العدسة – منصور عطية
احتفل الجزائريون للمرة الأولى بعيد رأس السنة الأمازيغية “يناير”، تحت طابع رسمي، بعدما أقره الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في 27، عيدا رسميا بهدف تعزيز “الوحدة الوطنية”، كما نشرت وزارة الداخلية بيانا باللغة الأمازيغية تعلن فيه بداية الإجراءات الرسمية لضم العيد إلى قائمة الأعياد الرسمية.
تأتي الاحتفالات في خضم احتجاجات استمرت لأسابيع في محافظتي “تيزي وزو” و”بجاية”، بالإضافة إلى جزء من محافظة البويرة، ذات الغالبية الأمازيغية، تطالب بترقية اللغة الأمازيغية في المؤسسات التعليمية.
وعلى مدار عقود خاض الأمازيغ مع السلطات الجزائرية صراعات كانت دموية في كثير من الأحيان، لتأكيد هويتهم العرقية واللغوية، وهو الصراع الذي دعمه وقوى من شوكته الاستعمار الفرنسي للبلاد.
من هم؟ وأين يقطنون؟
يرى بعض المؤرخين أن أصول الأمازيغ تعود إلى أوروبا، وأنهم من نسل الغاليين Gauls، بينما يذهب آخرون إلى ربط سكان هذه المنطقة بالمشرق وجزيرة العرب، وأنهم نزحوا من هناك إلى شمال إفريقيا بسبب الحروب والتغيرات المناخية.
ويعتمد التقويم الأمازيغي على النظام الشمسي، ويعتبر رأس السنة الفلاحية هو رأس السنة الأمازيغية، لا يرتبط التقويم الأمازيغي بأي حادث ديني، بل بتاريخ دحر الأمازيغ للمصريين القدامى، واعتلاء زعيمهم شيشنق الأول العرش الفرعوني زمن رمسيس الثاني.
وتروي الأسطورة أن هذه المعركة حدثت في تلمسان، المدينة الجزائرية الحالية، في حين يرى معظم الباحثين أن شيشنق وصل إلى العرش بطريقة سلمية.
ولا توجد أرقام دقيقة حول نسبة الأمازيغ في إفريقيا، فحسب تقدير للمجلة الدولية في فرنسا عام 2001، يصل عددهم إلى 20 مليوناً، وفي الجزائر تقول بعض المصادر إن عددهم 6 ملايين، فيما تقول مصادر أخرى إن الأمازيغ في الجزائر يشكلون 27% من السكان، وأن عددهم 8 ملايين، وتذهب مصادر أخرى إلى القول إنهم يشكلون 40% من الجزائريين.
والأمازيغية هي اللغة الرئيسية في التعاملات اليومية لسكان منطقة القبائل الكبرى في الجزائر، التي تضم محافظات عدة شرق العاصمة، وينقسمون- وفق باحثين- إلى مجموعات منفصلة جغرافياً، وهم: القبائل في منطقة القبائل (شرق العاصمة)، والشاوية في منطقة الأوراس (جنوب شرق)، والمزاب (المجموعة الأمازيغية الوحيدة ذات المذهب الإباضي) في منطقة غرداية (500 كم جنوب العاصمة).
بالإضافة إلى الطوارق (أقصى الجنوب الشرقي)، والشناوة في منطقة شرشال (90 كم غرب)، وهناك مجموعة بربرية أخرى قرب مدينة ندرومة على الحدود مع المغرب، وتتميز لغتها أو لهجتها بقربها الكبير من الشلحية؛ وهم أمازيغية الشلوح في المغرب.
ولا توجد أرقام رسمية بشأن عدد الناطقين بالأمازيغية كلغة، لكنهم مجموعة من الشعوب المحلية، تسكن المنطقة الممتدة من واحة سيوة (غرب مصر) شرقاً، إلى المحيط الأطلسي غرباً، ومن البحر المتوسط شمالاً إلى الصحراء الكبرى جنوباً.
محطات الصراع مع الدولة
مرت القضية الأمازيغية بمراحل متعددة، فكانت في البداية، منذ أربعينيات القرن الماضي، قضية ثقافية مدارها على اللغة، حيث طالب نشطاء الأمازيغ بتخليص لغتهم مما لحقها -في نظرهم- من تهميش وإقصاء أمام انتشار اللغة العربية، منذ مجيء الإسلام إلى اليوم، ثم تطور المطلب ليصبح سياسيا تتبناه جمعيات وتنظيمات.
اعتبر إعلان الرئيس الجزائري الأسبق أحمد بن بلة في خطاب له يوم 5 يوليو 1962، أن “التعريب ضروري؛ لأنه لا اشتراكية بلا تعريب، ولا مستقبل لهذا البلد دون التعريب”، بداية تفاعل المسألة الأمازيغية في تاريخ الجزائر الحديث.
