العدسة – جلال إدريس

“مصائب قوم عند قوم فوائد”، ربما يكون ذلك المثل هو الأقرب للتطابق في المشهد الإيراني الحالي، فمظاهرات إيران المشتعلة منذ أيام، هي بمثابة المصيبة للنظام “الملالي” الذي يحكم إيران منذ الثورة الإسلامية فيها عام 1979، كما أن المظاهرات نفسها تحمل الكثير من الفوائد للنظامين السعودي والأمريكي، وبالتحديد للرئيس الأمريكي “ترامب”، وولي العهد السعودي محمد بن سلمان.

والمتتبع لوسائل الإعلام السعودية “المقروءة والمشاهدة” لن يجد صعوبة في الوصول إلى الحفاوة المبالغ فيها بمظاهرات إيران، ووصفها بألفاظ وتعبيرات لطالما كان محرمًا النطق بها في الإعلام السعودي، كـ”الانتفاضة” والثورة الشعبية، وغضب الجماهير.

الإعلام الرسمي والخاص في السعودية، ينطق بما لا يستطيع أن ينطق به المسؤولون، لكنه يكشف عن حالة كبيرة من الدعم والمؤازرة لمتظاهري إيران، بينما يصرح الرئيس الأمريكي “ترامب” بدعمه الكامل للمتظاهرين، لتبدو الصورة وكأنها انتفاضة شعبية إيرانية بدعم وتمويل سعودي أمريكي.

فلماذا إذن تساند كل من “السعودية وأمريكا” مظاهرات إيران؟ ولماذا يحتفي “بن سلمان” و”ترامب” بالمتظاهرين الإيرانيين إلى هذا الحد؟ وهل الدعم السعودي والأمريكي للمتظاهرين ينفعهم أم يضرهم؟ وما هو موقف باقي الدول العربية من المظاهرات الإيرانية؟ وإلى أي مدى يمكن أن تنتهي موجة التظاهرات الحالية في إيران؟

التظاهرات “الإيرانية”

 

أسباب الانتفاضة

بعيدا عن الاتهامات الإيرانية للمتظاهرين، بأن من يحركهم قوى خارجية، وأن المظاهرات ليست سوى مؤامرة على إيران، وهي الاتهامات التي دأبت الأنظمة القمعية على ترديدها حال اندلاع مظاهرات شعبية، فإن كثيرا من المراقبين يرون أن “المظاهرات الإيرانية” اندلعت في بدايتها لأسباب اقتصادية.

إذن فالأوضاع الاقتصادية، من فساد وارتفاع للأسعار ولمعدلات البطالة، كانت بداية الشرارة لمظاهرات إيران، لكن يبدو أن الاحتجاجات أخذت منحى سياسيا يعبر عن الغضب من سياسة الرئيس حسن روحاني، حيث تطورت المظاهرات إلى احتجاجات واسعة ضد السلطات، للمطالبة بإطلاق سراح السجناء السياسيين، وإنهاء قمع الشرطة.

كما استهدفت هتافات المحتجين مرشد الثورة الإيرانية، آية الله علي خامنئي، وردد المتظاهرون شعارات ضد الرئيس حسن روحاني والحكم الديني.

وأكدت التقارير أن متظاهرين كانوا يرددون شعارات، مثل: “الناس يتسولون، ورجال الدين يتصرفون كالآلهة”، و”ليس لغزة، ليس للبنان، حياتي لإيران”، معربين عن غضبهم إزاء تدخل إيران في شؤون المنطقة.

وكانت المظاهرات الإيرانية قد بدأت شمال غربي البلاد في مدينة مشهد، ثاني أكبر مدن إيران من حيث عدد السكان، وسرعان ما امتدت الاحتجاجات إلى أكثر من 40 مدينة، وفقا للمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية.

وأوضح المجلس أن الاحتجاجات امتدت إلى “قم”، المدينة الدينية الأهم لدى الإيرانيين، كما عمت المظاهرات مناطق في العاصمة طهران، وفي محافظات أصفهان وكرمان وآراك وخوزستان وزنجان وسمنان وغلستان وكيلان وأردبيل ومقاطعة بندر عباس، وغيرها.

وتستمر المظاهرات الإيرانية ليومها السابع، بعد سقوط عشرات القتلى والمصابين سواء من المتظاهرين أو من أفراد الشرطة، فيما امتدت الثورة إلى إقليم “الأحواز”، وهو الإقليم العربي في إيران، والذي يعاني اضطهادا كبيرا من الحكومة الفارسية.

