العدسة – معتز أشرف
انسحاب الفريق أحمد شفيق من سباق الانتخابات الرئاسية المصرية بسبب ما قيل عن ضغوط الإمارات عليه، ثم دخول الفريق سامي عنان إلى المشهد الرئاسي بخطاب “الانقاذ والتغيير ” الذي امتلأ بالثقة ونقد الواقع المصري، محاطا بحديث عن تدخل مباشر من الإمارات سواء بالسلب أو بالإيجاب وفق روايات متناقضة، مع الحديث السعودي والإماراتي في الوسائط الإعلامية المحسوبة على النظامين الحاكميين عن دعم الرئيس المصري الحالي عبد الفتاح السيسي لدورة ثانية، وهو ما يفتح ملفات التدخلات الإماراتية والسعودية الفجة في الحدث الأهم في القاهرة، خاصة وأن الرئيس القادم يعول عليه البعض لتغيير الواقع في ظل الأزمة المصرية الحالية، وهو ما يخشاه آل سلمان وآل نهيان بحسب تقارير متواترة بغرض استمرار فرض الوصاية على القاهرة وعرشها الرئاسي.
تدخلات فجة
الإمارات ، ظهرت مرتين في مشهد متابعة الانتخابات منذ التحضير إليها، تصدرتها بما حدث مع الفريق أحمد شفيق رئيس الوزراء المصري الأسبق، الذي اتهمها – أي الإمارات – بمنعه من السفر والعودة إلى مصر، لإعلان ترشحه لرئاسيات مصر 2018، وذلك في كلمة متلفزة بثتها فضائية الجزيرة القطرية، إلا أنه عاد في بيانٍ تلفزيونيٍ مؤكدا أنَّه لن ينافس السيسي في الانتخابات الرئاسية تحت ضغوط.
تدخل الإمارات مع شفيق مبكر، وبحسب تقرير للكاتب المعروف ديفيد هيرست على موقع ميديل إيست آي البريطاني الثلاثاء 9 يناير 2018 فإنه في نوفمبر عام 2015، ساورت الإمارات العربية المتحدة بعض الشكوك حول السيسي. وبالنسبة للمملكة العربية السعودية أيضًا، لم ينجح السيسي في توفير الاستقرار الذي تحتاجه مصر، ولا ترى المملكة أنَّه يقدم الدعم الكافي في حملاتها الإقليمية، وتحديداً في اليمن ، وأشارت المصادر إلى تلقي شفيق ثلاث زياراتٍ رفيعة المستوى في أبو ظبي أواخر العام المنقضي، وهي مع مجموعةٍ من قادة المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية، وسلمان الأنصاري مؤسس “لجنة شؤون العلاقات العامة السعودية الأمريكية” في واشنطن، الذي تحدث معه شفيق لثلاث ساعاتٍ متواصلة. وأتت الزيارة الأخيرة من ممثل الكنيسة القبطية في مصر
ولم يُعلن أيٌ من أطراف الزيارات الثلاث بحسب التقرير دعمهم العلني لشفيق إلا أن ممثل الكنيسة القبطية قال لشفيق إنَّ الكنيسة ستدعمه في حال دعمته الإمارات العربية المتحدة كمرشحٍ رئاسي، وفي المقابل، وبحسب الموقع البريطاني فقُبيل سفر شفيق المقرر من الإمارات إلى باريس في الـ26 من نوفمبر الماضي، اتصل السيسي بمحمد بن زايد ولي عهد أبو ظبي لإعلامه بأنَّ شفيق سيلتقي بشخصياتٍ معارضة في باريس، من بينهم أحد قادة المجموعة الثانية من الإخوان. وطلب السيسي من محمد بن زايد أن يمنع حدوث ذلك، ما دفع محمد بن زايد لمنع شفيق من مغادرة البلاد. وبعد فشله في إقناع الإمارات بالسماح له بمغادرة البلاد، أصدر شفيق بياناً لوكالة أنباء رويترز يُعلن فيه نيته الترشح لرئاسة مصر، بالتزامن مع إذاعة الجزيرة لمقطع مصور يعلن فيه أن” الإمارات منعته من السفر” ، مؤكدا بوضوح أن ” الإمارات تتدخل في “الشؤون الداخلية المصرية”.
وفي السياق ذاته كشف مصدر مقرب من عائلة الفريق سامي عنان للجزيرة نت أن عنان يسعى للفوز بانتخابات الرئاسة ويعتمد على داعمين إقليميين منهم أجنحة قوية في السعودية، وحسب المصدر فقد كان عنان يخطط للانقلاب على السيسي أواخر عام 2016 احتجاجا على تنازله عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية، لكن الإمارات تدخلت وأقنعته بأن ينتظر الانتخابات ووعدته بأن تكون الانتخابات نزيهة.
التدخل الإماراتي في الانتخابات الرئاسية المصرية جاء هذه المرة محملا باتهامات بالقتل علي لسان منسق الحملة الانتخابية لـ”عنان” بالخارج محمود رفعت، الذي أكد في تغريدة نشرها عبر حسابه الرسمي على موقع تويتر عن تلقيه تهديدات بالاغتيال من الدولة صاحبة السجون السرية التي دمرت اليمن ودفعت رشوة لمبعوث الأمم المتحدة لتحرق ليبيا (في إشارة إلى الإمارات) وأنه أبلغ الاتحاد الأوروبي بذلك.
