العدسة – فتحي عباس

يحاول تنظيم “ولاية سيناء” التابع لتنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش)، إرباك الأوضاع في سيناء وقطاع غزة على حد سواء خلال الفترة المقبلة، وتحديدا عقب التفاهمات بين حركة حماس، التي كانت تسيطر على القطاع قبل اتفاق المصالحة مع حركة فتح برعاية مصرية.

التفاهمات المصرية مع حماس، تتضمن بالأساس ضبط الحدود بين غزة وسيناء، لمنع تسلل عناصر مسلحة تنضم إلى “ولاية سيناء”، خاصة مع تزايد أعداد أعضاء التنظيم من أبناء غزة.

وأقدمت حركة “حماس” على التجاوب مع الجانب المصري في إطار اتفاق المصالحة، لتخفيف الحصار عن سكان القطاع، وبالفعل شددت إجراءات ضبط الحدود منذ منتصف العام الماضي، وهو ما أغضب تنظيم “داعش”.

وتعتبر غزة رافدا أساسيا للعناصر التي تنضم إلى “ولاية سيناء”، خاصة من هؤلاء المنتمين فكريا إلى تنظيم “الدولة الإسلامية”، وهو ما يمثل خطًّا أحمر لدى الجيش المصري والأجهزة الأمنية.

ولكن هل يعلن “داعش” الحرب على حركة حماس من خلال فرعه بسيناء، والاعتماد على عناصره داخل غزة؟.

هجوم على حماس

قبل أيام قليلة، بث “ولاية سيناء” إصدارا مرئيا، بعنوان “ملة إبراهيم”، أطلق العنان للهجوم الشديد على حركة حماس بشكل خاص، في إطار حديثه عن القضية الفلسطينية.

ووصف التنظيم “حماس” بالردة في أكثر من موضع، مع استعراض لبعض المحطات في تاريخ الحركة، بداية من مؤسسها الشيخ أحمد ياسين.

الإصدار دعائي بامتياز، لم يقدم جديدا على مستوى موقف تنظيم “الدولة الإسلامية” من حركة “حماس” باعتبارها مرتدة عن الإسلام؛ نظرا لقبولها بالأحكام الوضعية بدلا من تطبيق الشريعة، على الرغم من توصيف نفسها بحركة “إسلامية”، بحسب الإصدار.

وفي نهاية الإصدار أقدم “ولاية سيناء” على قتل شخص يدعى موسى أبو زماط، يبدو أنه كان عضوا في التنظيم، ولكن بحسب المتحدث في الفيديو ويدعى كاظم الغزاوي، ارتد بعد تهريب الأسلحة إلى قطاع غزة وحركة “حماس” على وجه التحديد.

وحاول التنظيم إبراز وجود العنصر الغزاوي في صفوفه سواء من خلال “كاظم” أو منفذ قتل أبو زماط، وسط الادعاء بأنه كان عضوا في كتائب عز الدين القسام، وابن قيادي في حركة “حماس”.

ليست المرة الأولى التي يتخذ تنظيم “الدولة الإسلامية” موقفا مع حركة حماس، وسبق أن تعرض للموقف من حماس في أكثر من إصدار لعدد من أفرعه، وتحديدا في سوريا.

وكان لا بد لتنظيم “الدولة الإسلامية” وصف “حماس” بالردة، حتى يكون هناك مجال واسع للهجوم عليه، فهي بالأساس رسالة لمحاولة استقطاب شباب للانضمام إليه خلال الفترة المقبلة، وتحديدا من داخل غزة.

ولكن الغريب وبحسب مصادر خاصة، فإن أغلب المنضمين لـ “ولاية سيناء”، من المجرمين المطاردين من قبل الأجهزة الأمنية في قطاع غزة، وهربوا إلى سيناء خوفا من الوقوع في أيدي الأجهزة التي كانت تتبع لحركة “حماس”.

فالأسماء التي ظهرت في إصدار “ولاية سيناء” أغلبها غير معروف في أوساط السلفية الجهادية في غزة، باستثناء منفذ القتل، وهو محمد الدجني – ابن قيادي في حركة حماس- الذي تبرأت منه أسرته في بيان نقلته عدة وسائل إعلامية فلسطينية.

إعلان حرب

كان الصراع بين تنظيم “الدولة الإسلامية” وحركة “حماس” مكتوما خلال العامين الماضيين، ولكن المتابعين لتحركات “ولاية سيناء” يدرك أنها مسألة وقت قبل الدخول في صدام مباشر.

البداية كانت في ديسمبر 2016، بعد قرار “ولاية سيناء” إغلاق الأنفاق بين سيناء وغزة، في عقاب لحركة “حماس” على تصعيد الحملة الأمنية ضد عناصر موالين لتنظيم “الدولة الإسلامية”، وآخرين ينتمون إلى “السلفية الجهادية”.

