العدسة – جلال إدريس
حالة من الجدل الكبرى أثارتها الأنباء الواردة عن قيام القوات المسلحة السعودية، باعتقال العشرات من الجنود والضباط التابعين للجيش اليمني، التابع للشرعية، بل وتعذيبهم في سجون سرية داخل الأراضي السعودية لإجبارهم على الانصياع للأوامر العسكرية، والعمل كجنود مرتزقة لحماية الحدود السعودية.
الأنباء لم تكن صادمة بالنسبة لكثير من المتابعين للشأن اليمني؛ إذ خرجت أنباء مشابهة قبل عدة أشهر تؤكد أن دولة الإمارارت أنشأت سجونا سرية داخل “اليمن نفسه” تقوم فيها بتعذيب أفراد بالجيش اليمني، ومواطنين عاديين، لإجبارهم على الانضمام لكتائب قتالية تأتمر بأمر أبوظبي، لا بأمر الجيش اليمني.
إن صحت أنباء سجون “السعودية والإمارات” فإن ذلك يعني أن الهدف الحقيقي من حرب “بن سلمان وبن زايد” على اليمن ليس هدفها مقاتلة الحوثيين، بقدر ما تستهدف إخضاع دولة اليمن بكل مقدارتها لصالح “السعودية والإمارات”.
فالجيش والشرطة، والموانئ، والمناطق النفطية، وكل المقدرات في اليمن، تسعى السعودية والإمارات للسيطرة عليها، بحجة تطهيرها من الحوثيين تارة، أو تطويعها للشرعية الدستورية في اليمن تارة أخرى.
“العدسة” ومن خلال التقرير التالي، تلقى الضوء على حقيقة السجون السرية لقيادات عسكرية بالجيش اليمني، وتعذيبهم، والهدف الحقيقي من وراء ذلك، ومساعي السعودية والإمارات من تلك العمليات المشبوهة.
تعذيب وسجون انفرادية للضباط
وفقا لما نشرته صحيفة “العربي الجديد” فإن مصدرا عسكريا رفيع المستوى في القوات المسلحة اليمنية، أكد وجود عشرات الجنود والضباط من قوات الجيش اليمني التابع للشرعية في سجون خاصة في منفذ الخضراء في مقرّ العمليات المشتركة على الحدود اليمنية السعودية، حيث يتعرضون للتعذيب.
المصدر العسكري أكد أن أكثر الجنود والضباط المعتقلين هم من قوات “لواء المحضار” و”لواء الوحدة”، وهم معتقلون منذ أشهر، ويتعرضون لكافة أنواع التعذيب وأساليبه، على يد جنود وضباط سعوديين يتبعون للشرطة العسكرية الخاصة، التابعة للقوات البرية السعودية، والتي تتولى مهمة الضبط العسكري ومراقبة تنفيذ العسكريين للأنظمة واللوائح.
ويقوم الجنود السعوديون بضرب الجنود والضباط اليمنيين وتعليقهم بـ”الكلابش” على الشبابيك، وفقاً للمصدر، الذي أضاف أن “الجنود السعوديين أخذوا هواتف المعتقلين وأدخلوهم سجونًا انفرادية وقاموا بتعذيبهم واستجوابهم بتهم إخفاء السلاح والاختلاف مع قادة الألوية العسكرية”، مؤكدًا وجود ضباط وأفراد مخفيين قسرياً منذ أكثر من عام.
وأشار المصدر العسكري إلى أن معظم الجنود المعتقلين هم من قوات اللواء العسكري الذي يقوده بسام المحضار، وهي قوات عسكرية يمنية قاتلت في المناطق الحدودية بين اليمن والسعودية.
ويصل عددهم وفقا للمصدر العسكري لأكثر من 40 جندياً وضابطاً وهم يعانون من قسوة الانتهاكات والتعذيب الذي يتعرضون له، وبعضهم دخل في صدمة نفسية في غرف السجون الانفرادية، واستغرب المصدر طريقة التعامل مع جنود وضباط تركوا مدنهم اليمنية وأسرهم وأطفالهم وفضّلوا الدفاع عن الأراضي السعودية.
تحويل الجيش اليمني لمرتزقة
وبحسب مراقبين فإن السعودية تجبر أفرادا بالجيش اليمني على تأمين حدودها تحت ضغط السجن والتعذيب، حيث إن الرافضين لتلك المهمة يكون مصيرهم الزج بهم في السجون.
وبالإضافة لذلك فإن السعودية جنَّدت آلافاً من اليمنيين اليائسين للدفاع عن حدودها ضد المتمردين الحوثيين، في الوقت الذي تبتعد فيه القوات السعودية عن القتال، مكتفيةً بشن الضربات الجوية على أهداف يمنية.
ووفقا لتقرير نشره موقع “ميدل إيست آي” البريطاني، منتصف العام الماضي، فقد أخبر المرتزقة العائدون “موقع ميدل إيست آي” كيف حصلوا على تدريب استمر أسابيع قليلة فحسب، ووُزِّعوا على فِرَقٍ تُموِّلها السعودية لحماية الحدود، أغلب قوامها من اليمنيين، ويُدفَع لهم حوالي 800 دولار شهرياً لقتال المتمردين الحوثيين الذين يفوقونهم بمراحل.
