العدسة – جلال إدريس
جدل واسع أُثير في مصر عقب إقالة “رئيس النظام المصري، عبد الفتاح السيسي” رئيس جهاز المخابرات العامة اللواء خالد فوزي من منصبه، وتعيين اللواء عباس كامل مدير مكتبه في هذا المنصب، بالإضافة إلى الحديث عن إقالة عدد آخر من قيادات الجهاز نفسه.
أسئلة كثيرة ومتعددة، طرحتها إقالة “السيسي” لرئيس المخابرات العامة، في هذا التوقيت الحساس، خصوصا وأن الأخبار عن إقالته لم تصدر على لسان مسؤل مصري، كما لم تتداولها وسائل إعلام مصرية، بل أعلنت عنها صحيفة كويتية وليست محلية.
“العدسة” -ومن خلال هذا التقرير- يحاول تسليط الضوء على أبرز الأسباب المتوقعة لحركة الإقالات التي أجراها السيسي في واحد من أهم الأجهزة الاستخباراتية في مصر.
التسريبات هي السبب
تسريبات “مكملين” أثبتت، بما لا يدع مجالا للشك، حقيقة وجود “صراع أجهزة” بين المخابرات العامة والمخابرات الحربية، خصوصا وأن “الضابط” أشرف الخولي المسؤول عن المحتوى الإعلامي في الفضائيات المصرية، والمعين من قبل جهاز المخابرات الحربية، وجه سبابا واضحا للمخابرات العامة، وصنف الإعلاميين بحسب قربهم من المخابرات الحربية، أو المخابرات العامة.
التسريب أيضا، كشف عن وجود جهاز “سيادي” يقوم بتسجيل مكالمات لضباط في “المخابرات الحربية”، وهو الأمر الذي استدعى من السيسي القيام باجتماع عاجل، ضم كلا من “وزير الدفاع، ورئيس المخابرات العامة، ورئيس المخابرات الحربية، ورئيس الأركان، ووزير الداخلية”، وذلك في اليوم التالي لتسريبات “نيويورك تايمز” و”مكملين”.
كل تلك الشواهد، توحي بأن إقالة “خالد فوزي” على علاقة وثيقة بتلك التسريبات، وتؤكد صحتها، وتكشف أيضا سعي المخابرات الحربية للسيطرة على الإعلام المصري، وإقصاء المخابرات العامة وهو ما يعبر عنه بتعيين اللواء عباس كامل في منصب رئيس المخابرات العامة.
وفي هذا الإطار تحدثت صحيفة “الجريدة” الكويتية، قبل صدور قرار تعيين اللواء عباس كامل، وقالت إن السيسي بدأ عملية تغييرات واسعة في جهاز المخابرات العامة، شملت رئيس الجهاز، اللواء خالد فوزي، وقالت أيضا أن الذي تولى بدلًا منه “مؤقتاً” اللواء إبراهيم عبد السلام إلى حين اختيار رئيس جديد بشكل رسمي، يصدر قرارا جمهوريا بتعيينه، وبعد يومين من تقرير الصحيفة الكويتية صدر القرار الرسمي بتعيين “كامل”.
وبينما لم تنشر أي من وسائل الإعلام المصرية تلك الأنباء، أكد الموقع الكويتي أن مصدراً وصفه بـ”المطلع” قال: إن “التغييرات تأتي ضمن عملية لإعادة ترتيب المؤسسات السيادية في المرحلة الحالية”، وأنه “من المتوقع الإعلان رسميًّا -خلال ساعات- عن التغييرات التي شملت أيضاً عدداً من قيادات جهاز الاستخبارات”.
لفشله في ملف المصالحة
وجهة نظر أخرى، تقول إن إقالة “خالد فوزي” جاءت بسبب فشله في ملف المصالحة الفلسطينية، وعودة التعثر في المصالحة بين حركتي فتح وحماس مرة أخرى، حيث ظهر ذلك جليا خلال المؤتمر المركزي الفلسطيني، وهجوم “أبو مازن” على قيادات حماس.
