العدسة – ربى الطاهر
أثار موقع إلكتروني يساعد على إيجاد زوجة ثانية، استياء المنظمات الحقوقية النسوية بتركيا، حتى قمن برفع دعوى قضائية للمطالبة بإغلاقه.. ليطفو على السطح من جديد ذلك الصراع بين الشرع والقانون، ففي الوقت الذي تعلن فيه حكومة “العدالة والتنمية” عن توجهها الإسلامي تقوم باتخاذ إجراءات لمنع الزواج الثاني وهو الأمر الذي يتعارض مع الشريعة.
ونظرا لهذا الموقف الحكومي المتعنت في الاعتراف الرسمي بالزواج الثاني لجأ الكثير من الرجال الأتراك إلى طرق ملتوية لتحقيق مطالبهم بالزواج من ثانية.
ولعل هذا هو ما جعل العديد من المواقع الإلكترونية بتركيا تعلن عن مساعدتها على إيجاد زوجة ثانية.. إلا أن تلك المواقع في ملاحقة دائمة، وتم بالفعل إغلاق أحد أشهر تلك المواقع، ولكن لا يزال هناك عدة مواقع أخرى تعمل في نفس الاتجاه.
وعلى الرغم من أن موقع “evlilikci.com” الذي كان يعمل على التوفيق بين رجال متزوجين يريدون الزواج من امرأة ثانية، ونساء يقبلن بظروف هؤلاء الرجال، وذلك وفقا لمبادئ الشريعة الإسلامية كما يعلن الموقعفقد تم حظره بعد وقت قصير من انطلاقه.
البحث عن زوجة
وكان الموقع الذي يعد الأول من نوعه في تركيا والثالث على مستوى العالم، حيث يوجد موقعان آخران لنفس الهدف؛ أحدهما في بريطانيا، والآخر في إندونيسيا- وكان هذا من دواعي افتخار القائمين على الموقع- يقدم المساعدة لهؤلاء الرجال، وكذلك النساء، الذين يسعون للحصول على مثل هذه الفرصة، واعتبر زواره من فئات محدده، وهم الرجال الذين يرغبون في زوجة ثانية مع الاحتفاظ بحياتهم الزوجية الأولى مستقرة دون انفصال لسبب أو لآخر، وكذلك النساء اللاتي لا تسمح لهن ظروفهن بإقامة حياة زوجية لوقت كامل، ولا يردن ارتكاب المعاصي في نفس الوقت، أو النساء اللاتي يحتجن إلى إعالة زوج لهن، وربما يكون طريق البغاء هو الطريق الوحيد المفتوح أمامهن، أو غيرهن ممن يرغبن في الزواج حتى ولو من رجل متزوج، أو كلاهما “الرجال والنساء” الذين يريدون الزواج وإعفاف أنفسهم دون ارتكاب معاص، أو من يرغب بالزواج بشكل عام.
وبالفعل حقق الموقع شهرة واسعة خلال فترة وجيزة من انطلاقه، مما أثار جدلا واستياء من المجتمع الحقوقي الذي يهتم بشؤون المرأة، حتى قام اتحاد الجمعيات النسائية في تركيا برفع دعوى قضائية ضده أمام النيابة العامة في أنقرة، وأصدر بيانا قال فيه: “إن المنصة تستخدم الجسد الأنثوي لممارسة التمييز بين الجنسين، وتستخدم لذلك الطقوس الدينية”.
وربما يساهم في مساعدة هؤلاء النسوة قانون الأحوال الشخصية التركي، الذي يقضي ببطلان الزواج الثاني في حالة وقوعه، ويمنح الزوجة الأولى الحق برفع دعوى طلاق إذا تمكنت من إثبات عقد قران زوجها على أخرى، في الوقت الذي تمتنع فيه الجهات الرسمية عن تسجيل عقود الزواج الثاني.
وهو ما يدفع الرجال الراغبين في الزواج بأخرى للجوء إلى الطرق الملتوية لتحقيق أهدافهم، ومن ذلك عدم تسجيل عقود الزواج الشرعية، وهو ما قد يتسبب في مشكلة ضياع حقوق الزوجة الثانية، والتي دائما ما يضيع حقوق أطفالها بالتبعية.
وكعادة كل البلدان تتفاقم المشاكل في القرى والمدن الصغيرة، وفي تركيا تزداد الأمور سوءا في الجنوب وجنوب شرق البلاد، حيث تسود التقاليد العشائرية القديمة، والتي لا تزال ترفض الطلاق، وتسود قوانين العشيرة رغم القوانين المدنية الحديثة التي تنظم كل الأحوال المدنية.
زوجة ثانية سورية
وادعت الناشطات أن رفضهن لهذا الزواج بسبب القهر الذي تتعرض له المرأة من خلال التهديد به، وقالت إحداهن من خلال تجربتها في العمل بمنطقة أورفا والمناطق التي حولها، إن الكثير من النساء أخبرنها أن رجالهن يهددونهن دائما بالقول: ” سأتزوج من امرأة أخرى سورية”.
