العدسة – باسم الشجاعي

“عدم شفافية الاقتصاد”، هي أحد أبرز معوقات الاستثمار وخاصة الأجنبي في مصري، وخاصة في الوقت الذي يبحث فيه الرئيس “عبد الفتاح السيسي”، عن عودة الاستقرار في سوق المال الذي تأثر بعد ثورة 25 يناير 2011، إلا أن التلاعب بالأرقام كان سيد الموقف في الأيام الأخيرة، مما يجعل النظام الحالي في “ورطة” حقيقية أمام الرأي العام والمستثمريين.

مطلع الأسبوع الماضي، كشف مصدر مسؤول بالبنك المركزي المصري، عن سداد نحو 30 مليار دولار التزامات وديون لجهات خارجية خلال العام الماضي 2017، وفق صحيفة “المصري اليوم” (خاصة وقريبة من السلطة).

المصدر الذي وصف بالمسؤول، قال إن “مبلغ الـ30 مليار دولار الذي سددته مصر خلال العام الماضي 2017، توزع بين سندات وديون خارجية لصالح بنوك دولية، منها البنك الأفريقي للتصدير والاستيراد، وودائع وقروض من دول، منها والسعودية ليبيا وتركيا، بالإضافة إلى التزامات على جهات حكومية منها هيئة البترول، والتزامات أيضا لنادي باريس للدائنين”.

ووفقا لتلك الأرقام فإن مصر سددت ما يقرب من نصف ديونها في العام المالي الجاري (2017/2018)، (العام المالي يبدأ في شهر يوليو من كل عام)، إلا أن الشارع المصري لم يلاحظ أي تحسن في المعيشة أو الأسعار.

وبحسب البنك المركزى المصرى، فإن الدين الخارجى المستحق على مصر، وصل73.9 مليار دولار، فى نهاية مارس الماضى، وذلك بزيادة تقدر بنحو 18 مليار دولار خلال 9 أشهر، أي الفترة من يوليو إلى مارس من السنة المالية الماضية 2016 – 2017.

البنك المركزي المصري

 

هل تورط النظام؟!

ويبدو أن الإعلان عن هذه الأرقام “بصورة غير رسمية” عبر وسائل الإعلام ورط النظام؛ حيث لا يعلم أحد ما الرسالة التي تريد الدولة إيصالها، من المستهدف منها”، وذلك بحسب الخبير الاقتصادي “مصطفي عبد السلام”.

“عبد السلام”، أشار إلي أن هذا التصريح يثير التساؤل عما إذا كان هذا المصدر المسؤول متأكدًا من رقم السداد الضخم المعلن والبالغ 30 مليار دولار، فلماذا يخفي هويته ولم يكشف عن نفسه كما جرت العادة مع أخبار القروض الخارجية والتفاوض مع مؤسسات دولية للحصول على شرائح جديدة من القروض أو تجديد قروض قائمة”.

تفسيران للغز الأرقام

وإذا تعاملنا مع رقم 30 مليار دولار على أنه صحيح ويمكن تصديقه، هنا يمكن وضع تفسيرين، لهذا الأمر، وهو ما حددهما، الخبير الاقتصادي “مطصفى عبد السلام”.

التفسير الأول:”هو أن ما تم سداده ليس فقط يخص الديون الخارجية المستحقة على مصر، وإنما يتضمن الرقم أيضا الديون المستحقة كذلك على الهيئات الحكومية للخارج مثل فاتورة استيراد الوقود والغاز المستحقة على الهيئة المصرية العامة للبترول، وكذا فاتورة استيراد الأغذية والسلع التموينية من سكر وزيوت وقمح وغيرها والمستحقة على هيئة السلع التموينية، وكذا مديونيات مستحقة على جهات حكومية أخرى مثل الهيئة العامة للكهرباء وقناة السويس وغيرها، وهذا أمر غريب إن حدث، لأن سداد التزامات هذه الجهات الحكومية هو عملية تتم سنوياً وبشكل روتيني وتدخل في إطار سداد الحكومة فاتورة الواردات الخارجية، وكذا سداد مديونيات الهيئات التابعة لها للخارج، وإذا صدق هذا التفسير فإننا هنا نكون أمام خلط واضح للأرقام، وإن شئنا الدقة، نكون أمام عملية تدليس تتم على الرأي العام، إذ يجب الفصل التام بين سداد ديون مصر الخارجية، وسداد أية التزامات أخرى على مؤسسات الدولة سواء كانت واردات أغذية أو وقود أو غيرها”.

