العدسة – معتز أشرف

أعاد مقتل الشاب محمد عبدالحكيم، الشهير بـ”عفرتو” وحبس معاون مباحث قسم المقطم بالعاصمة القاهرة وأمين شرطة على ذمة تحقيقات قضائية بتهمة قتل الشاب عمدًا، الحديث عن ملف الانتهاكات الجسيمة التي تحدث في أقسام الشرطة في مصر، والجرائم المتورط فيها ضباط شرطة، خاصة وأن ثورة 25 يناير حملت أيقونة شهيرة هي صورة الشاب خالد سعيد الذي ارتقى علي أيدي ضباط شرطة بمحافظة الإسكندرية شمال العاصمة قبيل اشتعال الثورة حيث ساهم مقتله، بحسب مراقبين، في تحفيز حركة الاحتجاج الحقوقي قبل  ثورة 25 يناير، إذ كان في طليعة مطالب النشطاء إقالة وزير الداخلية  اللواء حبيب  العادلي على خليفة جرائم وزارته.

راجية عمران الناشطة الحقوقية الحاصلة علي جائزة على الجائزة الفرنسية الألمانية لحقوق الإنسان علقت على مقتل “عفرتو” بأن “التعذيب جريمة لن تسقط بالتقادم” وسط حديث واسع بين النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي عن تشابه مقتل “عفرتو” بـ”خالد سعيد “، بالتزامن مع حملة علاقات عامة أجرتها وزارة الداخلية في الصحف المحسوبة عليها مفاداها أن الشاب “عفرتو” متهم  بالتجارة في المخدرات وتعاطيها، وهي ذات التهمة التي وجهت للشاب خالد سعيد، مع نفس نغمات النفي الرسمي وتشويه الضحية وحماية الجاني.

لعبة النفي والتشويه تجيدها وزارة الداخلية، وكانت واضحة مع خالد سعيد، وكررتها مع كل قتيل يسقط في مقار الاحتجاز في أقسام الشرطة، وكان مثالا بارزا على ذلك المواطن القبطي مجدي مكين في العام 2016؛ حيث أثبت الطب الشرعي موته تحت التعذيب، وأحيل الضابط كريم مجدي معاون المباحث بقسم الأميرية وقتها للمسألة القضائية ألا أن الشرطة استعرضت ملفه الجنائي وربطت بين موته وبين تعاطيه مخدرات، وحيل بين التكتم علي القضية تدخل الكنيسة المصرية لصالح مكين .

أزمة ممتدة للجميع

الأزمة ليست خاصة بالجنائيين لكنها ممتدة إلى العناصر السياسية خاصة التي زاحمت الجنائيين في الفترات الأخيرة في مقارات الأقسام بعد الإطاحة العسكرية بالدكتور محمد مرسي أول رئيس مدني منتخب بالبلاد حيث ارتقى العديد من الضحايا منهم تحت سياط التعذيب كما رصدت تقارير حقوقية  منهم المحامي كريم حمدي، التي وصفت بأنها هي الأبشع بين كل حالات التعذيب، حيث قتل على يد اثنين من ضباط الأمن الوطني في 9 مارس 2015 في قسم المطرية وتسلم القضاء ملف قضيته تحت ضغط نقابي واسع.

ملف الضحايا كذلك ضم أسماء بارزة كالطبيب عفيفي أحمد عفيفي، في الإسماعيلية،  والشاب عمرو أبوشنب في قسم مركز شبين القناطر بالقليوبية وطلعت شبيب الرشيدى والمحامي إمام محمود  داخل قسم شرطة الأقصر، وأشرف بكار ومحمد عوض في  قسم المطرية، ومحمود سيد محمد حسين في قسم الهرم الذي تعرض للتعذيب حتى الموت، أثناء استجوابه داخل قسم الشرطة لمدة 21 يومًا، والتي من المقرر نظر قضيته أمام الدائرة 21 جنايات الجيزة الشهر الجاري.

مراكز حقوق الإنسان في مصر التي تتعرض لحملات ملاحقة أمنية توصف بالشديدة، حاولت رصد وتوثيق العديد من الانتهاكات الخاصة بالتعذيب داخل مقار الاحتجاز بمصر، ومنهم مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب الذي أكد في العديد من تقاريره أن الأمر بات ظاهرة خطيرة وممنهجة، كما اعتبرته منظمة “هيومن رايتس مونيتور”  شيئا روتينيا و ممنهجا يرقى لكونه جريمة ضد الإنسانية، بحسب اتفاقية روما، التي تقتضي محاكمة السلطات المصرية المسؤولة أمام المحكمة الجنائية الدولية، ولفتت في تقرير حديث لها أن وزارة الداخلية تسعى باستمرار إلى إخفاء جرائم قتل السجناء أثناء التعذيب، عبر الضغط على عائلاتهم أو عبر الطب الشرعي الذي يؤكد عادة أن سبب الوفاة إما الانتحار أو الهبوط الحاد في الدورة الدموية.

