العدسة – منصور عطية

لم تكن أزمته مع الفرع السلماني بعائلة آل سعود المالكة وليدة اللحظة، بل ترجع القصة إلى نحو 40 عامًا مضت، وقفت شاهدة على معاناة والده ومن بعده مع آل سلمان.

الأمير خالد بن فرحان آل سعود المنشق عن الأسرة المالكة في السعودية منذ عام 2013، أعلن مؤخرًا عن صدور كتابه “مملكة الصمت والاستعباد في ظل الزهايمر السياسي، المملكة العربية السعودية.. حقائق وخفايا”.

“الأمير الهارب” كما يسميه كثيرون، كشف في لقاء تليفزيوني نوفمبر الماضي، أن سفارة الرياض في ألمانيا طلبت منه مرارًا وتكرارًا أن يقدم اعتذارًا للملك، وأن يتنازل عن لجوئه، إلا أنه رفض.

الأمير خالد الفرحان

وأضاف أنه “مهدد من قبل السلطات السعودية، ويتم مراقبته بشكل مستمر”، مشيرًا إلى أنه تم اقتحام منزله في ألمانيا بهدف الحصول على الكتاب، كما تحدث عن قيام السلطات السعودية بدعوته إلى التخلي عن اللجوء السياسي، بواسطة محامٍ أبلغه أن حياته قد تتعرض للخطر، وأن عليه أن يتفاوض مع السلطات.

وفي سلسلة تغريدات مفصلة، عبر حسابه الرسمي على تويتر، قال الأمير اللاجئ في ألمانيا منذ انشقاقه إنه تنبأ بما آلت إليه المملكة الآن، على مختلف الأصعدة الداخلية والخارجية قبل 5 سنوات.

شروط أمريكا لدعم “بن سلمان”

وقال “بن فرحان” في تغريداته إنه طرح مسبقًا للعلن، “التسريب المؤسف” الذي تلقاه من أحد أقاربه “النافذين المطلعين المخلصين في العائلة”، وهو المتعلق بالشروط الأمريكية الخاصة بموافقة الولايات المتحدة ودعمها لابن سلمان لكي يصبح ملكًا مستقبليًّا علي البلاد في حياة أبيه.

وتابع: “فالجميع يري الآن بما لا يجعل مجالاً للشك، أن هذا المخطط يسير بخطى أسرع مما توقعنا جميعًا، فإسرائيل تضمن الآن أحقيتها في حرية الإبحار بمضيق تيران في خليج العقبة، لأنه يُعد الآن مجرى مائيا دوليا، كما بدأت حملة تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، من خلال الاعتراف الأمريكي بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني بمباركة ومساعدة سعودية”.

وربط الأمير بين الصفقة التاريخية التي وقعتها المملكة، في مايو الماضي مع أمريكا، بقيمة وصلت لنحو نصف تريليون دولار، وبين حملة الاعتقالات التي طالت أمراء ومسؤولين ورجال أعمال، وبين سياسة التقشف المفروضة على السعوديين بسبب انخفاض عائدات النفط.

نتيجة بحث الصور عن محمد ابن سلمان وترامب)

ترامب ومحمد بن سلمان  

واتهم ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بتشويه سمعة وسجن النافذين من أبناء عمومته المنافسين له في الحكم بتهم الفساد “لكسب تعاطف الرأي العام السعودي من خلال الادعاء علي أنها حملة لتطهير ومكافحة الفساد ورغبته الملحة في استيلائه علي أموالهم، بعد أن كانت المملكة علي مشارف إعلان الإفلاس التام عام 2017، خاصة بعد دفع الجزية الخرافية البالغة حوالي نصف تريليون دولار للرئيس الأمريكي الكاره للإسلام والمسلمين، بغرض رشوة الولايات المتحدة للحصول علي موافقتهم لتولي وانفراد محمد بن سلمان بالسلطة في البلاد”.

