العدسة – منصور عطية

شكّل إعلان الفريق سامي “عنان”، رئيس أركان حرب القوات المسلحة الأسبق، نيته الترشح لانتخابات رئاسة الجمهورية، المقررة مارس المقبل، مفاجأة من العيار الثقيل انعكست على توقعات باحتمالية أن يكون “عنان” هو فارس الرهان الذي يمكنه منافسة الرئيس عبد الفتاح السيسي بعد انسحاب الفريق أحمد شفيق، رئيس وزراء مصر الأسبق.

في المقابل، يرى آخرون أن انتخابات 2018 لن تكون سوى تجربة مكررة من نموذج 2014، حيث يلعب منافس أو منافسو السيسي دور الديكور الذي يساهم في إخراج انتخابات بطعم الاستفتاء في صورة الانتخابات التنافسية النزيهة.

من يلعب دور “صباحي”؟

الدوبلير أو المرشح الديكور، على هذا النسق كانت الألقاب التي توزع على المرشح الرئاسي السابق حمدين صباحي، أثناء خوضه غمار انتخابات لرئاسة عام 2014، أمام السيسي الذي خلع بدلته العسكرية لتوه، وأطاح بحكم جماعة الإخوان المسلمين.

حينها، كان الجميع يراهنون على أن جميع نقاط القوة والنفوذ لدى السيسي، بينما لا يملك منافسه شيئًا، الأمر الذي انعكس على نتيجة كانت بمثابة الفضيحة التي ختم بها صباحي – صاحب المركز الثالث والمنافسة القوية في انتخابات 2012 – حياته السياسية ربما للأبد.

وما أشبه الليلة بالبارحة، فما يتمتع به السيسي رغم إخفاقاته في فترته الأولى، يجعل الجزم بإعادة انتخابه رئيسا للجمهورية ليس بعيدا عن المنطق، الأمر الذي يكاد يحول الانتخابات إلى مجرد استفتاء على بقائه ليس إلا، وهو الاحتمال الأرجح حتى الآن.

لكن الفرضية ذاتها، التي تفرغ العملية الانتخابية من مضمونها، تضع ضمن سيناريوهاتها المتوقعة، أن يتم حسم الانتخابات لصالح السيسي بطرق ملتوية من بينها التزوير، والذي يضمنه سيطرة السيسي على مؤسسات الدولة مروره بسلاسة.

نقاط قوة السيسي

إذا ابتعدنا عن السيناريو السابق، وافترضنا أننا أمام انتخابات حقيقية تنافسية مثل تلك الوحيدة التي شهدتها مصر في 2012، وأفضت إلى فوز الرئيس الأسبق محمد مرسي، فإن ميزان القوة يضع السيسي في مواجهة “عنان” بعيدًا عن أي مرشح آخر، سواء أعلن أم لم يعلن نيته الترشح حتى الآن.

وعليه، فإن المقارنة بين كفتي الميزان ونقاط القوة لدى كل مرشح، ربما تؤخذ في الاعتبار، وتبقى ذات حيثية، شريطة شفافية ونزاهة الانتخابات.

السيسي، تمكن -حتى من قبل أن يترشح لانتخابات 2014، وعلى مدار السنوات التالية- أن يضمن سيطرته على مقاليد الأمور في البلاد، وإحكام قبضته على جميع السلطات التنفيذية -كونه رئيسا- والتشريعية بالتدخل في اختيار النواب، والقضائية، بما وثقه حقوقيون، بشأن استخدامه القضاء كسلاح في مواجهة خصومه من قيادات وأعضاء جماعة الإخوان.

تفصيلًا، ورغم ما يتردد بين الحين والآخر، من أحاديث متواترة عن غضب في صفوف الجيش، فإن ولاء المؤسسة العسكرية يظل مرتبطًا بالسيسي صاحب النفوذ الأقوى في أوساط قيادات الجيش، منذ أن كان على رأسه قبل تقلده رتبة المشير في 2014.

لم يتوقف السيسي عند نفوذه الطبيعي داخل الجيش، بل عمل على استمالة القيادات بامتيازات مالية غير مسبوقة، معلنة وسرية، فضلا عن تقريب أسماء بعينها واستبعاد أخرى، حتى يتسنى له السيطرة الكاملة.

الأمر ذاته ينسحب على المؤسسة الأمنية، أو وزارة الداخلية وجهاز المخابرات العامة، الذي أطاح السيسي مؤخرا بمديره ووضعه في مسؤوليه مدير مكتيه عباس كامل مؤقتا، وتنتقل السيطرة تدريجيا إلى مؤسسات الدولة المدنية من وزارات وهيئات سياسية واقتصادية وغيره.

