العدسة – جلال إدريس
هل أًصبح احتجاز السياسين العرب، نهجا معتمدا لدى كل من الإمارات والسعودية؟ سؤال يطرح نفسه بعد التسجيل المسرب للشيخ عبد الله بن علي آل ثاني، أحد كبار أفراد الأسرة الحاكمة في قطر، والذي أكد فيه أنه محتجز في العاصمة الإمارتية، بعد استضافة الشيخ محمد بن زايد ولي عهد أبو ظبي، له.
تسجيل “آل ثاني” أثار الجدل الواسع بعدما أكد فيه أنه “يُحَمِّل محتجزيه في الإمارات المسؤولية الكاملة عن سلامته”، وأن “قطر بريئة من أي مكروه قد يحدث له”، الأمر الذي أوحى بإنه هناك ممارسات تهدد حياة الرجل يتعرض لها في الإمارات.
وبينما تداول نشطاء ومغردون على موقع “تويتر”، التسجيل المصور للشيخ عبد الله آل ثاني بأنه محتجز في أبو ظبي، خرجت بيانات متضاربة من جهات إمارتية مختلفة تتحدث عن الرجل وتنفي احتجازه، فيما ردت قطر هي الأخرى ببيان صادر عن وزارة خارجيتها.
فماذا يجري إذن في الإمارات؟ ولماذا تم احتجاز الشيخ عبد الله آل ثاني؟ ولماذا انقلبت عليه الإمارات بعد أن كانت أكثر الدول الداعمة له إلى جانب السعودية؟ وما هو التفسير الحقيقي وراء الحركات الاستفزازية التي تمارسها الإمارات ضد قطر هذه الأيام؟ وهل انتهى دور الشيخ عبد الله آل ثاني، فقررت السعودية والإمارات إهانته؟َ! أم أن هناك شيئا ما يدبر في الخفاء لتلميع الرجل، وإعادة تدويره من جديد؟
من وسيط الخير إلى سجين سياسي
قبل الحديث عن تفاصيل ماحدث مع “الشيخ عبد الله آل ثاني” يجب التوقف أولا عند مراحل تلميع الرجل، حيث حرصت كل من الإمارات والسعودية على مدار الأشهر الماضية على تلميع الرجل، وتقديمه كمنقذ للقطريين من الأمير تميم بن حمد، وأن الشيخ عبد الله هو الحاكم القادم لقطر.
وعبد الله آل ثاني، هو عبد الله بن علي بن عبد الله آل ثاني، أحد أبناء الأسرة الحاكمة، جده هو ثالث حكام قطر، الشيخ عبد الله بن جاسم آل ثاني، ووالده رابع حكام قطر، وهو الشيخ علي بن عبد الله آل ثاني، وشقيقه هو خامس حكام قطر، الشيخ أحمد بن علي آل ثاني.
ومع اشتعال الأزمة الخليجية بدأ تلميع الرجل سياسيا من قبل الإمارات والسعودية على قدم وساق، حيث وصل الأمر إلى حد أن التقاه الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي عهده محمد بن سلمان، أثناء أزمة الحجاج القطريين العام الماضي، وقتها حرصت كافة وسائل الإعلام السعودية على التأكيد بأن وساطة الرجل هي من حلت أزمة الحجاج القطريين، وأطلقوا عليه وقتها لقب “وسيط الخير”.
كما سارعت صحيفة البيان الإماراتية، ووصفت الرجل بأنه “صوت العقل الذي فتحت له قلوب القطريين.. ويحظى بقبول واسع داخل أسرة آل ثاني وبين القطريين عموما”.
وسريعا تحول “آل ثاني” من وسيط الخير في الصحافة السعودية والخليجية، إلى منقذ قطر من حكم “تميم”، وبدأت أحاديث متناثرة تتحدث عن انقلاب ناعم ستقوم به الأسرة الحاكمة في الدوحة على تميم، وتولي الأمر للشيخ “عبد الله آل ثاني”، خصوصا وأن الأخير أصدر بيانا بدا منه أنه يسير مع ركب دول الحصار الخليجي، ويهاجم الأمير القطري والمسؤولين بصورة غير مباشرة.
في مقابل ذلك احتفت ما تعرف بـ “المعارضة القطرية” في الخارج، ببيان عبد الله، وقال خالد الهيل، المتحدث باسم المعارضة، إن بيان الشيخ عبد الله يقود تصحيح المسار في خطوة جبارة.
الحكومة القطرية، بدورها تعاملت بتوجس مع “الرجل”، واعتبرت أن تحركاته هي تحركات فردية، وأن مايقوم به من زيارات للملكة أو للإمارات لا يمثل قطر، لكنها لم تشأ أن تدخل معه في صراع مباشر، ربما للتقليل من شأنه، وربما لأنها تدرك تماما تحركاته وتسيطر على الوضع وقتها.
