العدسة – معتز أشرف  

في خطوة وصفت من المراقبين بالصادمة، حذفت الإمارات قطر من خريطة للخليج العربي معروضة في متحف اللوفر في أبو ظبي الذي أقيم بعد الحصول على ترخيص خاص من متحف اللوفر الفرنسي، بحسب ما كشفه معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، ما قد يهدد تواجد المتحف علي أراضي الإمارات لتعارضه مع الموافقة الفرنسية، والذي شهد بناؤه انتهاكات ومعارضات واسعة من قبل فنانين وخبراء آثار وحقوقيين .

شهادة هندرسون

إجراء عنيف جديد في إطار معارك مفتعلة منذ  نحو 7 أشهر، تقود أبو ظبي خلالها حملات لتشويه لقطر، وترعى فعاليات للإساءة للدوحة، وتشن هجوما إعلاميا عنيفا ضد أميرها «تميم بن حمد» وقناة الجزيرة، ووصلت إلى محطة الفن، يروي قصته كاملة الباحث سايمون هندرسون، مدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن، موضحا أنه أثناء رحلة بحثية له قبل أيام في عدد من دول الخليج، اكتشف أنه في القسم المخصص للأطفال من متحف اللوفر الجديد في أبو ظبي، تُعرض خريطة لجنوب الخليج لا تظهر فيها بتاتا شبه الجزيرة القطرية، مؤكدا أن “هذا حذفٌ جغرافي ربما يتعارض مع موافقة فرنسا على السماح لأبو ظبي باستخدام اسم اللوفر”.

“شهادة هندرسون” وردت في مقال للكاتب حول الأزمة الخليجية تحت عنوان ” الخصومة بين الإمارات و قطر في تصاعد“، اعتبر فيه أن الحظر على قطر ينطوي على جوانب مبهمة، فقبل ثلاثة أيام من كتابة  المقال اشترى كاتب المقال ريالات قطرية عند مركز تصريف العملات في مطار أبو ظبي لكنه فوجئ بإزالتها من الخريطة في متحف اللوفر عندما زاره في نفس اليوم.

وبخصوص التصعيد بين الدولتين، أورد المقال أن “العديد من الدبلوماسيين في المنطقة يعتقدون أن مَن يوجّه دفة الأزمة ليس الجانب السعودي، بل الزعيم الإماراتي الفعلي ولي العهد الأمير محمد بن زايد، ووفقاً لدولة الإمارات، يواصل والد أمير قطر، حمد، القيام بدور رئيسي في عملية صنع القرار في البلاد، رغم تنازله عن منصبه في عام 2013، إلا أن الدبلوماسيين المحليين ينفون هذه الفكرة نفياً قاطعاً، ويصرحون أنهم لم يعودوا يتتبعون ما يعرف بـ “الأمير الأب”.

واعتبر الكاتب أن التصعيد الأخير من قبل الإمارات بشأن اعتراض مقاتلات قطرية لطائراتها، سواء كان حقيقيا أم مجازيا، هو وسيلة تعيد فيها الإمارات تأكيد مواقفها، بعد الإحراج الذي اعتراها بسبب قضية الشيخ القطري عبد الله آل ثاني.

وكانت قطر الطرف الرئيسي في السنوات الأخيرة في أوساط الفن الخليجية، لكن منذ الحصار، بدأت الإمارات المواجهة بطريقة أخرى حيث أعلن متحف اللوفر أبو ظبي أن لوحة “سالفاتور موندي” التي بيعت بسعر قياسي بلغ 450 مليون دولار، “استحوذت عليها” السلطات الإماراتية، وذلك عقب إعلان الإمارات العربية المتحدة والسعودية تشكيل لجنة للتعاون العسكري والاقتصادي مستقلة عن مجلس التعاون الخليجي، استحقت تدخل الأمير محمد بن سلمان، الذي استعان بوسيط لشراء لوحة “سالفاتور موندي” بحسب صحيفة وول ستريت جورنال نقلا عن مصادر في الاستخبارات الأمريكية وأخرى لم تسمها .

اهتمام خاص

يحظى متحف اللوفر بحسب مراقبين باهتمام خاص في منطقة الخليج، يجعل من إقدام أبو ظبي علي حذف قطر، سببا وجيها لإشعال الأزمة المستمرة، حيث سبق أن نظمت دولة قطر في مارس 2006 في قلب متحف اللوفر معرضا للفن الإسلامي، أطلق عليه «من قرطبة إلى سمرقند»، وأشرف على افتتاحه كل من الرئيس الفرنسي جاك شيراك وأمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، واشتمل المعرض على 42 قطعة نادرة من الفن الإسلامي يراها الجمهور لأول مرة.

