العدسة – ربى الطاهر

في  منتصف السعبينيات ومع الاندلاع القوي للكفاح المسلح للثورة الفلسطينية من جنوب لبنان، عقدت وكالة  اسوشيتدبرس ab لقاء هام مع الروائي والمناضل الفلسطيني الشهيد “غسان كنفاني”، وبه سأله المحاور المنحاز ضد الحقوق الفلسطينية: “لماذا لا تعيشون وترضون بالأمر الواقع وفقط وتقبلون بالسلام الذي تعرضه عليكم إسرائيل، فرد “كنفاني” قائلاً: “نحن نبحث عن الكرامة والحق والإنصاف وهذه أمور أساسية لدينا كما هي الحياة نفسها”.

فيديو نادر يظهر فيه الشهيد غسان كنفاني.ترجمة للحوار في الفيديو ترجمة عصمت فزمار : فيديو نادر للشهيد غسان كنفاني في مقابلة مع صحفي أسترالي. واضح أنها تمت في أكتوبر 1970، أي بعد فترة قصيرة من أحداث أيلول الأسود. هذه ترجمة لنص المقابلة متضمنا مقدمة الصحفي الاسترالي ريتشارد كارلتون.ريتشارد: بيروت هي العاصمة العربية الأكثر تأثراً بالغرب، تأثير حقبة الاستعمار الفرنسي يبدو جلياً كما هو في “كيبيك”. خلال هذه الحقبة كانت بيروت جنة سياحية متوسطية، ولا تزال بعض هذه المظاهر حاضرة. لكن التوتر في الشرق الأوسط ينفر السياح وأصحاب رؤوس الأموال، خصوصاً أموال القطاع البنكي التي جعلت من بيروت سابقاً عاصمة المال العربية. الآن آليات الأمن والجيش اللبناني عليها أن ترابط أمام البنوك والمؤسسات المالية لحمايتها. فعوضاً عن الأعمال تزدهر في بيروت صنعة بديلة في هذه الأيام، إنها الثورة، الثورة الفلسطينية.الوضع هنا مع المقاتلين الفلسطينيين مختلف عن فيتنام، فهم ليسوا في الخفاء، إنهم مرئيون ويتمتعون بالشرعية. في أهم شوارع بيروت يمتلك التنظيم الفلسطيني الأبرز مبنىً من ثلاث طبقات، مجهز بكافة التأمينات، تماماً كما المباني في سيدني. الحراس أمام المبنى أخبروني أنه يمنع التصوير، دون أن يكون هناك مجال للنقاش.من بين الحركات الفلسطينية الأحد عشر، أكثرها رديكالية هي الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، الجبهة لديها تنظيم قوي لدرجة أنها تمتلك جريدتها الرسمية اليومية، والتي توزع 23,000 نسخة يومياً. والجبهة هي التنظيم الذي قام باختطاف ثلاث طائرات غربية وتفجيرها في مطار الثورة بالأردن، وهي التي فجرت طائرة البان أميريكان في القاهرة.قائد الجبهة الشعبية في بيروت غسان كنفاني، من مواليد فلسطين وغادرها تحت وطأة الإرهاب الصهيوني في العام 1948. ومنذ ذلك الحين وهو يسعى لتحطيم الصهيونية والرجعية العربية.غسان: ما أعرفه هو أن التاريخ كان دوماً تاريخ قوم ضعفاء يقاتلون قوماً أغنياء، هو تاريخ أناس يملكون قضية محقة ولكنهم يفتقرون القوة، وأقوياء يستغلون قوتهم لإخضاع الضعفاء.ريتشارد: في القتال الدائر في الأردن منذ أسابيع والذي كان لحركتك دور فيه، ما الذي أنجزتموه؟غسان: شيء واحد، وهو أن لدينا قضية نقاتل من أجلها. وهذا كثير!. الشعب الفلسطيني يفضل أن يمون واقفاً على أن يخسر قضيته، ماذا أنجزنا؟ أثبتنا أن الملك حسين على خطأ. أثبتنا أن هذا الشعب سيظل يقاتل حتى النصر، أنجزنا أن شعبنا لا يمكن هزيمته، أنجزنا أن علّمنا كل شخص في العالم أننا سنقاتل حتى آخر قطر دم لنحصل على العدالة التي نستحق، بعد أن خذلنا العالم. هذا ما حققناه.ريتشارد: يبدو أن الحرب الأهلية، بلا طائل….غسان مقاطعاً: هي ليست حرباً أهلية، أنه شعب يدافع عن نفسه ضد حكومة فاشية تقوم أنت بالدفاع عنها فقط لأنك الملك حسين يملك جواز سفر ثاني (بريطاني ممكن؟). إنها ليست حرب أهلية.ريتشارد: حسناً الصراعغسان: ليس صراعاً أيضاً. قلت إنها حركة تحرر تقاتل من أجل العدالة.ريتشارد: أياً يكن الاسم الأفضل لها……غسان: كلا، هنا أصل المشكلة، وهذا هو سبب كل أسئلتك (المزعجة)-يقصد سوء الفهم المزمن لدى الصحفي- هناك شعب يتعرض للاضطهاد ويقوم بالدفاع عن نفسه. هذه هي القصة. لو أنها حرب أهلية عندها يصبح سؤالك مفهوماً، لو أنه صراع سيكون هناك شيء لتغطيته وتسأل عنه.ريتشارد: لماذا لا تنخرط منظمتك في محادثات سلام مع الإسرائيلينغسان: أنت تقصد استسلام وليس "سلام"ريتشارد: لم لا تتحدثون فقط؟غسان: نتحدث لمن؟ريتشارد: لقادة إسرائيلغسان: هذا يشبه الحوار بين السكين والرقبةريتشارد: إذا لم يكن هناك سكين أو سلاح في الغرفة بإمكانكم الحديث فقط.غسان: كلا، لا مكان للحديث بين الاستعمار وحركات التحررريتشارد: ولكن على الرغم من ذلك، لماذا لا تتحدثون؟غسان: نتحدث عن ماذا؟ريتشارد: عن احتمالية وقف القتال.غسان: عدم القتال عن ماذا؟ريتشارد: فقط أن توقفوا القتال، بغض النظر عن سببه.غسان: يعني، الناس عادة يقاتلون لأجل شيء ما، ويتوقفون عن القتال أيضاً لأجل شيء ما، وأنت لا تستطيع حتى أن تخبرني لماذا يتوجب علينا أن نتحدث أو نتوقف عن القتال.ريتشارد: توقفوا عن القتال لتوقفوا المعاناة والموت والألم.غسان: معاناة وألم وموت من؟ريتشارد: الفلسطينيون والإسرائيليون والعرب.غسان: الفلسطينيون الذين تم اقتلاعهم ورميهم في المخيمات وقتلهم على مدار عشرين سنة، وحرموا من أن يقولوا أنهم فلسطينيون حتى.ريتشارد: ولكن هذا أفضل من أن يقتلوا!.غسان: بالنسبة لك ربما. أما بالنسبة لنا نحن الفلسطينيين، كلا. بالنسبة لنا أن نحرر وطننا ونستعيد كرامتنا وحقوقنا هم أمر أساسي، تماماً مثل الحياة ذاتها.ريتشارد: وصفت الملك حسين بالفاشي، من من الزعماء العرب تعرضون بشكل مطلق أيضاً؟غسان: هنال معسكرين عربيين، المعسكر الرجعي والمرتبط بالإمبريالية ومثل الحكومات الأردنية والسعودية والمغربية والتونسية. وهنا من نسميهم أنظمة البرجوازيات العسكرية الوطنية، مثل سوريا ومصر والعراق.ريتشارد: الآن ماذا لديك لتقول عن عمليات خطف الطائرات، هل كانت خطأً؟غسان: كلا لم تكن كذلك، على العكس، كانت من أكثر الأشياء التي فعلناها صوابية.

