف المصالحة الوطنية، هدف أساسي وجوهري لتمتين الجبهة الداخلية الفلسطينية، ولمواجهة التحديات التي تتعرض لها القضية الفلسطينية في هذه الظروف الصعبة، والتمسك بمنظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني”.
من البندقية إلى المفاوضات
تأسست حركة فتح في نهاية الخمسينيات وبداية الستينيات على إثر العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 واحتلال إسرائيل قطاع غزة، وترجع فكرة إنشاء الحركة إلى تجربة جبهة المقاومة الشعبية، وهي تحالف كان قصير الأجل بين الإخوان المسلمين والبعثيين أثناء الاحتلال الإسرائيلي لـغزة عام 1965.
وكانت “فتح” هي الصورة النهائية لذلك التنظيم عام 1961 نتيجة توحيد معظم المنظمات الفلسطينية الـ35 أو الأربعين التي كانت قد نشأت في أكثر من بلد خليجي.
ومن أبرز مؤسسي الحركة ياسر عرفات وخليل الوزير وسليم الزعنون ويوسف عميرة وعبد الله الدنان وعادل عبد الكريم ويوسف النجار وكمال عدوان وعبد الفتاح إسماعيل ومحمود عباس.
بنت الحركة جناحها العسكري “العاصفة” في كل من الجزائر (1962) وسوريا (1964) وتوسعت إلى مئات الخلايا على أطراف الأراضي المحتلة في الضفة الغربية وغزة وبمخيمات اللاجئين في سوريا ولبنان وغيرها من البلدان، وبدأ كفاحها المسلح عام 1965 واستمرت في نشاطها العسكري على الرغم من الطوق الذي كانت تفرضه عليها الدول المجاورة لإسرائيل.
وفي نهاية عام 1966 ومطلع عام 1967 ازدادت العمليات العسكرية التي كانت تنفذها العاصفة-الجناح العسكري للحركة، وقد اضطلع الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات وقتها بتدعيم جهاز فتح السري وتوسيعه، وبناء الخلايا العسكرية الجديدة في الضفة الغربية.
” قوات العاصفة “
ونتيجة لظهور حركة فتح وتوسعها اندمج فيها العديد من التنظيمات الفلسطينية الصغيرة كمنظمة طلائع الفداء تحرير فلسطين (فرقة خالد بن الوليد) في 7 سبتمبر 1968، وجبهة التحرير الوطني الفلسطيني في 13 سبتمبر 1968، وجبهة ثوار فلسطين في 25 نوفمبر 1968، وقوات الجهاد المقدس في 12 يونيو 1969، وأصبحت قوات “العاصفة” تمثل جميع هذه المنظمات.
وفي الثمانينيات بدأت الحركة تغير خطها السياسي من المقاومة المسلحة إلى المفاوضات مع الاحتلال الإسرائيلي، وهو التغير الذي أدى إلى التوقيع على اتفاق أوسلو 1993، وأدخلت بعده تعديلات على ميثاقها الوطني فحذفت البنود المتعلقة بإزالة إسرائيل من الوجود وكل ما يتعارض مع الاتفاق المذكور والاعتراف بها وحقها في العيش بأمن وسلام.
” توقيع اتفاق أوسلو “
حصلت الحركة في الانتخابات التشريعية في 20 يناير 1996 على الأغلبية البرلمانية بـ55 مقعدا من أصل 88، وفي الانتخابات التشريعية في 25 يناير 2006 حصلت حركة حماس على الأغلبية البرلمانية، لكن حركة فتح احتفظت بالرئاسة الفلسطينية.
وكانت تلك الانتخابات التي أعقبت الانسحاب الإسرائيلي من غزة، بداية الصراع المسلح بين الحركتين والذي أفضى إلى سيطرة حماس على القطاع بالقوة عام 2007.
وفي يونيو 2011 فصلت الحركة من عضويتها محمد دحلان، وأحيل إلى القضاء بتهم جنائية ومالية، وذلك بسبب اتهام أجهزة الحركة له “بالمس بالأمن القومي الفلسطيني والثراء الفاحش والتآمر”، وجاء ذلك على خلفية خلاف حاد بينه وبين الرئيس الفلسطيني عباس.
وعقدت حركة فتح مؤتمرها السابع يوم 29 نوفمبر 2016 واستمر خمسة أيام بحضور فصائل فلسطينية، من بينها حركة حماس والجهاد الإسلامي، وانتُخب أثناء المؤتمر عباس قائدا عاما لحركة فتح بالتزكية، وأعلن عن تعيين ثلاثة من قادة الحركة التاريخيين، وهم فاروق القدومي وأبو ماهر غنيم وسليم الزعنون أعضاء شرف دائمين في اللجنة المركزية.
كما تم في المؤتمر السابع انتخاب أعضاء اللجنة المركزية للحركة ومجلسها الثوري، وأقر المؤتمر عند اختتامه مقترحا قدمه الرئيس عباس يرتكز على “التمسك بالسلام”، لمناقشته كبرنامج سياسي للحركة.
اضف تعليقا