العدسة – منصور عطية
يبدو أن محافظة “المهرة” اليمنية ستكون عنوانًا لأحدث حلقات الصراع المحموم على فرض السيطرة والنفوذ بين السعودية والإمارات في اليمن، وسط مخاوف لدى سلطنة عمان التي تعتبر المهرة امتدادًا إستراتيجيا لها.
الحشد العسكري والديني المتسارع بين البلدين في المهرة، يثير تخوفات عُمانية غير مسبوقة، في ظل توتر قائم بين مسقط من جهة، والرياض وأبو ظبي من جهة أخرى، بسبب مواقف الأولى من الحرب في اليمن والأزمة الخليجية وحصار قطر.
الأهمية الإستراتيجية للمهرة
لكن قبل الخوض في تفاصيل هذا الصراع وآخر مستجداته، تظهر الحاجة إلى إلقاء الضوء على الأهمية التي تجعل من محافظة المهرة محلأ لصراع النفوذ.
“المهرة” هي ثاني أكبر محافظات اليمن، من حيث المساحة بعد حضرموت، حيث تبلغ قرابة 82405 كيلومتر مربع، وتقع في الجانب الشرقي من الدولة، يحدها من الشمال والغرب محافظة حضرموت، وترتبط بشريط حدودي شاسع مع سلطنة عمان، ومن ثم فهي تعتبر حديقتها الخلفية التي تمثل لها عمقًا أمنيًّا قوميًّا على درجة كبيرة من الأهمية الإستراتيجية.
تطل هذه المحافظة على أحد أهم المضائق البحرية في المنطقة، وهو مضيق “هرمز”، الذي يفصل بين مياه الخليج العربي من جهة، ومياه خليج عمان وبحر العرب والمحيط الهندي من جهة أخرى، ويمر منه نحو ثلث نفط العالم المنقول بحرًا.
ظلت تلك المنطقة بعيدة عن دائرة الصراع، منذ اندلاع الثورة اليمنية في 2011، وحتى عقب دخول قوات التحالف بقيادة السعودية في مارس 2015، نظرًا لوقوعها تحت سيطرة القوات الشرعية المدعومة من التحالف، فضلًا عن عدم تعرضها لأي تهديد من قبل الحوثيين أو الموالين لهم من قوات علي عبد الله صالح.
وتتمتع سلطنة عمان بحضور سياسي واجتماعي وقبلي لافت في المهرة، بل تتداخل العلاقات والأواصر العائلية بين قبائل المهرة اليمنية وصلالة العمانية، وفي أوقات سابقة منح السلطان قابوس بن سعيد سلطان عمان، جنسية بلاده للعشرات من اليمنيين في المهرة.
كما تنشر السلطنة لواءً عسكريًّا مزودًا بأضخم وأحدث المعدات والآليات المنتشرة على طول الحدود مع اليمن، وتم تعزيزه بعدة دفعات جديدة خلال العامين الماضيين بسبب تطورات الأحداث في اليمن.
وتخشى مسقط من تأثير النفوذ الإماراتي والسعودي بالمحافظة على توجدها هناك، فضلًا عما يمكن أن يجره من تصدير للأزمة اليمنية إلى المحافظة التي ظلت بعيدة عن الأحداث المتصاعدة في البلاد.
نفوذ سعودي متزايد
آخر إرهاصات محاولات ترسيخ النفوذ السعودي كانت قبل نحو أسبوع، عندما نقلت تقارير إعلامية وصول 200 شاحنة نقل عسكرية عملاقة تحمل معدات عسكرية سعودية إلى “الغيظة” عاصمة محافظة المهرة، وتوزعت في بعض سواحلها ومديرياتها، وتحمل على متنها عتادًا عسكريًّا متنوعًا.
وقالت مصادر: إن “العتاد الذي شملته التعزيزات تنوع بين سلاح الدروع والدبابات والعربات والأطقم العسكرية وسيارات الشرطة، وآليات أخرى تتبع الجهاز الإداري المدني”، مشيرة إلى أن “هذه هي المرة الثانية التي تدفع فيها السعودية بتعزيزات عسكرية الى المهرة، حيث وصلت دفعة سابقة في نوفمبر 2017”.