Posted by ‎غسان كنفاني‎ on Friday, October 14, 2016

فيديو نادر يظهر فيه الشهيد “غسان كنفاني”

 

كلمة تختصر كل ما يمكن أن يقال عبر السنوات على لسان  المواطن الفلسطيني والعربي في مواجهة عالم يرفض أغلب قياداته وحكوماته الاعتراف بما هو معروف بالضرورة من حقوق بديهية للشعب الفلسطيني في أرضه كامله.

ولذا ليس من الغريب أن  نتابع مثل هذا المشهد الأخير المتداخل المتناقض في بلدة تشمل أغلبية مسلمة كـ”سنغافورة” فالبلد التي انضمت لدول عدم الانحياز في الستينيات سرعان ما تحولت مع بدء تفريط الحكام العرب وهرولتهم من أجل توقيع اتفاقات سلام مع الكيان الصهيوني نهاية السبعينيات وما بعدها، فانطلقت “سنغافورة” كغيرها من الدول في نفس الاتجاه.

اليوم هي تحظى بعلاقات دبلوماسية وعسكرية واسعة مع إسرائيل غير أن هذا لم يصل بها للاعتراف بالقدس عاصمة لها والمواقفة على قرار “ترامب” الأخير، لم تؤيد أمريكا في ذلك، لكن هذا لا يعني أنها تعترف حقًا بحقوق الشعب الفلسطيني وتملك الشجاعة للانحياز لعدالة القضية الفلسطينية.

ولعل أكبر دليل على ذلك هو الموقف الأخير لهيئة الإعلام الرسمية بسنغافورة من الفيلم الوثائقي الفلسطيني “شعاع المقاومة” ومنع مشاركته بأي مسابقات لما يتناوله عن قضية الطفلة الفلسطينية المقاومة “عهد التميمي”

مشوار المقاومة

عهد التميمي

عهد التميمي

 

منعت سنغافورة عرض الفيلم الذي يحكي عن الفتاة الفلسطينية المناضلة التى قامت بصفع جنديين إسرائيليين قبل أن يتم اعتقالها بعد ذلك، وهى الفتاة عهد التميمي، والتي حظيت بشهرة إعلامية واسعة بعد تلك الواقعة، وأصبحت رمزاً لمقاومة الاحتلال العسكري الإسرائيلي في الضفة الغربية وفلسطين بل في العالم كله.

وكان من المفترض عرض الفيلم الوثائقي في مهرجان “سنغافورة للسينما الفلسطينية” لعام 2018، ولكن الفيلم “إشعاع المقاومة” أخذ تصنيف “غير مسموح به لجميع التقييمات” الأمر الذى يمنع عرضه وتوزيعه تماما في سنغافورة.

ويروى الفيلم الذى لا تتجاوز مدة عرضه 59 دقيقة، والذي أخرجه الأمريكي، جيسي روبرتس، في مسرح “ذا بروجيكتور” قصة فتاتين صغيرتين، نشأتا في بلدة “النبي صالح” بالضفة الغربية والتى يسيطر عليها الاحتلال الإسرائيلى.

ووصفت هيئة “إنفوكوم” لتطوير الإعلام الفيلم الذى يحكي عن فتاتين لم يتجاوزا مرحلة الطفولة وهما جنى عياد (11 عاماً) وعهد التميمي (16 عاماً)، والذي تم إخراجه قبل اعتقال التميمي بأنه فيلم “مشوه” و”تحريضي”.

ودافعت الهيئة عما قد أصدرته من تصنيف للفيلم أثار جدلا واسعا بأنه منحاز، وهذا ما قد يعرضه لانقسام الآراء حوله في سنغافورة التي تقع بجنوب شرقي آسيا وهي دولة متعددة الأعراق.

وأضافت هئية تطوير الإعلام عبر موقعها الإلكتروني، أن الفيلم يفتقر إلى التوازن حيث إنه يتناول الصراع بين إسرائيل وفلسطين من خلال رؤية التميمي البالغة من العمر 16 عاما وناشطة أخرى صغيرة.

وتقوم سلطات سنغافورة بحكم قبضتها على الرأي العام وخاصة الإعلام في كل ما يخص الأمور المتعلقة بالدين والعرق، إلا أن إصدارها لمثل هذا القرار وبهذا الشكل الصارم أمر نادر الحدوث.

وعبرت “أديلا فو” منظمة مهرجان سنغافورة عن اندهاشها من إصدار هذا القرار وقالت لوسائل الاعلام إنها ترى أن “الفيلم جيد حقا” فقد كان القرار مفاجئا، ووصفته بأنه “غير مفهوم”، لكنها لم تقدم تفاصيل.

وكان “إشعاع المقاومة” الذي فاز بجائزة أفضل فيلم وثائقي في مهرجان “سينما حقوق الإنسان” في بلفاست العام الماضي، قد عرض في العديد من المهرجانات السنيمائية في العالم، ولكنه اكتسب شهرة أوسع بعد اعتقال التميمي الشهر الماضى.

