العدسة – باسم الشجاعي

وقائع جديدة تنكشف يوما بعد آخر حول حقيقة الأزمة التي تشهدها “مصر والسعودية والإمارات”، بسبب منح السودان جزيرة “سواكن” لتركيا، التي يقف عقبة أمام أحلام أبو ظبي للسيطرة على موانئ البحر الأحمر وبسط نفوذها العسكري والسياسي في إفريقيا بعيدا عن السعودية.

حساب “مجتهد الإمارات” على موقع التدوينات المصغرة “تويتر”، كشف عن أسباب التقارب التركي والسوداني ومنح “الخرطوم” لـ”أنقرة” جزيرة “سواكن”، قائلا في تغريدة له، أمس “السبت” 6 يناير: “سبب توتر العلاقة مع الأشقاء فى السودان هو كشف السلطات السودانية عن نية بلادنا (في إشارة إلى دولة الإمارات العربية المتحدة) تنفيذ مخطط انقلابي عسكرى ضد الرئيس السوداني البشير وهذا هو السبب الرئيسي لتحالفه وتقاربه مع تركيا”.

فتن الإمارات بالقرن الإفريقي

الأمر لم يقف عند هذا الحد وحسب، بل دفعت الإمارات نحو مزيد من التوتر بين السودان ومصر؛ حيث دفعت أبو ظبي مصر لإرسال تعزيزات عسكرية إلى إريتريا، نكاية في الخرطوم.

و”الخميس” الماضي 4 يناير، وصلت تعزيزات عسكرية من مصر هي عبارة عن أسلحة حديثة وآليات نقل عسكرية وسيارات دفع رباعي إلى قاعدة “ساوا” العسكرية في إريتريا، والتي تعتبر المقر الرئيس لتدريب جنود الخدمة الوطنية، وتقع القاعدة في إقليم “القاش بركا”، وهو الإقليم المحاذي للسودان عن طريق الشرق.

ووفقا لما أروده موقع “عربي 21“، على لسان مصادر خاصة به (لم يسمها)، فإن اجتماعًا أقيم في قاعدة “ساوا” ضم عددًا من القيادات العسكرية والأمنية من “مصر والإمارات وإريتريا والمعارضة السودانية” الممثلة في بعض حركات دارفور وحركات الشرق.

استنفار سوداني

في المقابل السودان لم يقف مكتوف الأيد؛ حيث قالت مصادر صحفية (وصفة بالقريبة من الرئيس “البشير”) إن “الجيش السوداني أرسل الآلاف من جنوده إلى مدينة “كسلا” شرق البلاد على الحدود مع إريتريا”.

في حين نقلت صحيفة “الصيحة” السودانية عن مصادر إثيوبية (لم تسمها) إن قيادة المنطقة الغربية الإثيوبية أرسلت تعزيزات عسكرية قبالة المثلث الحدودي مع إريتريا والسودان.

وأوردت وكالة الأنباء السودانية، أمس “السبت” 6 يناير، أن السودان أغلق حدوده الشرقية مع إريتريا بناء على قرار والي مدينة “كسلا” إغلاق جميع المعابر الحدودية مع الجارة الشرقية، اعتبارا من مساء “الجمعة” 5 يناير 2018.

وكان الرئيس السوداني “عمر البشير” قد أعلن حالة الطوارئ في هذه المنطقة الحدودية قبل أسبوع.

ما الذي يُزعج الإمارات من “سواكن”؟

بعيدًا عن عناوين التاريخ والاقتصاد التي ساقتها أنقرة لإدارتها جزيرة سواكن، فإن الجزيرة السودانية ذات أهمية استراتيجية بإطلالتها على البحر الأحمر.

وتحتوي جزيرة سواكن على أقدم ميناء في السودان، ويستخدم في الغالب لنقل المسافرين والبضائع إلى ميناء جدة في السعودية، إذ يأتي الميناء في المرتبة الثانية بعد بورتسودان ويقع إلى الشمال منه بمسافة 60 كيلومترًا.

فالرئيس التركي “رجب طيب أردوغان”، يعي جيدًا أهمية هذه الخطوة، ولا يخفي عزمه إعادة نفوذ تركيا في القارة السمراء كما كانت قبل 100 عام، إذ حظيت جزيرة سواكن بمكانة هامة في عهد الدولة العثمانية، وكانت مركزًا لبحريتها في البحر الأحمر، وضم ميناؤها مقر الحاكم العثماني لمنطقة جنوب البحر الأحمر بين عامي 1821 – 1885.

والواضح أن الاتفاق التركي السوداني بشأن جزيرة سواكن، لم يرق للسعودية ومصر والإمارات؛ حيث تدوالت أخبار عن سعي أنقرة لإنشاء قاعدة عسكرية في جزيرة سواكن، على غرار القاعدة التي أقامتها أنقرة في الصومال، والتي توصف بأكبر قاعدة عسكرية لتركيا خارج حدودها.