وكانت مصادر خليجية موثوقة بحسب موقع “بوابة القاهرة” تحدثت قبل عام عن وجود مشاورات رسمية وغير رسمية بين مراكز اتخاذ القرار في دول الخليج خاصة في السعودية والإمارات لتبريد الساحة السياسية المصرية وضرورة التحسب لوجود بديل مناسب للرئيس السيسي حيث كان هناك إجماع على ضرورة أن يكون البديل من داخل المؤسسة العسكرية ذاتها لأن وجود رئيس مدني في مصر لا يصلح في الظروف الحالية وأن ذلك ربما يحتاج لسنوات طويلة لتأهيل الساحة السياسية لذلك مع ضرورة عدم السماح للإخوان بأي شكل من العودة إلى الحكم وإن كان مقبولا السماح لها بدور سياسي صغير أقرب إلى نموذج فترة حكم مبارك.
السيسي حليف
وبعيدا عن دائرة الكواليس، فإن الظاهر وبوضوح ، أن السيسي هو الرجل المختارللسعودية والإمارات، وأنه مرحب بتدخلهما المبكر في الانتخابات، رغم أن ذلك قد يحدث أزمات سياسية كما حدث للرئيس الأمريكي دونالد ترامب المتهم بتدخل روسي لصالحه من قبل خصومه، فالسعودية التي كثيرا ما يمتدحها السيسي ، تواصل الحشد الاعلامي لرجلها المصري في قصر الاتحادية، حيث خرجت صحيفتا الشرق الأوسط وعكاظ اليوم الاثنين بتغطية منحازة للسيسي، تعبران بحسب مراقبين عن سياسة إعلامية منحازة مبكرا، بالتزامن مع حديث إعلامي سعودي رائج عن دعم السيسي، وفي صحيفة عكاظ كان العنوان ” انطلاق السباق الرئاسي.. و5 أحزاب تؤيد السيسي”، فيما أكد التقرير أن ” السيسي هو الأوفر حظا ” وأشارت إلى دعم 5 أحزاب له مع بدء الإجراءات المتصلة بالانتخابات .
الدعم الإماراتي للسيسي جاء صراحة على لسان مستشار ولي عهد أبو ظبي للشؤون السياسية عبد الخالق عبد الله، الذي أعلن ترحيبه بترشح الرئيس عبد الفتاح السيسي قائلا “مصر في مزاج انتخابي، والنتيجة معروفة سلفا بنسبة 99% لصالح الرئيس السيسي، الذي يحتاج لـ4 سنوات قادمة لاستكمال وعوده كما أن سجله مقنع ب4.3% نمو اقتصادي و43 مليار دولار احتياطي من النقد الأجنبي واستقرار الجنيه والشروع في مشاريع تنموية ب 120 مليارا والقضاء على خطر الإخوان».”وهو ما تترجمه عمليا صحف الإمارات التي دشنت دعما إعلاميا للسيسي كذلك ومنها صحيفة الخليج ” التي انحازت تغطيتها إلى السيسي بشكل واضح للمراقبين، ونشرت تقارير عن علاقة “عنان ” بالإخوان والأمريكان بقصد تشويهه.
مصالح اقتصادية
بعد آخر يقف وراء التدخل الإماراتي السعودي في الانتخابات المصرية المقررة في مارس المقبل، وهو البعد الاقتصادي الذي يحاول كل من الفريقين السيطرة عليه بتحديد الرئيس المقبل، حيث من المقرر تحصيل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ودائعهما المقرر لها يوليو المقبل من البنك المركزي المصري بعد تأجيلهم قبل عام .
وكان محافظ المركزي المصري في تصريحات صحفية وقتها قال: “إنه لا يخشى من ضغوط الالتزامات الخارجية المقررة على مصر في العام المالي القادم والتي تقدر بنحو 12.9 مليار دولار، لا سيما وأن الإمارات والسعودية أبدتا موافقتهما على تأجيل تحصيل ودائعهما”، حيث تقدر الوديعة السعودية بقيمة ملياري دولار خلال عام 2013، و2 مثلهم من الإمارات، بجانب وديعة من الكويت بملياري دولار آخرين، بالإضافة إلى وديعة بقيمة 2 مليار دولار أيضاً حصل عليها النظام المصري الحالي من ليبيا عام 2013.
د.سماء سليمان الخبيرة في دراسات المستقبل، أشارت في تقدير موقف حول الانتخابات الرئاسية المصرية بمجلة السياسة الدولية المقربة من أجهزة سيادية بمصر إلى أن القوانين لا تستطيع أن توقف ترشح شخصيات لها تحالفات داخلية أو خارجية مشبوهة، دون أن تفصح عن أسماء معينة، إلا أنها أكدت في ذات المواطن أن المواطن المصري لديه القدرة على الفرز في ظل الحقائق التي تكشفت له، مشددة على أن المستقبل مرتبط استراتيجية مصر 2030، والتي أطلقها الرئيس عبد الفتاح السيسي في فبراير 2016، والتي تعد السياق العام لأي برنامج انتخابي رئاسي، والتي يجب ألا يحيد عنها، فضلا عن كونها خريطة الطريق التي ترسم ملامح مستقبل مصر، وهو خطاب ينبئ بدلالة الأوراق المقدمة من الباحثين المرتبطين بكواليس الدولة العميقة في مصر، والتي قد تكون تراقب التداخل الإماراتي السعودي في الانتخابات وتلتزم الصمت طبقا لحسابات الصراع الإقليمي المستمرة منذ وصول الرئيس المصري الحالي عبد الفتاح السيسي لسدة الحكم بالإطاحة العسكرية بأول رئيس مدني للبلاد.
اضف تعليقا