العدسة – إبراهيم سمعان 

قال موقع “بلومبرج” الأمريكي، إن محاولات السعودية لتحقيق نفوذ لها، تهددها بخسارة حلفائها، مشيرا إلى أن تصريحات ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، قبل نحو ثمانية أشهر، هدد فيها بنقل المعركة مع إيران إلى الداخل الإيراني.

وأضاف الموقع، خلال مقال للكاتب “جيلن كاري”، أن هذا التصريح يتخذ أهمية جديدة الآن مع الاضطرابات المنتشرة في إيران، فرغم عدم وجود ما يؤكد أن السعودية تقف وراءها، وفق الاتهامات الإيرانية، فإن الواضح هو أن الحاكم الفعلي في المملكة، هو الأمير محمد بن سلمان، قد نفذ تحركات إقليمية عدة ضد إيران، لم ينجح بعد في أي منها.

ونبه الكاتب، أنه وحتي إن لم تكن تحركات ولي العهد السعودي تخيف أعدائه كثيرا، فإن الأهم هو أن حلفاءه هم من يبدون علامات انزعاج من تلك التحركات من محيطه السني إلى أوروبا والولايات المتحدة: حيث نأي دبلوماسيون من تلك الدول بأنفسهم عن مغامرات المملكة، أو حتى أعلنوا رفضهم لها.

وإلى نص المقال ..

كان الأكثر تداولا على صفحات التواصل الاجتماعي في المملكة الأسبوع الماضي، هو مقطع لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، توعد خلاله بشن هجوم ضد أكبر منافسي بلاده، ونقل المعركة بين البلدين إلى طهران.

وأخذ المقطع، الذي كان جزءا من مقابلة مر عليها 8 أشهر، أهمية جديدة، مع اندلاع الاحتجاجات العنيفة التي تشهدها إيران في الوقت الحاضر، والتي ليس من الواضح إذا ما كانت المملكة قد ساعدت على إثارة هذا الأمر، كما زعم قادة النظام الإيراني أم لا.

ما هو واضح، هو أن ولي العهد الحاكم الفعلي للمملكة، قام بالعديد من التحركات الإقليمية في المنطقة ضد إيران، ولكن حتى الآن لم ينجح في أي منها.

وإذا ما كان أعداء الأمير لا يخشونه كثيرا، فإن حلفاءه بدءوا يظهرون علامات الإنذار والترقب بصدد هذه التحركات، من دول العالم السني العربي (المجال الطبيعي للنفوذ السعودي)، وصولا إلى الولايات المتحدة وأوروبا، كما أدت هذه التحركات لانفصال دبلوماسيين عن مشاريع المملكة أو خرجوا ضدها، مما جعل عام 2017، الذي كان بمثابة سنة مختلطة للزعيم المعروف (mbs).

وفى الداخل، فرَّغ منافسيه من نفوذهم؛ ما عزز صعوده السريع وغير المسبوق، كما يسعى للقيادة في كل من اليمن وقطر ولبنان والدول الإقليمية، لكنه يأخذ بعين الاعتبار أن التحديات القادمة من إيران عرقلت كل مبادراته.

وقال هاني صبرا، مؤسس شركة “ألف” الاستشارية، ومقرها نيويورك: ” إن توجهات محمد بن سلمان الداخلية وسياسته الخارجية تتشابه؛ فعلى الصعيد المحلي، أثمرت هذه السياسة بشكل جيد، لكنها خسر العديد من أقاربه المؤثرين، فيما خلقت هذه التوجهات في الخارج الكثير من المخاطر وكثفتها.

فالتدخل في اليمن جلب الحرب الأمَرَّ إلى المدن السعودية، فالمتمردون الحوثيون قالوا إنهم أطلقوا صاروخين بالستيين على الرياض، منذ نوفمبر، وتسببا في إلحاق أضرار قليلة، لكنها كانت بمثابة تذكير أنه بعد قرابة 3 سنوات من تدخل المملكة في اليمن، يبدو أن العدو – معظمهم من المقاتلين الضعفاء الذي يرتدون الصنادل ويحملون مسدسات ak-47s  – لم يهدأ حتى الآن.

ولم يجد السعوديون سهولة في دفع حلفائهم للمشاركة في تلك الحروب، فمصر على سبيل المثال، التي تعتمد اعتمادا كبيرا على النقد السعودي، لم تظهر حماسا يذكر لإرسال جنودها لليمن، أو خطط محمد بن سلمان لمواجهة إيران.

وفى لبنان كان تدخل الأمير سياسيا، وليس عسكريا، حيث الاستقالة غير المتوقعة لرئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، خلال زيارته للمملكة في نوفمبر الماضي، حيث اعتبرت أنها محاولة من قبل ولي العهد لإضعاف إيران عن طريق حليفها اللبناني حزب الله.

كما جاءت تكتيكات “بن سلمان” المعتمدة على القوة، بنتائج عكسية هذه المرة أيضا، حيث انتهى الأمر بعودة الحريري إلى وظيفته، فضلا عن أن السُّنة اللبنانيين انتقدوا تعامل السعودية في هذا الملف.

ولم يكن الحلفاء في أوروبا والولايات المتحدة سعداء بهذا الأمر، وتدخل الرئيس ماكرون بشكل مباشر في مسألة الحريري، كما قال ريكس تيليرسون، وزير الخارجية الأمريكي، في توبيخ غير عادي للملكة، إن المملكة ينبغي عليها التفكير في عواقب عملها، واستشهد “تيلرسون” باليمن ولبنان وقطر المفروض عليها حظر منذ يونيو، لاتهامها بإقامة علاقات مع إيران.