ظهور “عزيز يلدريم”، كمستثمر رئيسي في المشروع التركي لـ”سواكن”، هو سبب انتشار فرضية الوجود العسكري؛ لكونه مشهوراً في إفريقيا والعالم بالاتجار في السلاح وله علاقات واسعة مع القوات المسلحة التركية وعدد كبير من الجيوش العربية والإفريقية، وذلك وفق تصريحات الباحث السوداني “إبراهيم ناصر”، الذي يعمل في مركز أنقرة لدراسة الأزمات والسياسات (أنكاسم).

عقبة أمام النفوذ الإماراتي

منح السودان تركيا جزيرة سواكن، خيب آمال الإمارات العربية المتحدة الساعية للسيطرة على موانئ البحر الأحمر، وبات الأمر عقبة في تحقيق حلمها الاقتصادي والعسكري والسياسي.

فدولة الإمارات العربية المتحدة بدأت قبل عدة سنوات مشروعًا سياسيًا استراتيجيًا تعدى حدود الطموح الاقتصادي بكثير، والناظر إلى خريطة الملاحة والموانئ في الشرق الأوسط والقرن الإفريقي سيلاحظ امتداداً جيوستراتيجيًا إماراتيًا توزع ما بين اليمن والقرن الإفريقي ومصر، بعيداً عن مناطق نفوذ السعودية التي تركت لها الإمارات “قيادة” الخليج والعالم الإسلامي، لتخلق لنفسها دورًا أشد أهمية وتأثيراً خارج محيطها الإقليمي الخليجي المليء بالنزاعات ومحاولات السيطرة.

فتحت راية “إعادة الشرعية”، تم خلق تحالف من عدة دول يهدف إلى إعادة سيطرة الرئيس اليمني “عبد ربه منصور هادي” على اليمن وإنهاء نفوذ الحوثيين المدعومين من إيران، وتوجهت أعين الإمارات إلى موانئ اليمن.

وفي عام 2005 وقع سلطان “أحمد بن سليم”، الرئيس التنفيذي لمؤسسة الموانئ والجمارك والمنطقة الحرة في دبي و”ياسين علمي بوح”، وزير المالية في جمهورية جيبوتي اتفاقية تعاون، تستمر 21 عاماً، تقوم خلالها الإمارات بإدارة وتطوير الأنظمة والإجراءات الإدارية والمالية لجمارك جيبوتي وتطوير العمليات الجمركية ونظام وإجراءات التفتيش.

كما وقعت الإمارات اتفاقا مع إريتريا تستخدم بموجبه ميناء ومطار عصب على البحر الأحمر لمدة 30 عاما، وينص الاتفاق على أن تدفع مؤسسة الموانئ والجمارك والمنطقة الحرة في دبي مقابلا سنويا للسلطات الإريترية، إضافة إلى 30% من دخل الموانئ بعد تشغيلها.

وفي مايو من عام 2017، تسلمت موانئ دبي العالمية إدارة ميناء “بربرة” في جمهورية أرض الصومال، إيذانًا ببدء تطبيق عقد امتياز إدارة وتطوير الميناء، في حفل أقيم بحضور رئيس “جمهورية” أرض الصومال، و”سلطان أحمد بن سليّم” رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لمجموعة موانئ دبي العالمية.

هل تسعى الإمارات للانقلاب مجددا على “البشير”؟!

ما كشفه حساب “مجتهد الإمارات”، على موقع التدوينات المصغرة “تويتر”، من تورط الإمارات في الانقلاب على الرئيس “السوداني”، العام الماضي “2017”، يؤكد احتمالية أنها لن تتخلى عن هذا المخطط، وخاصة وسط التطورات التي يشهدها الشارع السوادني والتظاهرات.

فقد شهد السودان أمس “السبت” 6 يناير، في مدينة سنار، مظاهرة لعشرات الطلاب ضد ارتفاع أسعار الخبز، استجابة لدعوة أحزاب المعارضة إلى التظاهر سلميا، الأمر الذي يفتح الباب أمام الإمارات لتأجيج الأمر وتقليب المعارضة على الرئيس “البشير”، كما حدث مع الرئيس المصري “محمد مرسي”، في تظاهرات حركة “تمرد”، التي كانت تمولها أبو ظبي.

وكان تضاعفت أسعار الخبز “الجمعة” في السودان، بعد أن رفعت المطاحن سعر دقيق القمح بسبب قرار الحكومة وقف استيراد القمح وترك ذلك للقطاع الخاص.

وهتف عشرات من طلاب جامعة سنار (366 كلم جنوب الخرطوم): “طالب بحقوقك يا مواطن”، قبل أن ينضم لهم عشرات المواطنين، بحسب شهود ومقاطع انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي.

ورفع سعر كيس الدقيق زنة 50 كلغ من 167 إلى 450 جنيها سودانيا (65 دولار).

وشهد السودان تظاهرات مشابهة عام 2016 بعد أن رفعت الحكومة الدعم عن الوقود، وقمعت الحكومة التظاهرات كما فعلت عام 2013 عندما تصدت لاحتجاجات ضد رفع الدعم عن المشتقات النفطية.

ويعاني الاقتصاد السوداني منذ انفصال جنوب السودان عام 2011، ومعه 75% من إنتاج النفط الذي كان حجمه 470 ألف برميل يوميا، إضافة إلى سنوات من العقوبات الاقتصادية الأمريكية، التي رفعت في 12 أكتوبر الماضي.