العدسة – منصور عطية

توقيت غريب لإجراء تعديل وزاري! حتى ولو كان محدودًا؛ فمصر على مشارف انتخابات رئاسية يبدأ سباقها الفعلي بعد أيام بتلقي طلبات الترشيح، لعل هذا هو الانطباع الأول الذي ينتاب المتابعين، تزامنًا مع طرح التعديل المرتقب على مجلس النواب، اليوم الأحد.

وبعيدًا عن اتهام الوزراء المطاح بهم بالتقصير، فإن الأمر ربما كان يحتمل تأجيل تلك الخطوة لما بعد الانتخابات، وليس التعجيل بها، وسط مؤشرات ودلائل قوية على خوض الرئيس عبد الفتاح السيسي للانتخابات لفترة رئاسية جديدة.

هذا الربط، يقود إلى إثارة الشكوك والتساؤلات بشأن الغرض الحقيقي من هذا التعديل الوزاري، خاصة أنه يمس وزارات خدمية ذات صلة وثيقة بالجمهور، وتزيد الشكوك بتزامنه مع كشف الحساب الذي من المقرر إعلان السيسي عنه خلال أيام.

تعديل وكشف حساب

وقال “صلاح حسب الله”، المتحدث باسم مجلس النواب، إن التعديلات الوزارية ستُعرض على المجلس، الأحد، مشيرًا إلى أن التعديل الوزاري سيكون محدودا، ويجب الموافقة عليه من أغلبية المجلس وأن لا يقل عدد الموافقين عن ثُلث الأعضاء بشكل كامل.

وأوضح في تصريحات متلفزة أن التغيير المرتقب سيطال عددًا من الوزارات الخدمية، “في إطار تقييم حقيقي من الرئيس عبد الفتاح السيسي بنفسه”، متابعًا: “فيه خطة عامة للدولة، يجب أن تسير كافة الوزارات بنفس السرعة، لما وزارة تتعطل أو تتكاسل فالتغيير هو الحل الأفضل”.

إضافة إلى ذلك، كشفت وسائل إعلام أن السيسي سيقدم كشف حساب لفترته الرئاسية، خلال مؤتمر يعقده الأربعاء القادم، بأحد فنادق القاهرة، ونقلت صحيفة “أخبار اليوم” الحكومية، عن مصادر وصفتها بـ”المطلعة”، قولها: إن مكتب الرئيس السيسي انتهى من وضع اللمسات النهائية لعقد المؤتمر.

وأوضحت أنه سيجري خلال المؤتمر استعراض الإنجازات التي حققتها الدولة خلال السنوات الأربع الماضية من فترة تولي السيسي للحكم، وذلك قبل أيام من إعلان ترشحه المنتظر للانتخابات الرئاسية المقررة في مارس المقبل.

الحديث المتزامن، يأتي بعد نحو شهرين من تعهد السيسي تقديم كشف حساب يحوي ما قال إنها إنجازات تحققت على مدار أعوام فترته الرئاسية الأولى، وربط في تصريحات على هامش ملتقى شباب العالم بشرم الشيخ، بين ما سيتضمنه كشف الحساب، وبين ترشحه لفترة رئاسية ثانية، حيث أكد أن ردة فعل المصريين تجاه ما سيقدمه هي التي ستحدد قراره بالترشح من عدمه.

تقييم رقابي للخدميين

كما يلفت الانتباه أن التعديل الوزاري المرتقب، يأتي بعد نحو 5 أشهر من تقييم رقابي شامل أجرته الحكومة، هو الأول من نوعه لأداء الوزراء في مختلف الملفات، خاصة المتعلقة بالشؤون الاقتصادية والاجتماعية والخدمية.

التقييم الذي أجراه شريف إسماعيل، رئيس الوزراء، بمساندة أجهزة رقابية على مدار الأسابيع الماضية، كشفت مصادر رسمية مطلعة، أن غرضه الأكبر ينصب على الملفات المتعلقة بتعهدات السيسي في برنامجه الرئاسي بالملفات الثلاث.

المصادر الرسمية قالت إن رئيس الحكومة أجرى لقاءات منفردة مع عدد من وزراء المجموعة الوزارية الخدمية، إضافة إلى قيادات الصف الأول في تلك الوزارات، لمناقشة تقارير مفصلة عن تطور الأداء والإنجاز والعقبات التي يواجهها الوزراء في تنفيذ المهام الموكلة إليهم في خطاب تكليف الحكومة الذي وجهه السيسي لها في التشكيل الوزاري الأخير.

اللافت، أن بعض تلك الوزارات الخدمية كانت مشمولة بالتعديل الوزاري الأخير، في فبراير الماضي، وهي وزارات: التموين والتجارة الداخلية، والتنمية المحلية، والنقل، والتخطيط والمتابعة والإصلاح الإداري، والزراعة واستصلاح الأراضي.

هذا الارتباط الوثيق بين التعديل الوزاري وكشف الحساب وقرب الانتخابات الرئاسية، يجعل من المنطقي التكهن بشأن الغرض الحقيقي وراء إجراء التعديل في هذا التوقيت الحساس.

هم الفشلة ولست أنا!

تأسيسا على ما سبق، فإن الاحتمال الأبرز بشأن هذا الغرض هو تمهيد لتعليق السيسي فشله- في تحقيق ما تعهد به من وعود اقتصادية واجتماعية خلال فترة رئاسته الأولى- على شماعة أداء الحكومة، أو وزراء بعينهم.

ولعل هذا ما نلمحه في التصريح سالف الذكر للمتحدث باسم مجلس النواب، حيث أشار إلى ارتباط التعديل الوزراي بفشل وزراء بعينهم في تنفيذ توجيهات السيسي؛ وعليه يظهر هؤلاء كمسؤولين عن هذا الفشل، وليس رئيس الجمهورية، الذي لم يتردد في الإطاحة بهم.

ما ذكرته المصادر الرسمية، فيما سبق الإشارة إليه من تقييمات رقابية، يقود في نفس هذا الاتجاه، حيث كشفت عن “الحرص الشديد على سرية التقييمات، لعدم التأثير على سير العمل، وضبط الأداء، وإعطاء جميع الوزراء الحرية والمسؤولية الكاملة للتصرف في تسيير الأعمال من دون مخاوف”.

هذه الحرية تعني في الطرف الآخر المسؤولية، فقد أعطى السيسي للوزراء الفرصة الكاملة، والصلاحيات اللازمة، لتنفيذ مهامه المرتبطة -بطبيعة الحال- بوعوده وتعهداته، وبالتالي يتحمل هؤلاء الوزراء مسؤولية الفشل.

ولعل النغمة التي تتبناها وسائل الإعلام التابعة للسلطة، تروج لهذا الأمر ليس الآن، ولكن منذ ظهور بوادر الفشل، مع توالي القرارات الاقتصادية الصعبة التي أثقلت كاهل المواطنين البسطاء، حيث تصوِّب سهامَ انتقادها دومًا للحكومة ووزراءها، دون التطرق لمسؤولية الرئيس.

في المقابل لا ينسى كثيرون ما روج له الإعلام ذاته في عهد الرئيس الأسبق محمد مرسي، حين اتهموه بالمسؤولية المباشرة عن حوادث، مثل قطار أسيوط، وواقعة “حمادة المسحول” وغيرهما، مما شهدت مصر خلال حكم السيسي أمثالها بعشرات الأضعاف، لكن تم تنزيهه عن المسؤولية التي وُضعت برقاب المسؤولين التنفيذيين والوزراء.