ويبقى الإعلام هو السلاح الأشهر، الذي ربما لولا سيطرة السيسي عليه لما استطاع الإطاحة بمرسي، بعد أن تبنت وسائل الإعلام نهجا هجوميا تحريضيا خرج إلى نطاق الشائعات وليس الحقائق، ضد سياسات وممارسات “مرسي”.

ولعل التسريب الأخير الخاص بضابط المخابرات أشرف الخولي، وما يكشفه من توجيه الأجهزة الأمنية الخاضعة لسيطرة السيسي لوسائل الإعلام، وإملاء التوجهات وأدق تفاصيل برامج التوك شو، لا يدع مجالا للشك بشأن إحكام قبضته على وسائل الإعلام.

ورغم شعبيته المتآكلة، إلا أن الخوف من المجهول والقبضة الأمنية، وترسبات عقود من سيطرة النظام الاستبدادية على حكم مصر وغيرها، من الأسباب تدفع إلى الجزم بأن السيسي لا يزال يتمتع بشعبية، لكنها لا تقارن بتلك المصاحبة لانتخابات 2014.

الدعم الخارجي يشكل ورقة رابحة بيد السيسي يعتمد عليها في الصراع الانتخابي، ولعل موقف مايك بنس نائب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي أفصح عنه لدى لقائه السيسي في القاهرة، السبت 20 يناير الجاري، خير معبر عن هذا الدعم.

كما يحظى السيسي بعلاقات وثيقة آخذة في التطور بالاتحاد الأوروبي ودوله الكبرى، مثل: فرنسا وألمانيا وإيطاليا، فضلا عن مساندة عربية خاصة من دول الخليج النفطية، رغم ما شاب تلك العلاقة من مراحل فتور.

“عنان”: نحن هنا!

في المقابل قد يتكفل وجود اسم الفريق “عنان” ضمن المرشحين بالقدرة على تحويل ما يمكن أن نطلق عليه مجرد استفتاء على إعادة انتخاب السيسي، إلى منافسة حقيقة متوازنة، وانتخابات بكل ما تعنيه الكلمة.

وربما نلمح من خلال خطاب إعلان ترشحه أن “عنان” يرتكز بشدة على إبراز مساوئ حكم السيسي خلال فترته الأولى، حيث تناول خلاله أبرز محطات فشل السيسي، وهي: الحرب على الإرهاب، وتردي أوضاع الشعب المعيشية “التي تزداد يوما بعد يوم”، و”تآكل قدرة الدولة المصرية على التعامل مع ملفات الأرض والمياه”.

ومن المفهوم، أن حديث الرجل عن الأرض ينصب على أزمتي التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية، والخلاف مع السودان على مثلث حلايب وشلاتين الحدودي، وعن المياه في أزمة سد النهضة.

وفضلًا عن النفوذ القوي الذي يتمتع به الرجل في أوساط الجيش، نتيجة شغله موقع رئاسة الأركان على مدار 7 سنوات (2005 إلى 2012)، فإن حالة الزخم الشعبي الذي كان يتمتع به “شفيق” سوف ينتقل لا محالة لـ”عنان”.

الرجلان يمثلان عنوانًا واحدًا لجيل من العسكريين المحسوبين على نظام الرئيس الأسبق “حسني مبارك”، وبالتالي، يتمكن “عنان” من الاستفادة بنفوذ ما يسميه المحللون “دولة مبارك”، سواء في مؤسسات وأجهزة الدولة الأمنية والإدارية، أو حتى بين رجال الأعمال وفي أوساط عامة الشعب.

كما يمكن أن يستفيد “عنان” من حالة الاستقطاب والصراع التي تعيشها أجهزة الدولة الأمنية والعسكرية، خاصة في الفترة الحالية المتزامنة مع الكشف عن تسريبات لمكالمات هاتفية بين ضابط مخابرات حربية وإعلاميين مصريين بغرض توجيههم.

وتبقى مسألة التواصل مع جماعة الإخوان المسلمين حيوية مع “عنان”، حتى أكثر من “شفيق” نفسه، ولعل المصالح المتبادلة بين الطرفين ترجح أن يعمد “عنان” إلى تواصل وتنسيق أكبر مع الجماعة في المرحلة المقبلة.

الإخوان، تطمح إلى تغيير الوضع الحالي، والخروج من كبوة ومأزق شديد سببته الحرب التي أعلنها السيسي على الجماعة في أعقاب الإطاحة بالرئيس الأسبق محمد مرسي، في يوليو 2013، أما “عنان”، فيرغب أن يفتح صفحة جديدة مع الجماعة مستفيدًا مما يمكن أن توفره له من زخم شعبي قد يرجح كفته.

وربما حاول “عنان” مغازلة القوى المحسوبة على التيار المدني والثوري، بإعلانه ضم كل من المستشار هشام جنينة، رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات السابق، والسياسي والأكاديمي حازم حسني، نائبين له.