التفسير الثاني: “أن البنك المركزي اعتبر تأجيل سداد ديون خارجية وإعادة جدولتها وتجديد القروض المستحقة نوعاً من السداد، ومن هنا تم التعامل مع القرض الصيني البالغ 2.75 مليار دولار والذي تم مد أجل سداده لمدة عام على أنه تم سداده بقروض جديدة من البنك المركزي الصيني، وكذا الحال مع السندات الدولية التي تم اقتراضها عقب تعويم الجنيه في نوفمبر 2016، وكذا مع أي مديونيات كانت مستحقة السداد في نهاية 2017، ولو حدث ذلك نكون أمام حالة تلاعب صارخة بالأرقام”.

من أين الـ30 مليار؟!

وبالحديث عن المصدر، سرعان ما تنصرف الأذهان نحو الاحتياطي النقدي الدولي في مصر، ومن المعروف أن سداد الديون الخارجية يأتي عبر سحب جزء من الاحتياطي الأجنبي يعادل قيمة الدين المستحق، وبحسب ما أعلن البنك المركزي المصري في أغسطس الماضي، يلغ 36 مليار دولار، أغلبه ناتج عن قروض، مما يؤكد استحالة تغطية هذا المبلغ من الاحتياطي النقدي.

وحول عدم تأثر صافي الاحتياطي النقدي الأجنبي البالغ نحو 36.7 مليار دولار، أكد “إسماعيل حسن”، المحافظ الأسبق للبنك المركزي المصري، أن ذلك برجع إلى الاستبدال من خلال الاقتراض الخارجي لسداد هذه المديونيات، وفق تصريحاته الصحفية.

“طارق عامر” رئيس البنك المركزي

 

مع عدم تغطية الاحتياطي النقدي لمصر لحجم الديون المسددة (30 مليار دولار) وعدم تأثيره بالسلب، يأتي الدور على استثمارات الأجانب في أذون الخزانة والسندات والبالغ قيمتها نحو 19 مليار دولار في نوفمبر 2017، الأمر الذي حذر منه الخبير الاقتصادي “مصطفى عبد السلام”، قائلًا: “إذا حدث ذلك يكون الأمر خطراً، لأن هذه الاستثمارات يمكن أن تنسحب في أي لحظة في حال حدوث مخاطر اقتصادية وسياسية شديدة، وهنا سيلجأ البنك المركزي للسحب من الاحتياطي الأجنبي لتغطية مستحقات الأجانب”.

وبحسب “عمرو الجارحى”، وزير المالية، فإن إجمالى حجم استثمارات الأجانب فى أدوات الدين الحكومى بلغت نحو 18 مليار دولار بنهاية سبتمبر الماضى، جاء ذلك خلال حديثه في مؤتمر صحفي عُقد مطلع أكتوبر الماضي، مما يؤكد صعوبة تغطية هذا الأموال الرقم المعلن من الديون التي سددتها مصر خلال العام الماضي” 2017″.

الرقم أكثر من ديون 2017

وعن حجم ديون مصر المستحقة على مصر في 2017، قال البنك المركزى المصرى، فى تقرير صادر عنه في أبريل 2017، إن إجمالى الدين قصير الأجل – أقل من عام – المستحق على مصر وواجب السداد قبل نهاية ديسمبر 2017، يبلغ 11.9 مليار دولار من إجمالى الديون الخارجية المستحقة على مصر والبالغ 67.3 مليار دولار بنهاية ديسمبر 2016، ما يعني أن الرقم المعلن (30 مليار دولار) أكبر من المطلوب سداده.

وتسدد مصر سنويًا نحو 1.4 مليار دولار قسطين سنويين لصالح تجمع دول نادى باريس، إلى جانب أقساط ديون وودائع لصالح دول ومؤسسات مالية دولية وفقًا لجداول سداد تراعى التدفقات النقدية بالعملات الأجنبية لمصر.