حيث تم إنشاء حزب جبهة القوى الاشتراكية، برئاسة حسين آيت أحمد، يوم 29 سبتمبر 1963، وقد دخل الحزب منذ إنشائه في صراع مسلح مع الرئيس بن بلة، وفي 26 أبريل 1968، وقع الرئيس الأسبق هواري بومدين مرسوما يلزم كل الموظفين الجزائريين بأن يكونوا على “معرفة كافية باللغة الوطنية (العربية) عند توظيفهم”، ومنعت السلطات الجزائرية، بين عامي 1974 و1975، التسمي بأسماء غير عربية.
وقعت أحداث ما عرف بالربيع الأمازيغي عام 1980، إثر خروج مظاهرات أمازيغية ضد الحكومة الجزائرية، بسبب منعها محاضرة عن الشعر الأمازيغي القديم، كان “مولود معمري” ينوي إلقاءها في جامعة تيزي وزو، كما ألغي حفل موسيقي لفرقة “أمازيغن إيمولا”.
وواجهت السلطات هذه الاحتجاجات أمنيًّا واعتقلت العشرات، مما أدى إلى تأججها فأغلقت جميع المدارس التي تُدرس بالعربية في مدينة تيزي وزو، وأتلفت لوحات الإشارات والإعلانات المكتوبة بالعربية، وبلغت حصيلة الاحتجاجات أكثر من 120 قتيلاً وخمسة آلاف جريح.
عام 1994، شهدت منطقة القبائل موجة من الاحتجاجات، أهمها إضراب أطفال المدارس الذي أطلق عليه “مقاطعة المحفظة”، احتجاجًا على قانون تعميم استخدام اللغة العربية، ففي تلك السنة امتنع سكان منطقة “القبائل” عن إرسال أطفالهم إلى المدارس، كما لم يلتحق طلبة الثانويات بالدراسة، وكان هذا شكلاً جديدًا من أشكال الاحتجاج، للمطالبة بالاعتراف بالهوية الأمازيغية.
وتقع منطقة القبائل شرق الجزائر العاصمة، في منطقة أغلب تضاريسها جبلية تنفتح على البحر الأبيض المتوسط، وتضم ست محافظات هي: تيزي وزو وبجاية وبومرداس والبويرة وسطيف وبرج بوعريريج، وكانت معقلاً لعدد من الثورات.
انتهت هذه الاحتجاجات بموجب اتفاق 22 أبريل 1995 بين السلطة وممثلي الجمعيات والهيئات الأمازيغية، وكان “إضراب المحفظة” بداية نجاح الحركة المطلبية الأمازيغية، فبعد أن انقضت السنة الدراسية دون دراسة، خضعت السلطة في العام التالي وقبلت بتدريس اللغة الأمازيغية في المحافظات ذات الغالبية الأمازيغية، خصوصًا في بجاية وتيزي وزو، كما أمر الرئيس اليمين زروال بإنشاء “المحافظة السامية للأمازيغية” التي ترتبط مباشرة برئاسة الجمهورية في 27 من مايو 1995.
وفي 9 يوليو 1998، قتل المطرب الأمازيغي المعروف “معطوب لوناس” على يد تنظيمات إسلامية متشددة، كما قالت السلطات حينها، إلا أن الأمازيغ لم يصدقوا الرواية الرسمية.
الربيع الأسود
في 18 أبريل 2001، كانت منطقة القبائل على موعد مع أحداث “الربيع الأسود”، حيث أشعلت وفاة طالب ثانوية في ذلك اليوم- في مقر الدرك الوطني- فتيل الأزمة، وكان الطالب “ماسينيسا قرباح” قد اعتقل في بلدة بني دوالة في محافظة تيزي وزو، عندما كان يتظاهر إحياءً لذكرى الربيع الأمازيغي.
تلك الحادثة، مثلت شرارة احتجاجات استمرت حتى أكتوبر من نفس العام، وما زالت تداعياتها إلى الآن، وخلفت هذه الاحتجاجات وقمع الأمن للمتظاهرين 123 قتيلاً ومئات الجرحى، ومن نتائجها أيضًا أن قرر حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية- الحزب الثاني في منطقة القبائل ذي القاعدة الشعبية الأمازيغية- الانسحاب من الحكومة في مايو 2001.