الجنة الآن

موقف متكرر لا يقتصر على عام 2017 وحده ولا دولة سنغافورة وحدها بالتأكيد، فالعالم متردد ومتشكك حول البديهيات لأسباب كثيرة متداخلة يبقى عنوانها الرئسيي هو انتصار منطق “سطوة المصلحة” على “قوة الحق”.

ففي عام 2010 وعقب انتهاء الحرب الإسرائيلية على غزة التي تسببت في دمار واسع ورغم هذا لم تعلن حركات المقاومة عن تسليم أسلحتها كما كان المطلب الصهيوني المدعوم أمريكيا، قام الفنان الفلسطيني الشاب هاني أبوسعدة بإخراج فيلمه الروائي الطويل وهو “الجنة الآن”.

ورغم ما تناوله الفيلم من نظرية حول طرق خوض الصراع عارضها عدد كبير من مثقفي العالم العربي المؤيدين للمقاومة  فقد تعرض للمنع في عدد من العواصم العالمية.

انحازت رؤية الفيلم إلى عدم استخدام السلاح ضد “ألمستوطنين الصهاينة” حتى لو اغتصبوا الأرض والتركيز على المقاومة المدنية العزلاء، ورغم هذا لم تجرؤ كثير من العواصم على الاعتراف حتى بذلك.

فنجد أنه في إبريل 2010 قررت إدارة مهرجان «كامبريدج» السينمائي البريطاني السنوي إلغاء عرض الفيلم الفلسطيني «الجنة الآن»! ونقلت قناة «بي بي سي» البريطانية تبرير إدارة المهرجان بأنّ ذلك يعود إلى « للحيلولة دون إثارة الحساسية في صفوف المشاهدين»، وهو ما تكرر في مؤتمر “بودابست” الروماني  للأفلام الروائية الطويلة وتم تبرير المنع عبر  ثلاث كلمات هى “نظراً للأحداث الراهنة”.

وتدور أحداث الفيلم في خلال الثماني والأربعين ساعة الأخيرة من حياة شابين فلسطينييْن قررا تنفيذ عملية استشهادية داخل إسرائيل.

والفيلم من إخراج ابن مدينة الناصرة هاني أبو أسعد، وتمثيل: قيس ناشف، علي سليمان، أشرف برهوم، عامر حليحل، لبنى ازابيل وهيام عباس، وهو من إنتاج فرنسي- ألماني- هولندي مشترك.

ونجد أنه رغم التردد بكثير من العواصم الأوروبية لم يخلُ الأمر من بعض الإنصاف، فكان العرض الأول للفيلم  في مهرجان برلين السينمائي من نفس العام وحصل على جائزة الجمهور وجائزة أفضل فيلم أوروبي.

وقد بدأ مشوار إنتاج  الفيلم بمبادرة للمخرج “هاني سعد” توجه بها لمراكز دعم صناعة السينما في أوروبا عام 2006 إلى أن حصل بعد تصفية واسعة على مستوى العالم على المنحة المشتركة.

وفي 1 مارس 2006 تظاهر مجموعة في إسرائيل ضد قرار أكاديمية الفنون والعلوم السينمائية في كاليفورنيا بترشيح الفيلم للحصول على جائزة أفضل فيلم أجنبي، تم عرض الفيلم في 45 دولة رغم الحصار الذي تعرض له وقد واجه المخرج صعوبات وضغوطا كبيرة أثناء تصوير الفيلم.

فاعتبر عدد كبير من نقاد هوليود المخرج يحاول بطريقة أو بأخرى تمجيد العمليات الانتحارية بإضافة لمسات إنسانية للممثلين الذين هما صديقان منذ الطفولة ومحاصران بجو من الإحباط والفقر المدقع  هذا في حين اتهمه مثقفون عرب بخيانته لقضية المقاومة الفلسطينية للاحتلال الإسرائيلي  باعتبار العمليات الاستشهادية ضد المحتل “إرهاب”.

دوامة من أجل البقاء

تجربتان يسبقهما الكثير ويتبعهما الأكثر في محاولات مستمرة لإيصال صوت يتناول قضية أصيلة بالتاريخ الإنساني وهي “القضية الفلسطينية”، محاولات مستمرة يبقى التعاطي معها منذ انطلاقها كفكرة وحتى وصولها لصالات العرض، هو الأكثر كشفاً عن كيف تفكر العقول حول العالم ، وإلى أين وصل “الضمير الإنساني” .