العدسة – باسم الشجاعي

من جديد، عادت الاحتجاجات في تونس، بعد سبع سنوات على ثورتهم التي كانت أولى ثورات الربيع العربي، وجاءت هذه المرة بسبب غلاء الأسعار وتفشي البطالة، والتي أسفرت حتى الآن عن مصرع شخص يدعى “خمسي اليفرني” في مدينة (طبربه).

وتأتي هذه الاحتجاجات، في وقت يعتبر هو الأصعب على تونس، بعد سبع سنوات من الثورة، التي أطاحب بالرئيس الأسبق ” زين العابدين بن علي”؛ حيث إن البلاد تشهد حالة من الصراع، بين قطبي الحكم المؤتلفين.

أكثر من مائتي موقوف

ولكن تأتي الرياح بما لا تشهي السفن؛ فالمظاهرات المتواصلة والتي امتدت من المحافظات الداخلية للبلاد، إلى ضواحي العاصمة التونسية، وخاصة في منطقتي القصرين وجلمة القريبتان من سيدي بوزيد، والتي شهدت اصطدامات وإطلاق قنابل مسيلة للدموع ورشقا بالحجارة.

وهذه الاحتجاجات تأتي على خلفية رفضهم لإجراءات التقشف التي دخلت حيز التنفيذ في الأول من يناير الجاري، وتتضمن زيادة على ضريبة القيمة المضافة وضرائب جديدة.

ومطلع العام الجديد، شهدت الأسعار في تونس، زيادات في العديد من القطاعات، تفعيلًا للإجراءات التي تضمنتها موازنة 2018.

وتعتبر الحكومة هذه الإجراءات “مهمّة” للحد من عجز الموازنة البالغ 6% من الناتج الإجمالي المحلي في 2017.

وطالت الزيادات المحروقات، وبطاقات شحن الهواتف، والإنترنت، والعطور، ومواد التجميل.

ورغم مرور أكثر من أسبوع على القرار، إلا أن مئات التونسيين، خرجوا “الثلاثاء” 9 يناير، في مسيرة احتجاجية بالعاصمة تونس، رفضًا لغلاء الأسعار، وللمطالبة بالتنمية.

والتحرك الاحتجاجي هذا كان دعت له كل من حملتي “فاش نستناو” (ماذا ننتظر)، و”مانيش مسامح” (لن أسامح)، ورفع المحتجون شعارات من قبيل “الشعب يريد إسقاط الميزانية”، و”لا خوف لا رعب الشارع ملك الشعب”، و”يا مواطن يا مقموع زاد الفقر وزاد الجوع”.

ويصب كل المتظاهرين والمحتجين جام غضبهم على قانون المالية للعام 2018، الذي أقرته الحكومة مؤخرا، إضافة إلى اعتزام الحكومة اقتطاع 1% من رواتب كل الموظفين، كمساهمات للصناديق الاجتماعية التي تعاني عجزا.

قبل أسبوع أعلنت وزارة الداخلية التونسية، توقيف أكثر من مائتي شخص يشتبه في تورطهم في أعمال نهب وتخريب، بالتزامن مع الاحتجاجات التي خرجت منذ ليلة “الثلاثاء/ الأربعاء”.

وبحسب المتحدث باسم وزارة الداخلية “خليفة الشيباني”، فإن حصيلة التوقيفات بلغت 206 من المتورطين في عمليات السرقة والنهب والسلب ليلا، فضلا عن إصابة 49 عنصر أمن، وإلحاق الضرر بـ 45 سيارة أمنية.

لمصحلة من؟

مع تزايد الاحتجات في تونس التي تدخل يومها الثالث، ارتفع سقف المطالبات من المتظاهرين؛ حيث قال “أيمن الصيد”، القيادي باتحاد الشباب الشيوعي، الفصيل الطلابي لحزب العمال بالجامعة: إن “الحكومة تعمل على خدمة الطبقات الغنية والبرجوازية فقط”، واصفا إياها بالحكومة اليمينية التي تجمع الرجعية الدينية والانتهازية الحداثية، حسب قوله، وذلك في إشارة الى تحالف “حركة النهضة ونداء تونس”.

“الصيد”، طالب بضرورة إسقاط الحكومة وتعويضها بحكومة أخرى، بعدما كانت المطالبات تقتصر على إلغاء قانون المالية للعام 2018، الذي أقرته الحكومة مؤخرا.

