العدسة – إبراهيم سمعان

“السعودية تتشفى إزاء الاحتجاجات الإيرانية في وقت تستعد فيه بصمت لمواجهة تحركات مماثلة على أراضيها” هكذا عنون “جيم كرين” في مجلة “فوربس” مقالا أشار فيه إلى أن المعلقين السعوديين، وصفوا ما يجري في إيران بأنه “ضربة قاصمة في قلب الخمينية” جعلت إيران تغلي وكأنها على حافة بركان، لكن في الكواليس السعودية، كان هناك شعور سائد بين صناع القرار إزاء إمكانية حدوث احتجاجات مماثلة وعلى نطاق أوسع في المملكة.

وبررت المجلة هذا الأمر بأن المواطنين السعوديين يشتركون مع الإيرانيين في المظالم نفسها التي دفعت للنزول إلى الشارع، مشيرة في هذا المجال إلى تشابه الاجراءات الحكومية المتخذة التي اثقلت كاهل المواطن في البلدين .

وإلى نص التقرير

على الصعيد العلني، ظلت المملكة العربية السعودية تتشفى في سلسلة الاحتجاجات المناهضة للحكومة الإيرانية -عدو المملكة اللدود- والتي بدأت في 28 من الشهر الماضي .

وعلى غرار تغريدات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الانتهازية إزاء الأزمة، وصف المعلقون السعوديون الاضطرابات التي تجري في إيران بأنها ضربة في قلب الخومينية، وجعلت إيران تغلي وكأنها على حافة بركان، وأن انهيار النظام الإيراني أصبح وشيكا.

وفي الكواليس، فإن طقطقة الأسنان من الخوف، هي التي يجب أن يكون بالتأكيد الشعور السائد بين صناع القرار في المملكة؛ وذلك لأن الاحتجاجات الإيرانية من الممكن تكرارها – وربما على نطاق أوسع – داخل المملكة.

كيف ذلك ؟

المواطنين السعوديين يشتركون الآن في العديد من المظالم نفسها، التي – في جزء منها- دفعت نظراءهم الإيرانيين إلى النزول للشوارع للتظاهر.

فكلا الحكومتين أدخلتا تعديلات على نظام الدعم المتعلق بمنتجات وخدمات الطاقة، واستعاضتا عنه بالطاقة الرخيصة ومنح نقدية صغيرة تقدم شهريا.

فعلت إيران ذلك في عام 2010، لإرضاء صندوق النقد الدولي، واقتصاديي مدرسة شيكاجو، وحافظت إيران على المدفوعات للأسر التي تضررت من فقدان دعم الطاقة.

ولكن قيمة هذه المدفوعات الشهرية انخفضت بشكل جزئي، بسبب التضخم منذ هذا الحين، من حوالي 40 دولار إلى 1. دولار، وكانت الأخبار المتداولة عن خفض المدفوعات أحد العوامل الرئيسية وراء الاحتجاجات .وتعد الإصلاحات التي أجرتها المملكة مؤخرا بشأن الطاقة نسخة طبق الأصل من نظيرتها الإيرانية، فالحكومة السعودية رفعت أسعار الطاقة بشكل مثير.وفي المقابل حصلت الأسر السعودية في 21 ديسمبر على أول دعم نقدي من خلال برنامج “حساب المواطن” الذي أطلقته المملكة لتخفيف الآثار المحتملة المباشرة وغير المباشرة من الإصلاحات الاقتصادية وتراوحت المدفوعات بين أقل من 80 دولار إلى أعلى من 250 دولار، وحصل ما يقرب من نصف الأسر السعودية على واحدة.

وعلى الرغم من أن رواتب السعوديين أعلى بكثير من نظرائهم الإيرانيين، إلا أن السعوديين لا يزالون يبدون تذمرهم على موقع تويتر من المدفوعات .ومما زاد الطين بلة، أن المملكة رفعت أسعار البنزين، في 1 يناير الجاري، أي قبل أقل من أسبوعين بعد إرسال الدعم النقدي، وبعد أسبوعين من ذلك فرضت المملكة ضريبة القيمة المضافة بنسبة 5 % على جميع السلع والخدمات تقريبا التي تباع في المملكة، ليقفز سعر جالون البنزين الممتاز في المملكة الغنية بالنفط من 46 سنتا عام 2015، إلى 92 سنتا في عام 2016 وحاليا وصل لـ 2.04 دولار ، قبل إقرار ضريبة القيمة المضافة. وفى المقابل، يصل سعر جالون البنزين الممتاز في إيران حوالي 1.36 دولار .