وبحسب صحيفة “الأخبار” اللبنانية، فإن السيسي كان يعول على “فوزي” في ملف المصالحة بشكل كبير، غير أن عودة الخلافات بين الجانبين مرة أخرى، استدعت من السيسي إقالته، والبحث عن شخصية جديدة ستتولى المنصب لإعادة مسار المصالحة الفلسطينية بين فتح وحماس، وتسريع العمل على تحويله إلى اتفاق حقيقي على أرض الواقع، وحلّ العقبات التي لا تزال تعترض التوافق بين الحركتين، مع عدم الانحياز إلى أي طرف على حساب الآخر.
كما ستسعى المخابرات العامة خلال الفترة المقبلة، إلى تفعيل الاتفاق المنتظم على تشغيل معبر رفح، والاستفادة من هذه المنطقة تجارياً بنحو أكبر، وتسهيل دخول البضائع والمنتجات المصرية إلى قطاع غزة في غضون أشهر قليلة.
وستكون على رأس أولويات رئيس الجهاز الجديد مناقشات موسعة مع وفود من الحركتين في القاهرة، وإجراء اتصالات على أعلى مستوى، إذ يرغب السيسي ببقاء الملف بيد المخابرات العامة، مع منح صلاحيات كاملة في اتخاذ القرارات لرئيس الجهاز، لإنهاء أية خلافات أو نقاط عدم توافق، وفقا لـ”الأخبار” اللبنانية.
السيسي أقاله إرضاءً لإسرائيل
وجهة نظر أخرى مغايرة، تقول إن إقالة “فوزي” جاءت بسبب رفض الرجل لفكرة تهويد القدس، حيث إنه قاد تيارات في المخابرات العامة، رافضا لإتمام “صفقة القرن” على حساب قرار “ترامب” اعتبار “القدس” عاصمة لإسرائيل، وليست لفلسطين.
وبحسب لواء سابق بالجيش المصري، في تصريحات سابقة لـ”عربي21″، فإن “المخابرات العامة هي أكثر المؤسسات المصرية عداء لإسرائيل، وهي التي كانت تدير الصراع مع إسرائيل، طوال عصر جمال عبد الناصر ثم عصر السادات، واستمرت على مبادئها وإستراتيجيتها في عصر مبارك الطويل، بالرغم من تغير الإستراتيجيات العامة للدولة في ذلك العصر، وتكونت أجيال منها تعلمت من أجيال سبقتها المبادئ نفسها، والأساسيات نفسها”.
وأضاف: “أما المخابرات الحربية، فكانت المعبر الذي عبرت الاستخبارات الإسرائيلية من خلاله إلى إقامة علاقات وثيقة مع القوات المسلحة المصرية، بدأت باللقاءات الدورية التي نظمها الأمريكيون بينهما بحجة ترتيبات مراقبة الحدود ومراكز الإنذار المبكر الأمريكية والمصرية والإسرائيلية في سيناء، وتطورت إلى علاقات وثيقة على مدار السنوات الماضية”.
كما يصف مراقبون “خالد فوزي”، بأنه مختلف -فى تعاطيه للأمور- عن باقي قيادات الأجهزة الأمنية والاستخباراتية في مصر، حيث كان يرفض الرجل توصيف حماس بـ”الإرهابية”، وكان يسميها بـ”المقاومة”، والسلاح سلاح المقاومة.
وفي هذا الإطار يؤكد مراقبون أن فشل “خالد فوزي” في الحصول على معلومات من قبل حماس، بشأن الأسير الفلسطينى “شاؤول أرون” أمر أزعج بشدة “السيسي”، الذي كان يعول بشكل كبير على إرضاء الجانب الإسرائيلي بمعلومات عن “الجندي الأسير” لدى حماس.
وحين فشل “فوزي” في ذلك، ورفض ممارسة ضغوط على حماس، أثناء التفاوض معها في ملف الصلح مع “فتح”، قرر السيسي استبداله بشخص آخر، يسير وفق الإملاءات التي تملي عليه وليس وفقا لوجهة نظرة الخاصة.
لذلك كان اختيار عباس كامل في الفترة الحالية هو الخيار الأنسب لعبدالفتاح السيسي، كون الأيام القادمة تحمل العديد من الأحداث الهامة وعلى رأسها الانتخابات الرئاسية.
اضف تعليقا