توثيق حقوقي

أما التنسيقية المصرية للحقوق والحريات فرصدت في تقرير عن انتهاكات عام 2016 عدد  527 حالة تعذيب بطرق وأساليب متنوعة، و 337 واقعة تعذيب في السجون المختلفة، و159 واقعة تعذيب في أقسام ومراكز الشرطة ومديريات الأمن، و101 حالة تعذيب في مقار جهاز الأمن الوطني، إضافة إلى 35 واقعة بمعسكرات قوات الأمن، و6 وقائع في المؤسسات العقابية يمثل الطلاب النسبة الأكبر منها، وبيّنت، أن 115 حالة تعذيب كانت من نصيب المهنيين من «معلمين ومهندسين وأطباء وإعلاميين ومحامين” .

وفي تقرير لذات لتنسيقية تحت عنوان ” القهر” رصد حالات التعذيب بمقار الاحتجاز  في عام  2017  أكد أن التعذيب يتم  بشكل منهجي وثابت، فيما رصد مركز النديم تحت عنوان “أرشيف القهر ”  9 حالات وفاة داخل أماكن الاحتجاز في شهر ديسمبر 2017 وحده شملت 7 نتيجة الإهمال الطبي، وحالة وفاة نتيجة التعذيب إضافة إلى حالة وفاة لم يحدد سببها، و 58  حالة تعذيب فردي وجماعي وتكدير بأمكان الاحتجاز.

ويوجد في مصر بحسب بعض المصادر الحقوقية  382 مقر احتجاز داخل أقسام الشرطة، بخلاف السجون السرية في معسكرات الأمن المركزي وفرق الأمن التابعة لوزارة الداخلية، وداخل المقرات العسكرية التابعة لوزارة الدفاع، كما يوجد 9 مؤسسات عقابية ودور أحداث تُستخدم لاحتجاز القاصرين، ومراكز احتجاز غير قانونية كمقرات لتعذيب المختفين قسريا وانتزاع اعترافات منهم بالقوة، وتتنوع أشكال التعذيب.

استهجان حكومي

في المقابل ترى وزارة الداخلية المصري مثل هذه التقارير الحقوقية حملة ممنهجة ضدها، واعتادت في السنوات الأخيرة على التذرع بمحاربة الإرهاب لوقف أي انتقاد لها، واعتبرت في الفترة الأخيرة تقرير منظمة هيومن رايتس ووتش الذي رصد تعرض نزلاء بمقار الاحتجاز للتعذيب، بأنها حلقة جديدة ضمن سلسلة تقارير المنظمة التي تحرض ضد الدولة المصرية وتستهدف تشويه سمعتها الخارجية وتقويض جهود التنمية في البلاد، واصفًا تلك المنظمة بالمشبوهة التي دأبت على العمل لإلحاق الخراب بدول الشرق الأوسط خاصة، على حد وصف تصريحات إعلامية لمصدر مسئول بالوزراة نشرته جريدة المصري اليوم.

المصدر تبهي في تصريحاته بأن أجهزة الأمن المصرية أغلقت مكاتب المنظمة في البلاد بعد ثبوت تورطها في إعداد ونشر تقارير تدفع إلى زعزعة الاستقرار وتكدر السلم والأمن العام الداخلي، وهي تهم فضافضة اعتاد النظام المصري لصقها بمنتقديها، غير أن الإعلامي عمرو أديب المحسوب على دوائر نافذة في النظام المصري تناول جريمة مقتل “عفرتو ” خلال برنامجه “كل يوم” قائلا :”اللي غلط يتحاسب”.

جريمة ممنهجة

أحمد مفرح المحامي والباحث الحقوقي يري في حديث لـ”العدسة” أن جرائم الاحتجاز في أقسام الشرطة لا تشكل ظاهرة وإنما هي أمر مستمر بحيث أصبح”نمطا” باللفظ الحقوقي الصحيح شكل معه جريمة ممنهجة طبقا لتقرير لجنة مناهضة التعذيب في الأمم المتحدة والتي تحدثت عن أن التعذيب في مصر هو جريمة ممنهجة تتم من ثلاث فئات رئيسية وهم العسكريون وكذلك منتسبو جهاز الشرطة والمسئولون عن السجون ومراكز الاحتجاز في مصر.

ويضيف أسامة ناصف المحامي مدير وحدة العدالة الجنائية بالتنسيقية المصرية للحقوق والحريات عن صعوبة بالغة تواجه عملهم الحقوقي في مصر خاصة فيما يخص أقسام الشرطة، مؤكدا أن أقسام الشرطة ثكنة شرطية لا يستطيع أحد دخولها ولا ضبط ما يجري فيها من جرائم، ولا سلطان للنيابة ولا لأحد عليها، معتبرا أن ذلك هو ما سهل ارتكاب جرائم التعذيب والإخفاء القسري والاحتجاز بدون حق والقتل بدون رقيب.

اللافت للنظر بحسب ناصف أن المحاضر التي يتم تحريرها بشأن الجرائم التي ترتكب داخل الأقسام، يتم تحريرها بمعرفة ضباط القسم الذين ارتكبوا تلك الجرائم، وبالطبع لن يدينوا أنفسهم، محذرا من أن الحالة أصبحت ظاهرة متكررة داخل الأقسام خاصة أن قيام النيابة بإخلاء سبيل الضباط في مثل هذه الحالات، هو أكبر مشجع للضباط وأفراد الشرطة على ارتكاب المزيد من هذه الجرائم.