العدسة – باسم الشجاعي
لا يمكن غض الطرف عن الدور الإماراتي في الشرق الأوسط، وخاصة في بلدان الربيع العربي “مصر وليبيا وتونس”، وذلك بعد التسريبات والوثائق التي تظهر للعلن من حين لآخر، لتكشف عن إستراتيجية أبو ظبي، التي تسعى من خلالها لخلط الأوراق وقلب موازين القوى السياسية بهذه الدول.
آخر تلك التسريبات الإعلامية، ما كشفه موقع “ميدل إيست آي” البريطاني في تقرير له، عن شبكة تجسس إماراتية يشرف عليها ولي العهد “محمد بن زايد”، تم زرعها في تونس منذ 2016.
الشبكة السرية، تهدف بحسب الموقع البريطاني، لشراء ولاءات وذمم عدد من أعضاء البرلمان التونسي، وتشغيل بعضهم كعملاء لأبو ظبي من أجل تمرير أجندتها المعادية للثورة وللتيار الإسلامي هناك.
وبحسب الوثيقة التي نقلت عن موقع “أسرار عربية”، فإن الضابط الإماراتي المسؤول عن أنشطة التجسس في تونس، يدعى “سعيد الحافري”، ويتولى مسؤولية أنشطة الاستخبارات الإماراتية خلفًا للضابط السابق الذي كان يعمل في تونس منذ ما بعد نجاح الثورة التونسية، “عبد الله حسن عبد الله الحسوني”.
والوثيقة عبارة عن رسالة موجهة من الضابط “الحافري” في تونس إلى مقر إدارة جهاز أمن الدولة الإماراتي في أبو ظبي، وتحمل الرقم (881/ 2016)، ويعود تاريخها إلى 19 أكتوبر2016، وتتضمن خطة الإمارات لتجنيد عملاء وشراء ولاءات وذمم داخل مجلس النواب.
تسريب صوتي يكشف كيف تحاول #الإمارات العبث في أمن #تونس !المكالمة بين "نورالدين بو شيحة" مدير مكتب محمود جبريل مستشار محمد دحلان ومحمد بن زايد، مع ضابط مخابرات تونسي
Opublikowany przez العدسة – The Lens na 13 stycznia 2018
حزام برلماني
وأطلقت الوثيقة على المشروع اسم “حزام برلماني يعمل لصالح الإمارات في تونس” (يتكون من 130 نائبًا؛ حيث يتكون من 217 مقعدًا، ما يعني أن الأغلبية المطلقة في المجلس تحتاج إلى 109 نواب فقط)؛ حيث كشفت عن لقاء تم بين ضابط أمن الدولة الإماراتي وبين عضو مجلس النواب، الدكتور “شكيب باني”، وهو عضو عن حركة “نداء تونس” ومقرر لجنة التخطيط والمالية في البرلمان التونسي.
ونقل الضابط الإماراتي في الرسالة عن النائب في البرلمان التونسي، قوله: “أعتبر نفسي من رجال الإمارات لما لها من توجه ونظرة اقتصادية مفتوحة، ما يجعلها مثالاً يُحتذى في البلدان العربية والعالمية”.
ويهدف “الحزام البرلماني التابع للإمارات في تونس”، إلى “تقليص انتشار الإسلاميين التابعين لحركة النهضة في مفاصل الدولة، وكذلك على المستوى الشعبي”.
ومع سيطرة الإمارات على مجلس النواب من خلال الحزام البرلماني الذي يمكنه تمرير القوانين والضغط على الحكومة وعلى رئاسة الجمهورية، وذلك من خلال إعطاء مقابل شهري لكل نائب يلتحق بهذا الحزام كـ3000 دولار على سبيل المثال، بحسب ما ورد في الوثيقة.
معاداة “النهضة”
المتابع للسياسة الإمارات، يجد أن لها تاريخا طويلا من العداء تجاه الإسلام السياسي، وخاصة جماعة الإخوان المسلمين، التي تعتبر حركة النهضة في تونس امتدادا فكريا لها.
وعلى إثر ذلك كان العداء العلني بين الإمارات وحركة النهضة، الذي بدأ في 2011، حينما قطعت أبو ظبي عن تونس أي شكل من أشكال المعونة بعد أن كانت، قبل عام 2011، ثاني شركائها التجاريين بعد ليبيا، وذلك بسبب سيطرة حزب حركة النهضة على مقاليد السلطة.
وتسعى الإمارات للإطاحة الكاملة بجماعة الإخوان المسلمين من المشهد التونسي، أسوةً بما حدث بمصر في يوليو 2013، بعد أن الإطاحة بالرئيس المصري الأسبق “محمد مرسي”، من خلال دعم حركة “تمرد”، التي مهدت الطريق أمام الرئيس الحالي “عبد الفتاح السيسي” للانقلاب عليه، وهو ما لم يتحقق في تونس حتى الآن؛ إذ تجنبت حركة “النهضة” تكرار هذا السيناريو في تونس بقبولها التخلي عن رئاسة الحكومة في يناير 2014.