ودلل “بن فرحان” بالسعي السعودي لتطبيع العلاقات مع الاحتلال الإسرائيلي – الذي رأى أنه يهدف لكسب رضاهم، وتنصيب ابن سلكان في الحكم – على صدق اتهاماته السابقة لسلطات المملكة بأنها “لا تلتزم بشرع الله، ولا حتى بأنظمتها الوضعية، وسياساتهم وقراراتهم وتصرفاتهم تحكمها إراداتهم وأهواؤهم الشخصية، وكل ما يصدره النظام من اعتباره المزعوم للشرع، إنما يدار بطريقة شكلية ليعطي انطباعًا كاذبًا بالالتزام بالشرع”.

نتيجة بحث الصور عن سلمان العودة والقرني

وقبل أعوام أشار الأمير إلى أن “من بيدهم السلطة في المملكة رفضوا أطروحات الإصلاح التي قدمت لهم من رموز شعبية كثيرة لها مكانتها واحترامها وشعبيتها، وعاملوها بالقمع والعنف، ورفضوا أيضًا أطروحات الإصلاح الجادة التي قدمت لهم من داخل الأسرة الحاكمة، حيث عاملوا بعضها بالتضييق وسوء الظن والبعض الآخر بالعنف والقمع”.

وتابع: “فلا يخفى على أحد حاليًا، أن جميع العقول المستنيرة الناقدة المخلصة لدينها ولوطنها، وحتي الصامتة منها التي ترفعت عن التطبيل والنفاق، والتي تحظى بشعبية واحترام داخل المجتمع، أُدخلت المعتقلات بطريقة تعسفية ظالمة ديكتاتورية”.

نبوءات الأمير تتحقق

وغرّد “بن فرحان”: “قلت إن من بيدهم الأمر يتجاهلون عن عمد الواقع المرير في المملكة وصرخات الشعب المقهور ويصرون على استفزاز الشعب من خلال حالة البزخ الخرافي الذي يعيشونه ولا يأبهون إلا لمصالحهم الشخصية الذاتية، بلا اعتبار لمصلحة الدولة أو الشعب أو حتى الأمن القومي”.

وتابع: “قد رأينا مؤخراً اختفاء وسرقة تريليون ريال من الميزانية السعودية بدون رقيب ولا حسيب، وشراء محمد بن سلمان ليخت ولوحة للمسيح وقصر بفرنسا تقدر بمليار دولار، في الوقت نفسه الذي يعلن عن حالة التقشف وفرض ضريبة القيمة المضافة والضريبة الانتقائية وغلاء أسعار البترول بصورة استفزازية”.

وقال: “وأشرت إلى الفوضى في العلاقة مع الأشقاء بدول الجوار الخليجية، لنرى الآن مجلس التعاون الخليجي علي شفا انهيار، وفرضت التقارب الإيراني القطري وأتاحت مقرًّا لدولة إقليمية كبيرة لها أطماع في الجزيرة العربية، مثل تركيا، علي حدودنا، بسبب الخلافات الصبيانية مع قطر، وتقلب المواقف مع عمان والكويت”.

نتيجة بحث الصور عن القمة الخليجية الأخيرة بالكويت

واستطرد “بن فرحان”: “وفي نفس الاتجاه مشاركتنا العبثية الخاسرة في الدول العربية الإقليمية التي لا تقوم على أي مصلحة وطنية ولا عربية ولا إسلامية، علي الرغم من ضخ الأموال الهائل”، مشيرًا إلى الأزمة السورية والحرب في اليمن.

واختتم الأمير تغريداته بالقول: “وختامًا أوضحت أن المشاكل التى نمر بها فى بلادنا هي مشاكل عميقة ليست مؤقتة أو سطحية، فهي ليست متمثلة فقط في حجم البطالة أو ضعف الرواتب أو سوء توزيع الثروات والمقدرات والخدمات… الخ، بل هي مشاكل عميقة وحقيقية مرتبطة بالفساد السياسي والمالي، وسوء استغلال السلطة والإدارة الأمنية، وتبعية القضاء ومجلس الشورى للسلطة التنفيذية”.

جذور الخلاف “السلماني- الفرحاني”

وخلال اللقاء المتلفز سالف الذكر، كشف “بن فرحان” جذور الخلاف الممتد بين أسرته، والفرع السلماني في عائلة آل سعود.

جد الأمير خالد هو الأمير عبد العزيز بن سعود بن ناصر الفرحان آل سعود، والذي يُعتبر والده أحد مؤسسي المملكة في عام 1932، أما والده الأمير فرحان، فكان ضابطاً في الجيش السعودي.