توقيت التظاهرات يبدو أنه ليس في صالح الحكومة الحالية داخليا وخارجيا؛ حيث يشهد الواقع السياسي التونسي حالة من الصراع، بين قطبي الحكم المؤتلفين في تونس، وهما حركة النهضة ذات التوجه الإسلامي وحزب نداء تونس، الذي يراه البعض ممثلا لبيروقراطية الدولة التونسية.

ويبدوا أن الأمر يزيد من صعوبة الموقف خارجيا، فبحسب صحيفة “لوموند”، الفرنسية، فإن العلاقات الإماراتية التونسية لم تستقر أيضا؛ حيث إن أبو ظبي، ستبقي حالة الاضطراب طاغية، طالما أن الإسلاميين التونسيين لا يزالون في صلب الحكومة”، في إشارة لحركة النهضة.

وألمحت “لوموند”، في تقرير لها، إلى أن مشاركة حزب حركة النهضة في الحكومة هو السبب الرئيسي للأزمة الأخيرة بين تونس والإمارات؛ حيث إن عداء الإمارات لجماعة الإخوان المسلمين، يؤكد رفض أبو ظبي بشكل قطعي تركيبة الحكومة التوافقية التي تدير تونس.

ويشار إلى أن حزب حركة النهضة التونسي، ضمن حكومة الائتلاف الوطني، التي يقودها حزب نداء تونس “الحداثي” الذي أسسه الرئيس الحالي “الباجي قائد السبسي”.

 الإمارات تشعر بخيبة أمل

وبيدوا أن “الإماراتيين شعروا بأنهم قد تعرضوا للخيانة” في تونس، مما يشير بشكل أو بآخر إلى أنها تقف وراء هذه الاحتجاجات بشكل ما، على غرار ما تقوم به في ليبيا والسودان، بسبب عدائها المعلن  لثورات الربيع العربي، وفي القلب منها جماعة الإخوان المسلمين.

فالإمارات، كانت قد دعمت بسخاء حملة “الباجي قائد السبسي” الانتخابية، كما أهدت له سيارتين مصفحتين، وذلك على أمل مجاراتها دبلوماسيًّا.

لكن طموح الإماراتيين قد تبدد مع تشكيل حكومة ائتلافية مطلع سنة 2015، بمشاركة حزب حركة النهضة الذي احتل المركز الثاني، وتوقع الإماراتيون أنه مجرد تحالف وقتي، قبل أن يكتشفوا أن هذا التحالف سيمتد ويتطور على حساب حزب نداء تونس.

المعارضة تصعد والحكومة تهدئ

استمرار الاحتجاجات يبدو أنه تربة خصبة للتدخل الإماراتي لإسقاط الحكومة التونسية التي تُكِنُّ لها العداء “غير المعلن”، بسبب حركة النهضة ذات المرجعية الإسلامية.

فقد دعا حزب المعارضة الرئيسي في تونس، “الثلاثاء”، إلى مواصلة الاحتجاجات، إلى أن تلغي الحكومة قانون المالية الذي وصفه بـ “الجائر”، الذي يشمل زيادة الأسعار والضرائب.

وقال “حمة الهمامي” زعيم الجبهة الشعبية، في مؤتمر صحفي بالعاصمة تونس: “اليوم لدينا اجتماع مع أحزاب معارضة أخرى لتنسيق تحركاتنا، ولكننا سنبقى في الشارع وسنزيد وتيرة الاحتجاجات حتى نسقط قانون المالية الجائر، الذي يستهدف خبز التونسيين، ويزيد معاناتهم”، وأضاف أن الحكومة تستهدف بشكل غير عادل الطبقات الفقيرة والوسطى.

وعلى الجانب الآخر، قال رئيس الوزراء “يوسف الشاهد”: “لم نر احتجاجات البارحة (أمس)، رأينا أناسا يكسّرون ويسرقون ويعتدون على التونسيين”.

“الشاهد”، دعا في تصريحات صحفية، إلى الهدوء قائلًا: إن “الوضع الاقتصادي صعب ودقيق، لكنه سيتحسن خلال 2018”.

ومن جهته، أكد وزير المالية “رضا شلغوم” أن رئيس الحكومة “تعهد عدم زيادة أسعار المنتجات ذات الاحتياجات الأولية، والضرائب لا تطال بشيء سلة المنتجات الغذائية لأنها خارج إطار الضريبة على القيمة المضافة”.