 

لماذا يدعمها “ترامب”؟

منذ اللحظة الأولى لمظاهرات إيران، يسعى الرئيس الأمريكي “ترامب”، لدعمها من خلال تصريحات صحفية، أو تغريدات مثيرة يكتبها عبر حسابه الرسمي بـ”تويتر”، حيث كتب في آخر تغريدة له عن مظاهرات إيران: “الشعب الإيراني، في نهاية المطاف، يعمل ضد النظام الإيراني القاسي والفاسد”.

الموقف الأمريكي، وبالأخص موقف “ترامب” يعد مختلفا عن المواقف المعتادة للإدارة الأمريكية، التي تتخذ الدبلوماسية في مثل تلك المواقف، وهو ما دأبت على فعله حيال اندلاع أية انتفاضات شعبية، لكن دعمها الكبير للمظاهرات الإيرانية يكشف عن أن لها مآرب أخرى.

ووفقا لمراقبين، فإن دعم “ترامب” لمظاهرات إيران ربما يكون الغرض منه التخلص من “الاتفاقية النووية” التي وعد “ترامب” تجميدها، منذ اليوم الأول لوصوله للحكم، لكنه غير قادر على مخالفات الالتزامات الدولية، فربما وجد “ترامب” في مظاهرات إيران مخرجا لإلغاء تلك الاتفاقية التي وقعت في عهد سابقة الرئيس الأمريكي باراك أوباما.

وفي أكثر من تصريح له وصف “ترامب” الاتفاق النووي، بأنه أسوأ اتفاق دخلت واشنطن طرفا فيه، وأكد تصميمه على منع طهران من امتلاك سلاح نووي على الإطلاق.

المفاعل النووي بــ “إيران”

 

ولوح “ترامب” بإلغاء الاتفاق النووي إذا لم تعالَج ما وصفها بالأخطاء التي تشوبه، مشيرا إلى فرض عقوبات قاسية على الحرس الثوري الإيراني، واتهام إيران بدعم الإرهاب.

وحول مبررات التصعيد الأميركي يقول مراقبون إن “ترامب” تساوره شكوك عميقة تجاه أنشطة النظام الإيراني في الملف النووي، إضافة إلى اتهام طهران بزعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط، وتوسيع برنامجها الصاروخي.

أيضا يسعى “ترامب” من خلال  دعم متظاهري إيران، للتخلص من النظام الإصلاحي الحالي في إيران، وهو النظام الذي يرى أنه صنع على “عين” نظيره السابق، باراك أوباما، وبالتالي، يريد التخلص منه، والمشاركة في نظام إيران بصبغة جديدة تتوافق مع توجهات “ترامب”.

” محمد بن سلمان “

 

أسباب فرح “بن سلمان”

من جانب آخر، فإن المظاهرات الإيرانية تمثل فرحة كبيرة لولي العهد السعودي “محمد بن سلمان”، حيث إن الانتفاضة الشعبية الإيرانية، جاءت في وقت يتورط فيه النظام الإيراني الحالي مع السعودية في عدة ملفات، وبالتالي فإن “السعودية” سعيدة بانشغال “إيران” بملفاتها الداخلية عن القضايا الإقليمية المتشابكة بين الدولتين.

فالأوضاع في “اليمن” والتي تعبر ساحة حرب بالوكالة  بين “السعودية وإيران”، ربما ستكون في صالح “السعودية” إن نجحت المظاهرات الحالية في إيران، في اقتلاع النظام الحالي من جذوره، حيث إن النظام الإيراني الحالي يقدم كافة دعمه للحوثيين في اليمن، بالإمدادات المالية والعسكرية، وبالخبراء وبالأجهزة التقنية.

ووصل حد التشابك بين “السعودية وإيران” في اليمن، حد اتهام السعودية لإيران بالتورط في إطلاق صاروخ بالستي عليها الشهر الماضي، وصعدت السعودية قضية إطلاق الصواريخ عليها، إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن.

وبالتالي، فإن انشغال إيران بمظاهراتها الداخلية، ترى فيه السعودية فرصة عظيمة، لإنهاء “عاصفة الحزم” في اليمن لصالحها، وإغلاق هذا الملف الذي طالما كلفها الكثير على المستوى العسكري والمستوى الاقتصادي أيضا.