يروي خالد أنّ والده فرحان تحدّث مرة مع سلمان بن عبد العزيز، الملك الحالي، قائلاً له: إن “من الأحسن إعطاء مزيد من الحريات للمواطنين”، وهو الكلام و”والنصيحة الخفية”، التي فتحت عليه باباً من المضايقات، انتهت بتقديمه الاستقالة من الجيش.

غادر فرحان السعودية إلى لبنان ومصر، والتي تزوج فيها سيدة مصرية أنجبت له “خالد وابتسام”، وبينما كان في يوم من الأيام يغادر الرياض لقضاء إجازة في لندن، تم إعلامه في المطار بأنّه ممنوع من السفر.

اعتُقل الأمير فرحان آنذاك، بحجة التطاول على الملك خالد بن عبد العزيز (ملك السعودية بين 1975 و1982)، لمدة 6 أشهر، أُجبر خلالها على تطليق زوجته المصرية، والتي أُمرت بمغادرة السعودية برفقة ولديها، بأمر من سلمان بن عبد العزيز (الملك الحالي)، أمير الرياض في ذلك الوقت، والمسؤول عن أسرة آل سعود.

يذكر خالد كيف عاد طفلاً هو ووالدته وشقيقته إلى السعودية، إثر عفو من الملك فهد بن عبد العزيز (ملك السعودية بين 1982 و1997)، إلى مرحلة “المهلكة” كما يصفها، حيث عانت عائلته من قيود على تحرّكاتها والعزلة عن الأسرة الكبيرة والجيران، وحتى الذهاب إلى السوبرماركت، بأمر من الأمير سلمان آنذاك.

لم يقابل الأمير خالد والده الأمير فرحان، خلال العزلة على تحرّكات أسرته، وكان الوالد ممنوعاً من القدوم من منزل إقامته الجبرية إلى منزل أسرته سوى مرة في الشهر.

نجح الأمير خالد بتفوّق بالشهادة الثانوية، حيث كان من العشرة الأوائل على مستوى المملكة، ودرس الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة القاهرة، بينما درست شقيقته ابتسام في كلية الطب.

لم تقبل السفارة السعودية في القاهرة منح خالد صفة “دبلوماسي”، وتعاقدت معه كـ”أجنبي”، نتيجة وجود اسمه على قائمة سوداء.

لمجرّد نصيحة والده في الماضي، عانى خالد على مدى سنوات من التضييق عليه حتى بصفته أميراً، إذ رُفض منحه امتيازات الأمراء عند تقدّمه لطلب علاج في الخارج، بعد تعرّضه لحادث سير في مصر، على الرغم من مقابلته الأمير سلمان 3 مرات، وهو على كرسي متحرّك.

وخلال تلك الفترة، كشف خالد عن فساد في مكتب الشؤون الخاصة للعائلة الحاكمة، وذلك بعد تلقّي منزله فاتورة كهرباء مكتوب عليها اسم رئيس المكتب، وبينما تحدّث خالد عن الأمر مع الأمير سلمان، طُلبت شهادته وشهادته شقيقته ابتسام، التي كانت قد تزوجت في الكويت.

تعاني ابتسام شقيقة خالد، من حظر السفر حتى الآن، بدون أي أمر قضائي، وقد طُلب زوجها إلى السعودية، حيث قام تحت الضغط بتطليقها.

في عام 2007.

علم خالد أنّ الأمير سلمان وقّع على قرار منعه من السفر، ليتوجه مباشرة إلى المطار عائداً إلى ألمانيا، وكتب بعدها خطاباً إلى الملك عبد الله بن عبد العزيز (ملك السعودية بين 2005 و2015)، شارحاً له ما لقيه وعائلته على يد الأمير سلمان، عبر عدة أجيال.

وبعد هذا الكتاب، تلقّى خالد اتصالاً من رئيس الديوان الملكي خالد بن عيسى، الذي أعلمه بموعد مع الملك، وضرورة عودته للسعودية، قام على أثره مباشرة بتقديم طلب لجوء سياسي في ألمانيا، قائلاً: “لو نزلت إلى السعودية لم أكن لأتكلم معك الآن”.