كما لم تتعمق العلاقات بين الدوحة وطهران إلا أثناء المقاطعة، كما هددت الدوحة باتخاذ إجراءات قانونية للحصول على تعويضات من السعوديين، وفى الوقت ذاته، أعربت كل من الكويت وعمان، عن  عدم ارتياحهما للنمط السعودي الجديد في التعامل.

واختارت تركيا ، وهي دولة سنية قوية كانت قريبة من السعوديين، أن تكون بالجانب القطري، وذلك باستخدام النزاع كفرصة لإقامة علاقات عسكرية وتجارية أوثق.

والأمير محمد – الذي وصف المرشد الإيراني بهتلر الشرق الأوسط – مشجع في الاستمرار في طريقته بتحالفه مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، على أساس العداء المشترك تجاه إيران.

وقال جيمس دورسي، المتخصص في شؤون الشرق الأوسط، في جامعة “نانيانج” التكنولوجية في سنغافورة، إنه ورغم التحالف مع الأمريكان، فإن ولي العهد السعودي لديه نفس المخاطر، خاصة إذا حاول استخدام الاحتجاجات الإيرانية كفرصة لإضعاف النظام في طهران.

وأضاف أن إيران تريد بلا شك تجنب المواجهة المباشرة مع المملكة، لكنها في الوقت ذاته تملك الرد، من خلال أذرعها في لبنان والعراق، وإثارة الاضطرابات في البحرين، وحتى داخل السعودية نفسها “.

وذكر أن المملكة تعتمد على الولايات المتحدة لاحتواء إيران، وهذه إستراتيجية ذات خطورة متزايدة، نظرا لأن “ترامب” لا يتمتع سوى بالقليل من الدعم الدولي فبعد الاعتراف بالقدس وعدم التوقيع على الاتفاق النووي، أصبحت الولايات المتحدة معزولة.

وعلى الصعيد المحلي، فقد حقق الأمير محمد بن سلمان نجاحا في تقديم أجندته، ويزعم أن إجراء إصلاحات اقتصادية جذرية أمر ضروري لإنهاء عقود من الاعتماد على النفط.

وبالإضافة إلى تأمين مكانته بصفته وريثا غير منازع للعرش بعد والده، أطلق ولي العهد حملة لمكافحة الفساد، احتجز خلالها العشرات من الأمراء ورجال الأعمال، كما خفف بعض القواعد الدينية الصارمة في المملكة، ووضع خططا لبيع أصول الدولة، وتعزيز الصناعة الخاصة، وتقليص الإنفاق العام، وقد تكون له دوافع مماثلة في السياسة الخارجية الجديدة.

وقال علي الشهابي- المقرب من الحكومة السعودية، والمدير التنفيذي لمؤسسة الجزيرة العربية في واشنطن- إن الأمير محمد يخفي تقليد دفتر الشيكات الدبلوماسية التي لم تؤت أي ثمار، وأضاف أن القادة السعوديين دفعوا المليارات من المساعدات لأصدقائهم الذين استخدموا هذه الأموال لدعم أجنداتهم الخاصة، وفى مواجهة التهديدات المتزايدة، خلص الملك وولي العهد إلى أنه لم يعد بالإمكان الاعتماد على سياسات عفا عليها الزمن.

ووفقا لـهاني صبرا، فإن ” القوة المطلقة التي يتمتع بها الأمير محمد بن سلمان لا تتجاوز حدود المملكة، وقد لا يكون علي مدركا للنهج المختلف الذي تتطلب السياسة الخارجية “.

وقال “صبرا” إن ولي العهد ليس مدركات تماما، ولا يهتم بالظروف المحلية في دول المنطقة، وهذا هو السبب الجذري للمشاكل والأزمات.

فرجال العرب الأقوياء في الماضي، اكتشفوا أن الطريق الصعب للنجاح المحلي، هو عن طريق توطيد السلطة والثروة، وتهميش الأعداء، ولم يُتَح لهم إعادة تشكيل الشرق الأوسط بالطريقة التي كانوا يأملونها.

ولم يتمكن الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر من كسب الحرب في اليمن، ثم عانى من هزيمة مدمرة على يد إسرائيل عام 1967، وحكم صدام حسين العراق لعقود، انتهت مشاريعه في الخارج بما فيها الهجوم على إيران 1980 ، وغزو الكويت 1990 ، بالفشل الدموي.

وقال بول بيلار- ضابط سابق في المخابرات المركزية الأمريكية، والذي أصبح الآن أستاذا في جامعة جورج تاون- إن ولي العهد الذي يبلغ من العمر 32 عاما، قد يحاول أن يميز نفسه عن غيره من الزعماء السعوديين السابقين ووالده البالغ من العمر 81.

وأضاف “بيلار”: ” إن محمد بن سلمان ربما يشعر بالحاجة الملحة لوضع علامة لإظهار أنه يتمتع بالمسؤولية، وأن ما يقوم به ليس اندفاعا، وهذا يعني حاجة أكبر لإثبات الذات، من القادة الآخرين، ربما تحمل معها مخاطر، والمخاطر الكبيرة تعني المزيد من فرص الفشل”.