وتكشف هذه الممارسة عن عجز الحكومة السعودية، أو عدم رغبتها في وضع مواطنيها على خطوط النار، في حربٍ أسهمت في إحداث أسوأ أزمة إنسانية في الشرق الأوسط، إذ يتعرَّض ملايين اليمنيين للمجاعة، وأصيب مئات الآلاف في أسوأ أزمة كوليرا في العالم.
وقد كشفت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، أنَّ الإمارات، وهي جزء من التحالف السعودي، قد جنَّدَت مئات المرتزقة من كولومبيا وبنما والسلفادور وتشيلي، للقيام بالأعمال القذرة في اليمن نيابة عنهم.
وقال شان مكفيت، الزميل بالمجلس الأطلنطي ومؤلف كتاب المرتزق الحديث: “المرتزقة خيارٌ جذَّاب للدول الغنية التي تريد شنَّ حرب، لكن لا تريد شعوبها القتال. ويعتبر مرتزقة أمريكا اللاتينية علامة على ما سوف يحدث”.
العقاب لمن يحاول الفرار
ووفقا لـ”ميدل آيست” فإن فرق حماية الحدود السعودية تمنع بالقوة من يحاول الفرار من عمليات تأمين الحدود السعودية، وهو الأمر الذي أكده مراقبون، حيث تشير الأنباء أن السعودية كانت تسمح في بادئ الأمر لمن يريد الذهاب أن يغادر الحدود، بينما أصبحت تجبرهم مؤخرًا على القتال، ومن يرفض يكون مصيره السجن والتعذيب.
وتسعى السعودية في ذلك، إلى تكوين جبهة قتال قوية على حدودها، من غير السعوديين، حيث إن موجة من الاستياء والغضب بين المواطنين السعوديين بسبب تزايد أعداد القتلى من الجنود السعوديين، وسط عجز من حكومة “بن سلمان” عن حمايتهم، وهو ما دفعهم بقوه للتفكير في الاستعانة بمرتزقة.
من جهة أخرى فإن بعض القيادات داخل حركة المقاومة المؤيدة لهادي تعارض فكرة إرسال يمنيين للقتال على الحدود السعودية، مجادلين بالحاجة إلى أولئك المقاتلين في الداخل، يؤيِّد آخرون ذلك.
ونقل ” موقع ميدل إيست ” في تقرير سابق لها، تصريحات على لسان علي عبد القادر، عضو حركة المقاومة الشعبية في تعز، قوله إن اليمنيين ملزمون بالمساهمة في حماية الحدود السعودية ضد الحوثيين، بنفس القدر الذي ساعدهم به التحالف الذي تقوده السعودية.
وقال عبد القادر لموقع ميدل إيست آي: “نحن ممتنون للسعودية لدعمها لقتالنا ضد الانقلاب والمتمردين، ينبغي أن نرسل اليمنيين للقتال على الحدود”.
سجون عدن للمدنيين والعسكريين
من جانب آخر فإن قوات التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات متهمة بارتكاب انتهاكات جسيمة بحق العسكريين والمدنيين اليمنيين على حدٍّ سواء، إذ تعرّض العشرات للاعتقال والإخفاء القسري من قبل قوات الحزام الأمني، الموالية للإمارات، في عدن، والتي تحتجز عشرات اليمنيين في سجن “بئر أحمد” في العاصمة المؤقتة، كما قامت بنقل عدد من السجناء في وقت سابق إلى سجن “الريان” في حضرموت.
ويتعرّض المعتقلون داخل هذه السجون غير القانونية لجميع أنواع التعذيب، إضافة إلى الاعتقال من دون محاكمة، في انتهاك صارخ لحقوق الإنسان وللقوانين الدولية والمحلية، وهو ما اضطر عدد منهم إلى الإضراب عن الطعام، بالتزامن مع اعتصامات مستمرة لذويهم للمطالبة بالإفراج عنهم أو تقديمهم للمحاكمة.
كما تقوم القوات الإماراتية في عدن بمنع الزيارة عن المعتقلين، وهو ما أثار حالة من السخط والغضب لدى الناشطين الحقوقيين، الذين كشفوا عن حجم التعذيب والانتهاكات التي يتعرّض لها السجناء في هذه المعتقلات، في ظلّ حالة من الصمت لدى الجهات الرسمية في الحكومة الشرعية.
وكانت تقارير حقوقية صادرة عن منظمة “هيومن رايتس ووتش”، قد حمّلت القوات الإماراتية ومن سمّتهم بوكلائها اليمنيين، المسؤولية عن تدهور صحة المختطفين في السجون السرية، وطالبتها بسرعة الإفراج عنهم.
وبين الحين والآخر ينفّذ أهالي المعتقلين والمخفيين قسرياً في السجون الإماراتية وقفات احتجاجية، لمطالبة “التحالف العربي” والحكومة الشرعية بالاستجابة لمطالبهم الإنسانية والحقوقية المشروعة، وتقديم أبنائهم للمحاكم القضائية أو إطلاق سراحهم، محمّلين هذه الجهات المسؤولية الكاملة عن حياة المعتقلين.
وتتصاعد حملة الانتقادات الموجّهة للقوات الإماراتية نتيجة ارتكابها لانتهاكات بحق العشرات من المعتقلين الذين يقبعون في السجون الخاضعة لسيطرتها داخل مدينة عدن والمحافظات الجنوبية، والتي تقود فيها الإمارات قوات “التحالف العربي”.
اضف تعليقا