العدسة – منصور عطية
من جديد يكشف الستار عن نقاط سوداء جديدة، تضاف لسجل إماراتي آخذ في الاتساع من انتهاكات حقوق الإنسان، على نحو يفضح زيف الصورة التي تحاول أبو ظبي تصديرها عن نفسها.
هذه المرة تحمل الاتهامات صبغة دولية بتوقيع مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، التي أصدرت تقريرًا قاتمًا عن الوضع الحقوقي في الإمارات، يتناول قمع حرية التعبير، وتعذيب السجناء، وظلم العمال الأجانب، والتمييز ضد المرأة، وتبعية القضاء للسلطات التنفيذية وأجهزة الأمن.
السجن مقابل الرأي !
التقرير الذي أُعد في 5 يناير الجاري، ومن المتوقع عرضه في الدورة التاسعة والعشرين للمفوضية في الفترة من 15 حتى 26 من الشهر ذاته، تحدث عن سجن الأشخاص ومحاكمتهم لمجرد الإدلاء بآرائهم وانتقادهم بعض المؤسسات.
واستنكرت المفوضية توقيف الأشخاص خارج الإطار القانوني وإخفائهم قسريا ونقلهم إلى سجون سرية، بذريعة اتهامهم بالإرهاب وارتكاب جرائم ضد أمن الدولة، وقال التقرير إن سلطات الإمارات تستخدم التعذيب لإجبار المتهمين على الاعتراف بالتهم الموجهة لهم وتحرمهم من الرعاية الصحية.
وطالبت المفوضية بإطلاق سراح الناشط الحقوقي أحمد منصور، وعبرت عن قلقها من أن تكون السلطات تنتقم منه للتعبير عن آرائه في الإعلام وتعاونه مع المنظمات الحقوقية الدولية، كما دعت إلى الإفراج عن السجينين، أسامة النجار وتيسير النجار، وعن الأكاديمي ناصر بن غيث.
واعتبرت المفوضية السامية أن محاكم الإمارات بعيدة عن الاستقلالية، حيث يخضع القضاة والمدّعون العامون للسلطة التنفيذية وجهاز أمن الدولة.
ويذهب التقرير المؤلّف من 13 صفحة، إلى أن نظام العدالة في الإمارات معقد، ويعيق العمال المهاجرين وعديمي الجنسية عن رفع مظالمهم إلى القضاء، وتضمن التقرير ارتكاب جرائم الاتجار بالأطفال، واستغلالهم جنسيا في الإمارات، وترحيلهم قبل التعرف على هوياتهم.
كما أعربت المفوضية عن قلقها إزاء التمييز ضد المرأة، وعدم إنشاء لجنة حقوق إنسان وفقا للمعايير الدولية التي تعتمد على مبادئ باريس، ولاحظت عدم وجود تعاون بين السلطات والمنظمات المدنية في هذا الإطار.
ومن مظاهر التمييز ضد المرأة، أن قانون الأحوال الشخصية الإماراتي يعطي الزوج الحق في منع زوجته من العمل، وفق التقرير.
وأعربت عن أسفها لتعرض العمال الأجانب لمصادرة جوازات السفر، وتشغيلهم ساعات إضافية دون تعويض، وحرمانهم في بعض الأحيان من مرتباتهم، ويسلط التقرير الضوء على وضعية آلاف الأطفال من “البدون” ومن غير العرب ومجهولي الأبوين، حيث يحرمون من الجنسية؛ مما يعقد حصولهم على الرعاية الصحية والتعليم.
“علياء” شاهدة على الانتهاكات
الأشهر القليلة الماضية شهدت العديد من الوقائع التي كانت شاهدة على حجم الانتهاكات التي تمارسها السلطات الإماراتية، ففي 30 أكتوبر الماضي، أبلغ ديوان ولي العهد الإماراتي محمد بن زايد، أسرة المعتقلة الإماراتية المصابة بالسرطان “علياء محمد عبد النور”، رفضه “طلب الاسترحام” المقدم منهم للإفراج الصحي عن علياء، والذي كانت الأسرة قد قدمته في 17 من الشهر نفسه.
“بن زايد” لم يرحم مرضها، حيث تعاني المعتقلة التي تبلغ من العمر 40 عامًا من أورام سرطانية، وتضخم بالغدد الليمفاوية، وهشاشة عظام، وتليف بالكبد، ووصلت حالتها لمراحل متأخرة تهدد حياتها بالخطر، بالمخالفة للقوانين الدولية والقانون الإماراتي الاتحادي، وفق تقرير سابق للمنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا.
وبتاريخ 29 أكتوبر 2017، حصلت المنظمة على تسجيل لمكالمة هاتفية بينها وبين أسرتها، من داخل مقر احتجازها في مستشفى المفرق في أبو ظبي.