وفي شهر يوليو  2005  قام في ذات الاتجاه الأمير السعودي الملياردير الوليد بن طلال بن عبد العزيز آل سعود، بتقديم أكبر هبة للمتحف الباريسي، بلغت 17 مليون يورو، بما يعادل ثلث ميزانية اللوفر السنوية، من أجل إنجاز ركن «الفن الإسلامي باللوفر» والذي ينتظر أن يفتتح في سنة 2009.

انتهاكات واتهامات

اردواه ” رمزا للتسامح ” لكنه بني على “القمع والاستغلال “، هكذا قال حقوقيون وفنانون قبيل افتتاح المتحف الملقب بـ”لوفر الصحراء”، في نوفمبر 2017،  بعد 10 سنوات من الكشف عن المشروع الأضخم بين فرنسا والإمارات، بمشاركة من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بتكلفة تجاوزت تكلفة إنشائه مليار دولار، واستغرق بناؤه 10 سنوات، ويضم نحو 600 عمل فني دائم العرض، بالإضافة إلى 300 عمل أعارتهم فرنسا للمتحف بشكل مؤقت، وسيقوم 13 متحفًا فرنسيًّا على مدى السنوات العشر المقبلة، بإعارة قطع تاريخية وفنية إلى المتحف في الإمارات، ولمدة سنتين كحد أقصى لكل قطعة.

ويمتد المتحف على مساحة تصل إلى 24 ألف متر مربع، وهو من تصميم المهندس المعماري الفرنسي جان نوفل، ويتميز بشعاع النور المستوحى من ظلال أشجار النخيل في أبو ظبي، والهدف الأساسي منه أن يكون حلقة الوصل بين الفن الشرقي والغربي.

ولم يكن افتتاحا هادئا، حيث شن أكثر من 120 فنان عالمي، في أبريل 2011، هجوما ضد الإمارات، ووجهوا دعوة لمقاطعة متحفي اللوفر وجوجنهايم؛ وذلك نظراً لما يقومون به من استغلال العمال وجعلهم يعملون في ظروف سيئة أثناء عملية البناء، واحتج الفنانون ومنظمات حقوق الإنسان وقتها على سياسات أبو ظبي والإمارات العربية المتحدة ضد العمالة المستخدمة في بناء المتحف في بيانات عديدة.

وفي مطلع العام 2015، وفيما كان آلاف العمال الآسيويين يعملون في ورشة البناء، التي شَلَّها في مايو من ذات العام، إضراب من خمسة أيام، وهو أمر محظور في الإمارات، أكدت منظمة “هيومن رايتسووتش” غير الحكومية، تواصل التجاوزات بحق العمال التي سبق لها أن نددت بها في عامي 2007 و2009.

كما تسببت الاتفاقية المعقودة، بخصوص مشروع اللوفر أبو ظبي، في ردود أفعال سلبية في الأوساط الفنية، وأيضاً في المجال الأكاديمي، تزعمها ديدييه ريكنر، المؤرخ الفني ورئيس جبهة المعارضين على الاتفاقية؛ والذي قاد أيضاً حملة جمع التوقيعات في هذ الصدد، وتم التأكيد على أن “هذه المتاحف ليست للبيع”، وذلك في البيان الذي وقعه كل من خبراء 4650 متحفا، وعلماء للآثار ومؤرخي الفن، حيث اتهموا اللوفر”بأنه يعمل على تحقيق إستراتيجيتها للاستفادة بأقصى قدر من الأرباح، تماماً مثل شركة تجارية” مؤكدين استمرار نضالهم ضد تواجد المتحف في الإمارات بقولهم: “خسرنا المعركة، ولكن يستمر الكفاح”، في إشارة إلى نفس العبارة التي قالها شارل ديجول بعد هزيمة فرنسا أمام ألمانيا النازية، في عام  1940.

ولاحقت متحف لوفر الصحراء اتهامات رائجة كذلك، بعرض قطع أثرية فرعونية مُهربة، ولكن نفت وزارة الآثار المصرية ما تردد عن ذلك، مؤكدة أن ” “مصر لم ترسل أي قطع أثرية مصرية لعرضها بالمتحف، أو بدولة الإمارات الشقيقة عامة، منذ أكثر من 20 عاما”.