العدسة – باسم الشجاعي

تعوّل الجمهورية الإسلامية الإيرانية -هذه الأيام- على الاتحاد الأوروبي، لمواجهة قرار الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب”، لحثّه على تمديد تعليق العقوبات الخاصة بطهران، “الجمعة” المقبلة (موعد اتخاذ قرار بشأنها)، وخاصة أن النظام الإيراني يشهد احتجاجات داخلية ويحتاج لمزيد من الاستقرار.

ويبقي أمام الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب”، خياران لا ثالث لهما بشأن الاتفاق النووي الإيراني؛ الأول، هو تمديد تعليق العقوبات، أو غير ذلك، وهذا الأمر الذي يحمل في طياته الكثير من الأمور الغامضة.

وبالرغم من أن الولايات المتحدة الأمريكية تملك كل أوراق اللعبة “ظاهريا”، إلا أنهم ليسوا اللاعبين الوحيدين في هذا القرار.

وقبل ساعات من عقد “ترامب” اجتماعًا، “الخميس”، مع مساعديه لشؤون الأمن القومي- سيسعى خلاله لاتخاذ قرار نهائي بشأن ما إذا كان سيعيد فرض عقوبات نفطية على إيران كانت عُلّقت بموجب الاتفاق النووي، من عدمه- عُقد في بروكسل اجتماع دعت إليه مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي “فيدريكا موجيريني”، وجمعها مع وزراء خارجية إيران “محمد جواد ظريف”، وبريطانيا “بوريس جونسون”، وفرنسا “جان إيف لودريان”، وألمانيا “زيجمار جابريال”.

اجتماع بروكسل، أكد تمسّكه بالاتفاق النووي الإيراني، موجّهًا بذلك رسالة “ضمينة” إلى الرئيس الأميركي “دونالد ترامب”، ألا يعيد النظر مرة أخرى في فرض عقوبات نفطية على طهران مجددا، وأن يبقي الوضع كما هو عليه.

“ترامب” في ورطة

ولكن يبدو أن “ترامب” لن يلتفت لهذا الاجتماع؛ حيث يرى الرئيس الأميركي أن سلفه الرئيس الديمقراطي “باراك أوباما”، تفاوض على اتفاق سيئ للولايات المتحدة، بالموافقة على الاتفاق النووي، كما أنه هدّد في وقت سابق بالانسحاب منه، ثم دعا لاحقًا لإدخال تعديلات عليه.

وفقا لما أوردته وكالة “رويترز”، “الأربعاء”، على لسان مسؤول في الإدارة الأمريكية (لم تسمه)، فإنّ بعض كبار مستشاري “ترامب”، حثّوه على تمديد تعليق العقوبات الخاصة بإيران، لكنّه أبدى في جلسات خاصة عدم رغبته في فعل ذلك.

واستشاط “ترامب” غضبًا؛ حيث وجد نفسه مضطرًا إلى تعليق العقوبات مجدّدًا، لأنّه يعتقد أنّ سلفه الرئيس الديمقراطي “باراك أوباما”، تفاوض على اتفاق سيئ للولايات المتحدة، بالموافقة على (خطة العمل الشاملة المشتركة)، وهو الاسم الرسمي للاتفاق النووي.

المسؤول الأمريكي الذي تحدث لـ”رويترز”، أشار إلى أن “ترامب”، يتفاوض حاليًا مع كبار مستشاريه ونواب في الكونجرس، لمحاولة تغيير تشريع العقوبات، كي لا يواجه مواعيد نهائية بشأن تعليق العقوبات كُلّ 90 يومًا، دون أن يوضح ما أسفرت عنه المفاوضات.

ماذا لو فرضت العقوبات على إيران؟

وفي حال أقر الرئيس الأمريكي “ترامب”، فرض عقوبات على إيران، “الجمعة” 12 يناير، فستكون النتيجة عكسية على الولايات المتحدة الأمريكية؛ حيث ستقود مثل هذه الخطوة إلى دفع طهران أكثر إلى أحضان الصين وروسيا.

الأمر ذاته يتخوف منه الاتحاد الأوروبي الذي دعم  في السابق الحظر الأميركي على إيران.

إلا أن معطيات الأمور تغيرت لصالح إيران؛ حيث إن العلاقات التجارية والصفقات بين طهران وشركات دول الاتحاد الأوربي بدأت في التنامي خلال العاميين الماضيين.

وتقلق دول الاتحاد الأوروبي من حدوث نقص لها في الطاقة؛ حيث باتت العديد من شحنات النفط الروسي تتجه إلى الصين بدل توجهها إلى أوروبا، وبالتالي، فإن أوروبا لا ترغب في مواجهة جديدة مع إيران، تؤدي إلى حدوث نقص في إمدادات الطاقة.