المكالمة التي غلبت فيها أصوات البكاء على أصوات المتحدثين، نقلت جانبًا من معاناة “علياء”، وما يعانيه والداها المسنان من ألم الفراق والخوف والقلق على ابنتيهما المريضة، داعين لها بالصبر والتحمل والفرج من الله.
وقالت علياء بصوتها الخافت الممزوج بالدموع: “أشعر بضيق شديد في صدري، إنهم يتعمدون استفزازي، ودون أي سبب، يريدون مني أن افتعل المشكلات، لا يريدون إلا المشاكل، لابد أن أتدنى بمستواي لكي أحصل على أبسط حقوقي، وأنا لا أريد شيئا، فقط أريد أن اتصل بكم”.
وتابعت: “يوم الأربعاء، طلبت منهم أن أتصل بكم، وتجاهلوا الأمر، تحملت، ونأيت بنفسي عن افتعال أي مشكلة معهم، لقد ظننت أن تجاهلهم لطلبي لن يطول، فإن تجاهلوه اليوم، لن يتجاهلوه غدا، لم أعد أتحمل، بل ماذا سأتحمل؟!”.
“أنا حبيسة هذه الغرفة المفرغة من كافة الإمكانيات، لا أرى أي شيء، محرومة من الخروج، محرومة حتى من الهواء، محرومة من أبسط حقوقي، وأنا لا أريد شيئا، لم أطلب معاملة متميزة، ومع هذا يستمر تنكيلهم، لماذا؟!” تتساءل علياء بدهشة.
يُذكر أن “علياء” تعرضت للاعتقال بتاريخ 29 يوليو 2015، من محل إقامتها بالإمارات، ثم تعرضت للاختفاء القسري في مكان مجهول لمدة 4 أشهر، دون السماح لها بالتواصل مع أسرتها، ودون الإفصاح عن أي معلومة تخص مصيرها لأي جهة، ثم تم عرضها فيما بعد على الجهات القضائية، ومحاكمتها بتهمة تمويل الإرهاب والتعامل مع إرهابيين خارج البلاد قبل أن يُحكم عليها بالسجن 10 سنوات.
وقبل عام تقريبًا، تم نقل علياء لمستشفى المفرق الحكومي بأبو ظبي، ولا زالت محتجزة به حتى الآن، داخل قسم الجراحة، الطابق 1- C1، وبالمشفى لم يختلف الوضع عن السجن كثيرًا، حيث تعاني هناك من الإهمال أيضًا، ولا يتم إعطاؤها أية أدوية سوى بعض المسكنات والأدوية المخدرة، وفق التقرير.
وفي رسالة كتبتها بخط يدها، في أغسطس الماضي، قصّت “علياء” فصولًا من التعنت والانتهاكات التي مارستها السلطات الإماراتية معها منذ اللحظة الأولى للاعتقال، حيث اقتحمت قوات الأمن المنزل دون إذن وفي غياب والدها، وكسّرت الأبواب والأثاث.
جوانتنامو الإمارات
التقرير الأممي يأتي في ظل انتهاكات واسعة وفضائح بالجملة تنالها السلطات الإماراتية في مجال حقوق الإنسان، وبخاصة أوضاع السجناء والمعتقلين السياسيين.
وفي أكتوبر الماضي، سلط فيلم وثائقي بعنوان “سجن الرزين.. جوانتنامو الإمارات”، الضوء على السجن سيئ السمعة، والذي صنفه المركز الدولي لدراسات السجون العام الماضي ضمن أسوأ السجون العربية.
في قلب إمارة أبو ظبي وفي عمق 215 كيلومترا داخل الصحراء، أنشأ ولي العهد محمد بن زايد سجن الرزين، ليكون مقبرة بحق المعارضين السياسيين، وبدأ البناء أوائل تسعينيات القرن الماضي ودُشن عام 2010.
وفي يونيو الماضي، دخل معتقلون سياسيون في إضراب عن الطعام أطلقوا عليه اسم “معركة الأمعاء الخاوية”، بسبب ممارسات عنيفة، وحرمان من الحقوق من قبل إدارة السجن وجهاز أمن الدولة الإماراتي تجاه النزلاء، إلى جانب السجن لفترات طويلة بلغت خمس سنوات لبعضهم دون محاكمات.
وفي تقرير له، رصد مركز الإمارات للدراسات والإعلام (إيماسك)، 1491 انتهاكًا تعرض له مواطنون ومقيمون في الدولة من قبل جهاز الأمن الإماراتي، أغلبها وقع في السجون السرية والرسمية بحق سجناء الرأي والتعبير.
ويقبع في السجون الرسمية والسرية 209 معتقلاً من (13 جنسية)، كان الإماراتيون في المرتبة الأولى فيها، بواقع 107 معتقلاً، بينهم 79 من المطالبين بحرية الرأي والتعبير.
اضف تعليقا