انهيار أحلام دول الحصار
لكن على مايبدو أن أحلام دول الحصار في إخضاع ” قطر” -بحسب تعبير وزير الخارجية القطري- سرعان ما انهارت وفشل الحصار، بعد ما يزيد عن نصف عام من تحقيق مآربه، حيث لم تفلح حملة تحريض الرباعي العربي (السعودية والإمارات ومصر والبحرين) ضد قطر منذ بداية الأزمة في يوليو الماضي، في إحراز تقدم يذكر على المستوى الدولي والإقليمي، حتى بعد الاستعانة بالشيخ عبد الله آل ثاني.
وكان أبرز التأثيرات منذ الأزمة هو فرض دول الخليج الثلاثة حصارا على الدوحة، من دون امتداد تلك التأثيرات على المجتمع الدولي، الذي لم يتخذ أي موقف مناهض لقطر بناء على اتهامات الدول الأربعة.
وعلى الرغم من تأكيدات مسؤولين في دول الحصار على اتخاذ خطوات تصعيدية ضد قطر إذا لم تلتزم بالشروط الـ 13 في قائمة المطالب للتراجع عن قطع العلاقات، إلا أنها تأكيدات ذهبت مع الريح.
ومع فشل الورقة الأخيرة في الضغط على “قطر”، عن طريق محاولة إثارة بعض أفراد الأسرة الحاكمة ضد أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، يبدو أن كلا من الإمارات والسعودية، قررتا التعامل بمنطق الاستفزاز غير المدروس من أجل إحداث أي بلبلة أو تطوير في هذا الملف.
سياسية احتجاز السياسين
لجوء الإمارات لاحتجاز “الشيخ عبد الله آل ثاني” بعد أن كان مرحبا به في البلد ذاتها، عملية يمكن وصفها بأنها حركة استفزازية لا أكثر، وربما يكون محاولة جديدة لتلميع الرجل وإعادة تدويره، بعد أن تم حرقه سياسيا في “قطر”.
ولا يعد احتجاز السياسيين في دول الخليج أمرا جديدا أو مثيرا للدهشة، حيث سبق وأن كررت السعودية الموقف ذاته مع رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، والرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، وكذلك فعلته الإمارات مع رئيس الوزراء المصري السابق أحمد شفيق.
ففي نهاية نوفمبر الماضي، قال المرشح الرئاسي المصري السابق أحمد شفيق إنه محتجز في الإمارات، وأضاف “شفيق” في تسجيل بثته قناة الجزيرة، إن السلطات الإماراتية منعته من السفر عقب إعلانه الترشح لرئاسة مصر، وأعرب عن رفضه تدخلها في شؤون بلاده.
وعقب هذا التسجيل، اعتقلت السلطات الإماراتية “شفيق”، وقامت بترحيله على متن طائرة خاصة للقاهرة، وظل “شفيق” متواريا عن الأنظار في فندق، حتى أعلن قبل أيام انسحابه من سباق الرئاسة، وهو ما عده مراقبون النتيجة التي أرادت مصر والإمارات وصول “شفيق” لها.
وقبل أبو ظبي، سجلت الرياض حالة احتجاز لرئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، الذي ظهر مطلع نوفمبر الماضي، بشكل مفاجئ في خطاب متلفز من العاصمة السعودية، وعبر وسائل إعلامها، يعلن فيه استقالته من رئاسة الحكومة اللبنانية، بينما أعلن الرئيس اللبناني ميشيل عون وسياسيون بارزون في لبنان وقتها، أن الرياض تحتجز الحريري.
وتحولت أزمة رئيس الوزراء اللبناني لملف دخلت على خطه عواصم عدة حول العالم، وانتهى الأمر بتسوية قضت بسفره إلى باريس، وأعلن الحريري وقتها، أن أفرادا من أسرته باقون في الرياض، وعاد الحريري بعدها للبنان، وأعلن منها تراجعه عن استقالته.
والحالة الرابعة في ملف احتجاز السياسيين، كانت ما كشفت عنه وكالة “أسوشيتد برس” الأمريكية، التي قالت إن الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، يعيش مع عائلته وأفراد حكومته “تحت الإقامة الجبرية في الرياض”.
ونقلت الوكالة عن مسؤولين يمنيين، أن السعودية تمنع الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي وأبناءه ووزراءه ومسؤولين في حكومته، من العودة إلى بلدهم منذ شهور.
وعلى هذا الأساس يرى مراقبون أن اختراق المقاتلة الإماراتية للمجال الجوي القطري، وبعدها بأيام قليلة احتجاز الشيخ “عبد الله آل ثاني”، ربما تكون خطوات استفزازية لا أكثر، وفقا لمراقبين، غير أنها تكشف في نهاية المطاف، فشل دول الحصار في تحقيق مايصبون إليه من إخضاع دولة قطر، وإجبارها على تغيير سياساتها الخارجية بما يتماشى مع سياسيات الإمارات والسعودية.
فيما توقع مراقبون أن يكون احتجاز الرجل في الإمارات، سببه الرئيسي رفض الشيخ عبد الله آل ثاني الاستمرار مع دول الحصار في محاولاتها إيذاء دولة قطر.
اضف تعليقا