ونقلت تقارير أخرى أن التنسيق السعودي مع محافظ المهرة “راجح باكريت” يأتي تتويجًا للضغوط التي مارستها الرياض على الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي لتعيينه، “لإعطاء دور مؤثر لجماعات سلفية في مدينة قشن، ثاني أكبر مدن المحافظة”، وذلك بالتزامن مع وفد عسكري سعودي للمحافظة، التقى بشخصيات محسوبة على هذا التيار هناك.
ونقل الكاتب “جيمس دروسي” فى مقال مطور بموقع “إنترناشونال بوليسي دايجست” إنشاء السعودية لمركز سلفي في المهرة لترسيخ النفوذ الديني السعودي هناك.
وشهد شهر ديسمبر الماضي وصول أول رحلة جوية لمساعدات إنسانية يقدمها مركز الملك سلمان للإغاثة إلى مطار الغيظة الدولي، حيث يعتبر المركز ذراعًا قويا يرسخ النفوذ السعودي من الناحية الإنسانية في العديد من البلدان التي تشهد أزمات، مثل الحال في سوريا ومخيمات اللاجئين في لبنان والأردن وغيرهما.
الإمارات لها السبق
الإمارات كان لها السبق في محاولات ترسيخ التواجد والنفوذ في المهرة، وتعود البداية إلى أكتوبر 2016، بعدما أثير بشأن تورط سلطنة عمان في تهريب أسلحة للحوثيين قادمة من إيران.
ورغم النفي المتكرر من الجانب العماني لتلك المزاعم، إلا أن الإمارات عززت من الصراع القبلي الدائر داخل المهرة إلى حد التدخل العسكري تحت لافتة التحالف العربي، وبدعوى إعادة الهدوء للمحافظة بعد سيطرة إحدى القبائل على منفذ الشحن الرابط بين عمان واليمن.
وعلى الفور بدأت أبو ظبي في فرض وجودها من خلال بعض الإجراءات التي اعتمدت في جزء كبير منها على محورين أساسيين: أولهما البعد الاجتماعي، حيث نسجت علاقات قوية مع حلفاء وشخصيات عامة وقبلية في المهرة، ساعدها على كسب ولاءات سياسية لبعض القبائل المتواجدة عبر بوابة النشاط الإنساني والخيري الذي تتميز فيه الإمارات بصورة كبيرة، مستغلة حالة العوز والفقر الشديد لسكان تلك المناطق.
التقارير الإعلامية سالفة الذكر، قالت إن الإمارات تعزز حضورها العسكري الكبير في محافظة المهرة بين حين وآخر، وسط سباق على السيطرة العسكرية، حيث أرسلت، في نوفمبر الماضي، قوات إلى هناك، وتدفع باتجاه تشكيل ما تسميها “قوات النخبة المهرية” الموالية لها، على غرار تلك التي أنشأتها في شبوة وحضرموت وكذا الحزام الأمني في عدن وبقية المحافظات الجنوبية.
وهنا جندت الإمارات ما يقرب من 2000 شاب من أهالي المحافظة، حيث أقامت معسكرًا تدريبيًّا لهم في مدينة الغيظة، والتي تعد المركز الرئيسي الذي تجند فيها المهرة شبابها، مستغلة ضعف السلطة المركزية في تلك المحافظة، وعدم قدرتها على ممارسة سلطاتها على أرض الواقع.
وقالت: “وفق محللين تبدو الإمارات مصممة على المضي بإستراتيجيتها الواضحة في السيطرة على جنوب اليمن، باعتباره منصة القفز الرئيسة إلى النفوذ البحري في الشرق الأوسط، وإقناع القوى الدوليّة الكبرى بأهليتها لممارسة الدور السعودي التاريخي كوكيل رئيسي في المشرق العربي والخليج”.
اضف تعليقا