وتعلق الناشطة أن الجديد في الأمر هو اختلاف متطلبات الزواج المادية عما سبق، فقد كان سابقا الرجال الأغنياء فقط هم من يتزوجون بأخرى، فقد كان الرجل يتحمل تكاليف الزواج الثاني إلى جانب تكفله بالزوجة الأولى وأبنائه منها، أما الآن فقد اختلف الأمر كثيرا، حيث يستطيع الرجل مهما كانت ظروفه المادية الزواج بأخرى فلم تعد المتطلبات كما كانت عليه مسبقا.
العضوية بشروط
وكان صاحب الموقع الذي تم إغلاقه، قد وضع آيات من سورة “النساء” في خانة “من نحن”، إلا أنه غير معروف حتى الآن، وبرغم ما تم تنفيذه من إغلاق هذه النافذه بتوجيهات من مكتب المعلومات والاتصالات، فإن مواقع شبيهة أخرى قد أعلنت عن قيامها بنفس الدور، ويتضح هذا من مجرد الاسم، فأحدها موقع “الزوجة الثانية”، وآخر “النساء السوريات” على سبيل المثال.
وقد وضع القائمون على موقع الزوجة الثانية بعض الشروط لاكتساب أعضاء جدد، وهي عبارة عن مجموعة من الأسئلة الشخصية، فعليه أولا أن يجيب عن سؤال ديانته، وإن كان مسلما أم لا، وهل يصلى أم لا، والغريب أن أعضاء الموقع من دول العالم المختلفة.
أما موقع “النساء السوريات” فهو مقسم إلى عدة أبواب أو تصنيفات؛ منها “السوريات اللاتي يرغبن في الزواج”، واخر عن “ما تحبه النساء السوريات” إلا أن هذا الموقع به قدر كبير من التحيز لهؤلاء النساء السوريات، ممن اضطررن إلى اللجوء إلى تركيا هربا من الحرب في بلادهن، فقد ورد فيه بعض الكلمات التي تعكس تلك الأفكار فمثلا جملة “السوريات هن مخلوقات صغيرة مثل نسائنا، وفي بلادنا ازداد عدد الشبان الراغبين في الزواج من امرأة سورية، وكذلك عدد الرجال المتزوجين الذين يرغبون في أن يكونوا مع امرأة سورية، ولأن النساء السوريات لا يهمهن الزواج، يمكن للرجال العيش معهن دون الزواج منهن”.
الرغبة في الزواج من سورية
وبالرغم من أن ما كتب قد يوحي باستغلال تلك النسوة اللاتي أجبرتهم ظروف الحرب على قبول ما لم يكن يقبلن به قبل ذلك، فقد حاولوا إبعاد تلك النظرة مما قد كتب على الموقع مثل ” أن الرجال ينجزون عملاً صالحاً، عندما يستخدمون العرض المقدم من المنصة”، ويضيف: “ولأن نفسية هؤلاء النساء قد تضررت، فإن الزواج يحميهن من الاستغلال”، ويتابع: “يمكنك بذلك أن تساعد أولئك النساء على أن يشعروا أنهم في حال أفضل”.
وقد تجد على الموقع العديد من الرسائل التي يطلب فيها الرجال زوجات سوريات، فتجد مثلا رسالة يذكر فيها الطالب ” أنا عمرى …عام ، وأريد الزواج من امرأة سورية، ولا يهم أن كان قد سبق لها الزواج من قبل”.. وقد تجد رسالة أخرى مفادها: ” أريد أن أتزوج امرأة سورية، في عمر…، لم يسبق لها الزواج “…إلخ.
تبرير الزواج من سوريات
وتبين “كولسرن كابلان”، الناشطة في مركز النساء بمدينة أورفا في جنوب شرق تركيا، أن الزواج الثاني أمر قديم، ويحدث طوال الوقت، خاصة في المناطق الريفية، إلا أن نسبة الرجال الذين قد تزوجوا من النساء السوريات قد زاد بنسبة كبيرة، وتقول إن هؤلاء الرجال يدعون أنهم قد أقدموا على خطوة الزواج الثاني من سورية لحمايتهن وكفالتهن، وأن هذا من منطلق إنساني… إلا أن هؤلاء الرجال في الواقع، قد يكون أغلبهم ممن لم تنجب زوجته أو من لم يرزق بالذكور ويرغب في أن يكون له ابن ذكر.
وقد صدر تقرير عن الزواج الثاني بالمجتمع التركي أعده اثنان من الأكاديميين، هما إلكنور قبطان أوغلو، وبانو أرغوجمان، من جامعة هاجي تبة، جاء فيه أن الزوجة الثانية لا تحصل على أية حماية قانونية، وقدم هذا التقرير إلى اللجنة الاجتماعية في البرلمان التركي، والتي تعنى بتكافؤ الفرص بين أفراد المجتمع.
وكشف عن أن أسباب تعدد الزوجات في تركيا يرجع غالبا إلى أن الزوجة الأولى لم تنجب الذكور، وهو ما قد يجعلها تشارك في الإقرار بالتعدد، وكثيرا ما قد ترضخ للضغوط الاجتماعية للموافقة على التعدد.
اضف تعليقا