واستمرارًا لسياسيات أبو ظبي ضد حركة النهضة، رفض طيران الإمارات استئناف رحلاته من وإلى تونس، رغم الاتفاق الحاصل بين وزارة الخارجية الإماراتية ووزارة النقل التونسية، حتى 13 يناير الجاري.
ويشار إلى أنه في 22 ديسمبر 2017، منعت شركة طيران الإمارات تونسيات – باستثناء الحاصلات على الإقامة أو صاحبات الجوازات الدبلوماسية – من السفر على متن طائراتها المتجهة من مطار قرطاج الدولي إلى دبي، دون إبداء أسباب ذلك، وهو ماتراجعت عنه بعد ذلك.
ففي 4 من يناير الجاري، تم استئناف الرحلات بعد اتصالات بين الطرفين على مختلف المستويات، والتوصل إلى اتفاق تلتزم بمقتضاه الشركة الإماراتية باحترام القوانين والمعاهدات الدولية وأحكام الاتفاقية الثنائية في مجال النقل الجوي المبرمة بين البلدين، والحرص على تفادي تكرار ما حدث مستقبلاً، وكل ما من شأنه أن يمس أو يسيء للعلاقات الثنائية.
وسبق أن سلطت صحيفة “لوموند” الفرنسية، في 8 يناير الجاري، الضوء على الأزمة الأخيرة بين تونس والإمارات، مؤكدة أن الانفراجة التي حدثت لا تعني إنهاء المشكلة من جذورها، نظرًا لوجود إسلاميين في حكومة السبسي، وهو ما تعتبره الإمارات أمراً غير مقبول، وهو مايحدث بالفعل.
الطريق الخشن
ويبدو أن الإمارات تسعى للمواجهة الخشنة مع حركة النهضة التونيسية والحكومة القائمة، من خلال الدفع “في الخفاء” للتظاهرات الرافضة لغلاء الأسعار، وسياسة التقشف التي بدأت تونس في انتهاجها الفترة المقلبة.
وسلكت الإمارات هذا الطريق، بعد أن شعرت (بحسب خبراء)، بأنهم قد تعرضوا للخيانة، من قِبل “الباجي قائد السبسي”، الذي دعمته بقوة في حملته الانتخابية؛ حيث أهدت له سيارتين مصفحتين، أملا في تحقيق هدفها بالإطاحة بحركة النهضة التونسية من المشهد.
ومنذ ذلك الحين وحتى الآن، (2014/ 2018)، لم تتوقف أبو ظبي عن تسليط المزيد من الضغوط على تونس، ففي سنة 2015، تم رفض الآلاف من تأشيرات الدخول الخاصة بالتونسيين، كما تم إلغاء العديد من برامج التعاون المشترك.
ولعل من أبرزها مشروع تأمين حدود تونس مع ليبيا، حيث كان من المقرر أن تمول الإمارات اقتناء تونس لأجهزة مراقبة إلكترونية من فرنسا، بحسب “لوموند”.
وفي سياق التظاهرات التي تشهدها تونس، كشفت وزارة الداخلية، عن اعتقال قواتها لأكثر من 800 شخص بتهمة التورط في أعمال شغب وتخريب.
وكانت انتشرت الاحتجاجات العنيفة في أرجاء البلاد منذ الاثنين الماضي ضد قرارات حكومية بفرض ضرائب جديدة، ورفع الأسعار ضمن ميزانية 2018، لخفض العجز في الميزانية، وإرضاء مقرضين دوليين يضغطون على تونس لتطبيق إصلاحات اقتصادية.
وشملت الاحتجاجات عددا من المدن الأخرى، من بينها “باجة وسوسة وسليانة والعاصمة والمهدية ونابل والقصرين”.
ويتسق ما سبق مع “مسلسل التسريبات”، التي كشف عن مكالمة صوتية نوفمبر 2015، دارت بين “نور الدين شيحة”، مدير مكتب رئيس الوزراء الليبي السابق “محمود جبريل”، وضابط في المخابرات التونسية، في التنسيق مع دولة الإمارات، لتأجيج الأوضاع في تونس، للإطاحة بحركة النهضة، التابعة لجماعة الإخوان المسلمين في تونس، من الحكم، مقابل فتح قنوات إعلامية وتمويلات مادية.
بشائر التخطيط الإماراتي، ظهرت جلية في تحذير النائب التونسي “عدنان الحاجي”، من خطورة المرحلة القادمة في تونس.
“الحاجي”، قال في مداخلته خلال الجلسة العامة في مجلس نواب “الشعب” في 9 يناير الجاري، تعليقا منه على أحداث العنف والنهب التي وقعت في البلاد: إن “الشعب ما تصرف غالط.. أنت تسرق أنا نسرقك.. أنت ضربت أنا نضربك.. وكل التوقعات تقول إن هذه السنة ستكون سنة دم في تونس”.
اضف تعليقا