وعلى الرغم من أن إيران ليست من الدول الرئيسية في إمدادات الطاقة لأوروبا، ولكن أوروبا تعول على إيران في المدى الطويل كمصدر مهم للطاقة، خاصة أن إيران تملك ثاني أكبر احتياطات من الغاز الطبيعي.

والأمر لم يتوقف عند هذا الحد وحسب فمن المتوقع، بحسب خبراء في مجال الطاقة والاقتصاد أن تكون لإعادة الحظر على إيران، انعكسات سلبية على سعر صرف الدولار، وبالتالي، سيقود ذلك إلى ارتفاع سعر النفط؛ حيث إن هنالك علاقة عكسية بين الدولار وسعر النفط، فكلما ارتفع الدولار، انخفض سعر النفط والعكس صحيح.

الصين المستفيد الأول

ومن المتوقع أن تكون الصين أول الدول المستفيدة من قرار “ترامب”، في حين وقع عقوبات على طهران؛ حيث يرى محلل السلع بمصرف التجار “أس أي بي” النرويجي، “بجران شيلدروب”، أن ” النتيجة المتوقعة لإعادة الحظر الأميركي، هي دفع إيران لبيع نفطها باليوان في بورصة العقود الآجلة، التي ستفتتحها الصين رسمياً بشنغهاي في 18 يناير الجاري، وسيكون ذلك له انعكاس سلبي بالنسبة للدولار الذي يهيمن حالياً على تجارة النفط.

وعلى الرغم من التحول من الدولار إلى اليوان سيأخذ سنوات عديدة، إلا أن “شيلدروب”، يقول إنها “خطوة ضد الدولار على أية حال”.

ويشار إلى أن تجارة النفط السنوية تقدر بحوالى 1.73 ترليون دولار، وهي الأضخم في سوق السلع الأولية، وكانت جميع الصفقات النفطية حتى وقت قريب تقيم بالدولار.

ويعد النفط الغطاء المهم للدولار، في أعقاب تخلي الولايات المتحدة عن “المعيار الذهبي” في تقييم الورقة الخضراء.

ماذا عن إيران؟

وعلى الجانب الآخر، قال وزير الخارجية الإيراني “محمد جواد ظريف”: إن “أي تحرك يقوض الاتفاق النووي غير مقبول”.

وكتب “ظريف” في تغريدة له على موقع “تويتر”، “الخميس” 11يناير، حول اجتماعه مع الأطراف الأوربية في بروكسل: “اجتماع قوي”.

 

وحدد الوزير، ثلاث نقاط تلخط رؤية طهران حول القرار المترقب من “ترامب”، هي: “إيران متمسكة بالاتفاق النووي، ومن حق الشعب الإيراني استثمار مزايا الاتفاق النووي، وأي تحرك يقوض الاتفاق النووي غير مقبول، الدول الأوربية الثلاث (فرنسا وبريطانيا وألمانيا) والاتحاد الأوروبي يدركون جيدا أن التزام إيران بالاتفاق النووي مشروط بالتزام الولايات المتحدة تماما بهذا الاتفاق”.

وفي وقت سابق، كان قال “ظريف”، إن احتمال انسحاب أمريكا من الاتفاق النووي “غير مقبول” من قبل أعضاء المجتمع الدولي، مشيرا إلى أن أمريكا منذ عدة أسابيع أقدمت على إجراء رفضه العالم أجمع، في إشارة لإعلان القدس عاصمة للكيان الصهيوني.

ماهو الاتقاق النووي الإيراني؟

وحول طبيعة هذا الاتفاق الذي هو محل نقاش، تجدر الإشارة إلى أن إيران كانت توصلت مع مجموعة “5+1” لاتفاق ينظم رفع العقوبات المفروضة على طهران منذ عقود، ويسمح لها بتصدير واستيراد أسلحة، مقابل منعها من تطوير صواريخ نووية، وقبولها زيارة مواقعها النووية، ويأتي استكمالا لاتفاق لوزان.

وتوصل المتفاوضون بشأن البرنامج النووي الإيراني إلى اتفاق خلال الاجتماع الذي عقد في العاصمة النمساوية فيينا، يوم 14 يوليو 2015.

وينص الاتفاق على إعادة العقوبات على إيران خلال 65 يوما في حال عدم الالتزام به، ويدعو للسماح بدخول الأمم المتحدة إلى كل مواقع إيران النووية.

كما أن حظر الأسلحة الأممي المفروض على إيران سيستمر خمس سنوات، مثلما سيستمر الحظر على مبيعات الصواريخ لمدة ثماني سنوات.

ويسمح الاتفاق لطهران بتصدير منتجات نووية كاليورانيوم المخصب، وقالت مصادر للجزيرة إنه ينص كذلك على إلغاء تجميد المليارات من الأرصدة الإيرانية بالخارج.

كما يسمح بدخول المفتشين إلى المواقع المشبوهة، بما فيها المواقع العسكرية، ولإيران تأجيل دخولهم أو التظلم إلى هيئة تحكيم تكون هي طرفا فيها.