موجة الاعتقالات التي شنتها الأجهزة الأمنية في غزة، كانت مثار انتقادات شديدة داخل القطاع من قبل أبناء التيار السلفي الجهادي، وكان الاستهداف الأساسي لم يثبت علاقاته بـ “الدولة الإسلامية”، خاصة مع تصعيد الهجوم على حركة “حماس”.

وهنا، فإن ثمة توترًا ملحوظًا بين الجانبين، ولكن هذا ينحصر فقط في ضغوط كل طرف على الآخر، دون الدخول في مواجهة مباشرة، وتحديدا في قطاع غزة.

فلم يوجه تنظيم “الدولة الإسلامية” الموالين له في قطاع غزة إلى استهداف حركة حماس ومقراتها، ولكن الاكتفاء فقط بمحاولات الضغط عليها، لعدم ملاحقة عناصر “داعش” والسلفية الجهادية بشكل عام.

ولكن يبدو أن ثمة إستراتيجية جديدة سيتبعها تنظيم “الدولة الإسلامية”، وهي بمثابة إعلان حرب على حركة حماس في قطاع غزة، إذ حرض كاظم الغزاوي – المتحدث في إصدار “ولاية سيناء”- الموالين لـ “داعش” على العمل في غزة.

هذه الإستراتيجية ربما تعتمد على أنه طالما حركة حماس رفضت خروج الموالين لتنظيم “الدولة الإسلامية” إلى سيناء بعد اتفاقات أمنية مع الجانب المصري، بما يؤثر على سير عمليات “ولاية سيناء” ضد الجيش والشرطة بسيناء، فإن هذه الكتلة ستتحول إلى استهداف حركة “حماس” خلال الفترة المقبلة.

هذه التحركات سبق وأن أقدمت عليها بعض العناصر الموالية لتنظيم “الدولة الإسلامية”، مثلما نفذت مجموعتا “أنصار الدولة الإسلامية في أكناف بيت المقدس” و”سرية عمر حديد”، عمليات ضد أفراد الأمن التابعين لحكومة حماس في 2015، وإطلاق صواريخ تجاه الأراضي المحتلة، في محاولة لكسر الهدنة مع الكيان الصهيوني، في إطار الضغط لعدم استهداف عناصر السلفية الجهادية.

معوقات أمام “داعش”

ولكن الأمر ليس بالسهولة التي ربما ينظر إليها تنظيم “الدولة الإسلامية”، بقدر ما هو أمر في غاية الخطورة، خاصة وأن اتباع هذه الإستراتيجية يعني أن التنظيم لا يوجد لديه شيء ليخسره؛ وبالتالي، فإن عملياته في قطاع غزة ستكون انتقامية.

وثمة معوقات أمام تنفيذ عناصر “الدولة الإسلامية في غزة عمليات ضد حركة حماس وكتائب عز الدين القسام، وأبرزها أن الأجهزة الأمنية في القطاع ألقت القبض على عدد كبير من الموالين لتنظيم “داعش”، تحسبا لتكرار أحداث مسجد ابن تيمية في 2009.

كما أن الأزمة الأخرى في التنسيق الأمني بين حركة حماس والجانب المصري، بما يضع قيودا على أية تحركات، مع إمكانية تقديم مصر يد العون للأجهزة الأمنية في غزة، بعد استلام حكومة الوفاق الوطني مهامها في القطاع بعد المصالحة، هذا بغض النظر عن الخلافات التي تهدد استكمال المصالحة.

ويبقى أن عامل المساحة الجغرافية الصغيرة لقطاع غزة، يعرقل وجود أي تنظيمات تعمل بشكل سري هناك، أي بالأحرى تشكيل جماعات تعمل ضد الحكومة هناك، مع التسليم بإمكانية تشكيل السلفية الجهادية تنظيمات غرضها الأساسي المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي فقط، ويكون ذلك بالتنسيق مع حماس.

وتواجه العناصر الموالية لتنظيم “الدولة الإسلامية” أزمة في الحصول على أسلحة لمواجهة ترسانة كاملة من كتائب عز الدين القسام، وهو ما جاء باعتراف “ولاية سيناء”، التي أكدت أن موسى أبو زماط، قتل لتهريبه الأسلحة من سيناء إلى غزة.

كما أن عناصر “داعش” ليس لديها قدرات وكفاءة لمواجهة عناصر حماس وكتائب القسام، نظرا لعدم وجود خبرات كبيرة لديها، لعدم الاحتكاك في معارك وعمليات في مناطق الصراع، ويبقى أن إرسال عناصر خبرة إلى هناك أمر في غاية الصعوبة، مع إحكام قبضة أجهزة الأمن في غزة على الأوضاع تماما، وهدم أغلب الأنفاق على الحدود.