كذلك فإن فرحة “بن سلمان” كبيرة بالمظاهرات في إيران، لكونه يرى أن النظام الإيراني “الملالي”، الذي جاء بعد الثورة الإسلامية عام 1979 ، هو سبب من أسباب انتشار التطرف في السعودية، حيث اضطر حكام السعودية إلى تقريب دعاة السلفية والوهابية لدوائر السلطة، في محاولة منهم لمجابهة موجة “الثورة الإسلامية” التي كان قد نادى بها بعض السعوديون في المملكة.

معارك “الحوثيين”

 

وبسقوط “النظام الملالي” في إيران، سيتمكن “بن سلمان” من تسويق وجهة نظرة بأن الخيار الأفضل للسعوديين، هو الانفتاح والتوجه بالبلاد نحو “العلمانية” بعيدا عن الأيديولوجيات والتوجهات الإسلامية المتشددة من وجهة نظره.

كذلك فإن الملفات المتشابكة بين السعودية وإيران في سوريا، والعراق، ولبنان، ستنتهي لصالح السعودية إن نجح المتظاهرون الإيرانيون من التخلص من النظام الإيراني الحالي، سواء كان ذلك النظام إصلاحيا أم متشددا.

أيضا فإن السعودية تأمل في أن ينجح “عرب الأحواز” في السيطرة على الإقليم الذي لطالما عانى اضطهادا كبيرا من قبل الحكومات الإيرانية المتعاقبة، ومن المعروف أن الإقليم الأحوازي في إيران ذو أغلبية سنية، وتسعى السعودية إلى أن يكون هذا الإقليم بمثابة ذراع يدين لها بالولاء في الداخل الإيراني، تماما كما تحاول إيران مغازلة السعودية بالمنطقة الشرقية في المملكة، التي أصبحت ذات كثافة شيعية تدين بالولاء لإيران.

” جمال خاشقجي “

 

دعم يضر ولا ينفع

وبعيدا عن فرحة “”ترامب” و”بن سلمان” بمظاهرات إيران، فإن محللين أكدوا أن دعم “ترامب” و”بن سلمان” لمظاهرات إيران يضرهم ولا ينفعهم، حيث يساعد هذا الدعم المعلن على قمع الاحتجاجات بكل قوة وعنف ويعطي مبررا للنظام الإيراني بالقول إن ما يحدث هو مؤامرة خارجية.

ووفقا لتقرير نشرته “السي ان ان”، فإن محللين وباحثين سياسيين أمريكيين أكدوا أن تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن الاحتجاجات في إيران، لا تساعد المتظاهرين الإيرانيين بل تضرهم، مؤكدين أن النظام الإيراني يستخدم هذه التصريحات لتشويه صورة المتظاهرين.

وقالت تريتا بارسي، رئيسة المجلس الوطني الأمريكي الإيراني، لـCNN: إن الاحتجاجات في إيران ليست قضية الولايات المتحدة، وأضافت: “هذا الأمر ليس عن “ترامب”، وتدخل “ترامب” فيه لن يكون مساعدا؛ لأنه لا يتمتع بأي مصداقية في إيران”.

وأكد رضا مراشي، مدير الأبحاث في المجلس الوطني الأمريكي الإيراني، أن حركة الاحتجاجات في إيران “أصلها إيراني وستكون نهايتها إيرانية”، فيما قال الباحث في مركز كارنيجي للسلام الدولي كريم سدجابور،لـCNN: إن “التصريحات ضد النظام الإيراني ربما لا تكون فقط غير مفيدة، بل أيضا قد تستخدم كذريعة للقمع”.

وفي نفس السياق، دعا الكاتب السعودي جمال خاشقجي بلاده إلى عدم التدخل في شؤون الشعب الإيراني أو المظاهرات؛ حتى لا تقوِّض إرادته، في إشارة إلى احتمالية استخدم السلطات الإيرانية تلك التصريحات كورقة اتهام ضد المتظاهرين.

ووجَّه الكاتب السعودي المعروف، على صفحته بموقع “تويتر” الأحد، نصيحة إلى السعودية، فيما يتعلق بالمظاهرات التي أخذت تتسع رقعتها في المدن الإيرانية، مستشهداً بمقال نشرته صحيفة “واشنطن تايمز” الأمريكية، حمل عنوان: “كيف يستطيع “ترامب” أن يساعد المتظاهرين الإيرانيين؟ يقعد ساكت”.

وعلَّق الكاتب السعودي على المقال قائلاً: “النصيحة نفسها لجماعتنا”.