وكان الرئيس الإيراني حسن روحاني يأمل في رفع أسعار الطاقة إلى الأسعار الحالية في السعودية، لكن الاضطرابات التي تشهدها البلاد حاليا تثير شكوكا عن خطط رفع الأسعار تلك .

وفي كل من إيران والمملكة، ساعدت الإعانات على استهلاك النفط، مما أدى إلى تفريع الصادرات الرئيسية، وزيادة تلوث الهواء، والازدحام المروري، وانبعاثات الكربون .

ويدرك العديد من المواطنين في السعودية، أنه من المصلحة الوطنية أن تتراجع الدولة عن دعم الطاقة، ومع ذلك فإن هذه الأنواع من إعادة الترتيبات في العقد الاجتماعي لا تحظى بشعبية.

وكثيرا ما اعتبر علماء الدين الموالين للنظام في المملكة، الضرائب تحديدا، أنها أمر غير شرعي.

ومن المفترض أن ينعم المواطنون بالإعانات الدائمة، والمرتبات الخالية من الضرائب، في مقابل دعم حكام المملكة .

هذه المحظورات يجري تنقيحها في مواجهة الضرائب الجديدة وتراجع الإعانات، ولكنها لا تزال محل خطوة .

وتظهر أبحاث استقصائية أجريت، أن ثلث المواطنين الخليجيين يرفضون أي نوع من الزيادة في أسعار الطاقة، لأي سبب من الأسباب، حتى ولو أعطوا منافع بديلة في المقابل.

وربما يمكن الإقرار بأن مشاكل إيران يمكن أن تترسخ في المملكة، في العنوان الرئيسي لموقع العربية نت، في الأسبوع الماضي، أفصح عن أن الحكومة السعودية أودعت ملياري ريال في برنامج “حساب المواطن”، في إطار التحضير للدفعات النقدية في يناير .

وفى إيران، كانت إحدى العوامل المحركة للمظاهرات والاحتجاجات، هو الإفراج عن الميزانية بطريقة أكثر شفافية من المعتاد، حيث أظهرت انخفاضا قدره 5.3 مليار دولار، في خطة الإعانات المستهدفة التي يتلقي 96 % من الإيرانيين منها مبالغ نقدية بشكل شهري .

ويتناقض هذا التخفيض مع الزيادات الكبيرة في المدفوعات، للهيئات وثيقة الصلة، بالمكونات الدينية في النظام الإيراني، (تعادل الزيادة الكبيرة في العائدات النفطية للعائلة المالكة في السعودية)، وبطبيعة الحال، لم يكن الأمر مسليا للإيرانيين، وكشف الكثيرون منهم عن استيائه في الساحات العامة والشوارع عبر المظاهرات.

وبدلا من الاحتفال بالاحتجاجات (الإيرانية)، ينبغي للمسؤولين في المملكة وغيرها من الممالك الخليجية الخمس الأخرى، أخذ العبر وتدوين الملاحظات لأنهم سيواجهون مصيرا مماثلا وفقا لهذه المتغيرات.

 

فالسلطات السعودية حاليا في خضم عملية هيكلة مهمة للاقتصاد، لمواجهة العجز المتزايد في الميزانية في ظل انخفاض أسعار النفط  وإلى جانب إلغاء الدعم، ستقوم الرياض ببيع جزء من شركة أرامكو، ودفع المواطنين العاطلين للعمل في القطاع الخاص.

وقد أدى تراجع الدعم الإيراني في الماضي إلى إفساح المجال أمام الإصلاحات السعودية، ولم تحقق إيران نجاحا كاملا، ولكن طهران خفضت دعمها من 25% من الناتج المحلي في عام 2010، إلى أقل من 4% في العام الماضي،  وهو إنجاز كبير.

ويجب على السعوديون اعتماد مزايا عملية الإصلاح الإيرانية لديهم ، وأن يكون لديهم الجراءة لتكرار التجربة ، كما يجب أن تكون الاحتجاجات الإيرانية بمثابة تحذير للرياض من أن الإصلاحات يجب أن تتم على مراحل في أمان، فالعلاج بالصدمة لن يجدي نفعا في حكم غير منتخب، وأيضا  والشماتة والتشفي لن يساعدا.ش