العدسة – إبراهيم سمعان

نشرت صحيفة “جيروزاليم بوست” الإسرائيلية، مقالا للكاتب “أري هيستين”، ناقش فيه سبل خروج العلاقات بين السعودية وإسرائيل للعلن، مؤكدا أن هناك العديد من الدلائل تشير إلى تغيير قد يحدث في العلاقات بين تل أبيب والرياض في المستقبل .

 وإلى نص المقال ..

“لماذا يشتري السعوديون البقر، إذا كان بإمكانهم الحصول على الحليب مجانا؟!” ..

هذا ما خلصت إليه تحليلات العديد من الخبراء، بعد دراسة وبحث آفاق الرياض في إمكانية إقامة علاقات رسمية مع إسرائيل، في مقابل الحصول على  مساعدات عسكرية .

ومع الأخذ بعين الاعتبار التحديات العديدة في الداخل والخارج، التي يواجهها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بالفعل حاليا، تساءل خبراء أخرون: لماذا تضيف المملكة عاملا آخر مزعزعا للاستقرار إلى هذا المزيج، متمثلا في الاعتراف بإسرائيل ؟

وعلى الرغم من أن هذه الحجج السابقة التي أبداها الخبراء، لها بعض الوجاهة، لكنها لا تترجم بالضرورة إلى الاستنتاج الصحيح .

فالحكمة التقليدية تقول: إن كل ما هو سيء لإيران، هو أمر جيد لإسرائيل، خلال تلك اللعبة الصفرية، بجانب أن إسرائيل توفر للسعوديين كل الدعم الذي يطلبونه في معركتهم ضد طهران، ولذلك فالرياض لديها القليل لتكسبه والكثير لتخسره، بخروج صداقتها مع إسرائيل للعلن.

ولكن هذا المنطق يتجاهل العديد من الاحتمالات ..

أولا: أن المملكة أظهرت اهتماما عميقا لرضا الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وأظهر “ترامب” تقاربا عميقا لإسرائيل – حتى ولو لم تتمكن إسرائيل من دعم السعودية بأكثر مما تقدمه حاليا، فمن الممكن أن تتحقق المصالح السعودية في أماكن أخرى، من خلال إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل .

ثانيا: إذا كانت إسرائيل تأخذ في الاعتبار العلاقات الرسمية مع السعودية، كأولوية كبيرة، فمن الممكن أن يتم حجب بعض المساعدات عن السعودية، ليتم الإفراج عنها شريطة الحصول على اعتراف رسمي من جانب المملكة.

ثالثا: قد يكون السعوديون محدودين بنطاق ووضوح المساعدات، التي يمكن قبولها دون الاعتراف رسميا بإسرائيل .

وأخيرا، وبما أن الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، يأتي في مرتبة متأخرة من جدول أعمال منطقة الشرق الاوسط المشتعل، فإن تكلفة الاعتراف بإسرائيل قد لا تكون مرتفعة جدا على الرغم من الجهود الإيرانية أو القطرية الممكنة، للاستفادة من تلك الحرب الدعائية ضد الرياض .

ومن الجدير بالذكر أيضا، أن تصور محمد بن سلمان لمصالحه لا يتماشى مع ما يراه الخبراء، وقد شن بالفعل حملة عسكرية في اليمن، وحاصر قطر، وأجبر رئيس الوزراء اللبناني على الاستقالة، ولا يبدو أن أيا منها يبدو أمرا جيدا .

والسؤال هل هذه الأخطاء نتيجة قلة الخبرة، أم أنها نوع من الجنون؟.

وبالنظر إلى أنه لا يبدو حريصا على عكس تلك القرارات وتسلق سلم التصعيد، فليس من المؤكد ما إذا كان ولي العهد يرى أن سياسياته العدوانية خاطئة، على الرغم من الكم الكبير من التعليقات السياسية التي رأت عدم صحتها، وسواء أخطأ أم لا، فمن المحتمل أو المرجح، أن يعمل في المستقبل على توظيف سياسياته غير المتماشية مع تقديرات مجتمع  خبراء السياسية الدولية.

وهناك دلائل على أن التغير قد يحدث في العلاقات الإسرائيلية السعودية ..

أولا: أرسلت مملكة البحرين مؤخرا -التي تأخذ إشارات سياستها الخارجية من السعودية- وفودها إلى إسرائيل؛ لتعزيز التسامح الديني، ويبدو أن إرسال هذه المجموعة المواطنين البحريين، كان اختبارا محتملا لردود الأفعال المحتملة من العرب، من أجل زيادة وضوح العلاقات مع إسرائيل (وفي الأسبوع التالي لإعلان “ترامب” الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ) .

ثانيا: أن بناء المدينة الذكية السعودية الملقبة بـ”نيوم”، قد يوسع من التقارب بين المصالح الاقتصادية السعودية والإسرائيلية.

تفيد التقارير أن الشركات الإسرائيلية تجري محادثات مع السعودية، حول تطوير أحدث مشاريع ولي العهد، والتي تسعى لتنويع الاقتصاد، وتحويل المملكة الصحراوية إلى مركز تجاري.

ولكن مع هذه الخطوات البسيطة إلى الامام، هناك حالات واضحة، تقاوم الرياض تغيير سياسيتها طويلة الأمد التي تجعل العلاقات مع إسرائيل متوقفة على اتفاق سلام مع الفلسطينين -على سبيل المثال- منعت المملكة مؤخرا مشاركة إسرائيل في بطولة الشطرنج العالمية في الرياض .

كل ما يقال، أنه من الممكن بالتأكيد، أن ممثلا لا يمكن التنبؤ به، كمحمد بن سلمان، يمكنه الاحتيال على القضية الفلسطينية، وبناء علاقات مفتوحة مع إسرائيل، إما تدريجيا أو من خلال خطوة واحدة جرئية .

صحيح أن ذلك من الممكن أن يعني مواجهة تحدٍّ آخر، في الوقت الذي تكون فيه يد ولي العهد مشغولة بشكل كامل في تحديات أخرى، ولكن مثل هذه المجادلات، لا يبدو أنها أثرت على حسابه في صنع القرار في الماضي.