كما كان من نتائجها تشكيل تنظيم شعبي جديد عرف باسم “تنسيقية العروش”، الذي يضم أبرز العائلات في منطقة القبائل وممثلين عن الفعاليات البربرية المختلفة، خاصة منظمات المجتمع المدني، إذْ تولت قيادة حركة الاحتجاج، ولتبلور لائحة مطالب عرفت بـ”أرضية القصر”، التي أعلنتها في يونيو 2001 في مدينة القصر بولاية بجاية، وهي عريضة من 15 مطلبًا، أهمها إخلاء الدرك لمنطقة القبائل، ومعاقبة الدركيين المتسببين في الأحداث، وتلبية المطلب الأمازيغي بكل أبعاده الهوياتية والحضارية واللغوية والثقافية دون استفتاء ودون شروط.
عقب تلك الأحداث، قرر الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، في مارس 2002، ترسيم الأمازيغية لغة وطنية، وليست رسمية كما تطالب القبائل.
دور الاستعمار الفرنسي
بعيدًا عن الأزمات الداخلية كالاقتصاد والتهميش ودورها في إشعال الأزمة الأمازيغية، كان للاستعمار الفرنسي دور فعال في إذكائها وإبقاء جذوتها مشتعلة على الدوام، رغم جلائه عن البلاد في ستينيات القرن الماضي.
تعتبر منطقة القبائل من أكثر المناطق الجزائرية التي تعرضت للسياسة الفرنسية الهادفة إلى “فرنسة” وتنصير الجزائريين، حيث تم خلال الاستعمار إنشاء عدة مدارس فرنسية، بهدف القضاء على المدارس القرآنية، وقد نقل “أجرون” عن المتصرف الإداري لجرجرة ما يلي: “إن هدفنا الحقيقي هو مكافحة شيوخ الزوايا Marabouts الذين يملكون سلاحين خطيرين ينشران بهما الدعاية المعادية لفرنسا، هما اللغة العربية والتعليم القرآني”.
وكان هدفها هو إدماج القبائل وبأية وسيلة ممكنة في المجتمع الغربي، وفصلهم عن باقي الجزائريين، وشهدت المنطقة أيضا حملة واسعة للتنصير، وبخاصة على يد الراهب اليسوعي “كروزا” وكذا الأسقف “الكاردينال لافيجري” CH.M.Lavigerie والأميرال “دوكيدون” الحاكم العام الكاثوليكي للجزائر، وفق دراسة نشرها المركز العربي للبحوث والدراسات.
وبالتوازي مع ذلك بدأ الكاردينال لافيجري بمحاربة اللغة العربية في الجزائر، كونها لغة القرآن، ثم تلاه القس شارل دي فوكو، الذي ألف لهذا الغرض “قاموسا بالأمازيغية” مترجما إلى الفرنسية، ثم اعتبرت اللغة العربية لغة أجنبية بقراري عامي 1909 و1938.
وعلى الرغم من استقلال الجزائر، واسترجاع سيادتها وشروعها في ترسيخ عناصر هويتها، فإن فرنسا لم تستسلم، ففي عام 1967، أوحت إلى ضابط سابق في الجيش الفرنسي، وصيدلي ومغنٍّ وصحفي يحملون الجنسية الفرنسية، أن يؤسسوا الأكاديمية البربرية (لفظ يطلقه الغرب على الأمازيغ) في باريس، بمباركة وتمويل فرنسيين وتنفيذ محلي، لتواصل مشروعها على لسانهم وتنفذه بأيديهم، ثم التحق بهم جزائريون آخرون.
كانت تسعى هذه الأكاديمية للقضاء على الأساس الأول للهوية الوطنية والمتمثل في اللغة العربية، ومن ثم القضاء على أهم عنصر في تحقيق الانسجام الثقافي الجزائري، والقضاء على الوحدة الوطنية للمجتمع الجزائري، وقطع الطريق أمام سياسة التعريب التي انتهجتها الجزائر بعد الاستقلال، ومحاولة خلق حالة من الفوضى والتشويش على وحدة الولاء وذلك من خلال دعم لهجة واحدة (القبائلية) دون غيرها من اللهجات الأخرى.
وفي فرنسا نشأت أيضا مؤسسات أخرى تتبنى الفكرة، وتناضل من أجل الثقافة البربرية، ففي عام 1973، انشق جماعة من الشبان عن الأكاديمية المذكورة، وأسسوا جماعة الدراسات البربرية في جامعة باريس، وفي عام 1978، تكوَّن اتحاد الشعب الأمازيغي، الذي نشر مجلة سياسية تحت عنوان “الرابطة”، وكان من أهم مطالبه معارضة التعريب، والاعتراف باللهجة القبائلية لغة رسمية للجزائر، ثم أسس مولود معمري عام 1982، مركز الدراسات والبحوث الأمازيغية بباريس، ومجلة “أوال” الكلمة.
منطقة القباىل هي مركز النظال في الجزائر من أجل الهوية و الديمقرطية ظدا رجال فرنسا الموجدين في الحكم و النظام العربي البعثي