العدسة – جلال إدريس

بحضور عدد ليس بالقليل من السفراء العرب والأجانب افتتحت دولة الإمارات العربية، مطلع الأسبوع الجاري، المبنى الجديد لكاتدرائية النبي إلياس، في إمارة أبو ظبي، وهو المبنى الذي قالت عنه الإمارات إنه أكبر كنيسة للأرثوذكس في الشرق الأوسط.
إمارة أبو ظبي، التي تفاخرت بافتتاح تلك الكنيسة، هي نفسها الإمارة التي تفاخرت من قبل بالبدء في إنشاء أول معبد للهندوس فيها، حيث يقام المعبد على أرض تبرعت بها حكومة أبو ظبي للهندوس.
ورغم أن إمارة “دبي” بها معبد للهندوس لأداء صلاتهم، إلا أن حكام إمارة أبو ظبي، رأوا أن الهندوس المقيمين في أبو ظبي، يضطرون للسفر إلى “دبي”، التي تبعد أكثر من مائة كيلومتر، لأداء الصلاة، وهو الأمر الشاق عليهم بحسب قولها.

الهندوس في الإمارات

الهندوس في الإمارات

وفي عام 2012، افتتحت إمارة دبي أول معبد للسيخ، حيث يقع في منطقة جبل علي بالقرب من مستشفى جبل علي، وعلى مساحة قدرها 25 ألف قدم مربع.
كل هذا الاهتمام غير المسبوق من قبل دولة الإمارات بالديانات والعقائد، كان يتوقع منه أن يقابله اهتمام مماثل -من قبل دولة الإمارات- بالإسلام والمسلمين، وأن تسعى بدورها لنشر فكر وثقافة الإسلام في كل مكان، على اعتبار أنها دولة مسلمة، وحكامها مسلمون.
لكن ووفقا لمراقبين، فإن الإمارات تعد واحدة من أكبر الدول العربية عداءً لكل ما هو إسلامي، سواء على مستوى عدائها للتيارات الإسلامية المختلفة، أو على مستوى محاربتها لكل مظهر إسلامي في الداخل الإماراتي، الأمر الذي يعكس تساؤلات واسعة عن سر هذا التناقض، إذ كيف تهتم دولة إسلامية بكل ما هو غير إسلامي، ثم تعادي الدين الإسلامي نفسه.
“العدسة” ومن خلال التقرير التالي، سيحاول تفسير تلك الظاهرة، وسيلقي الضوء على بعض المظاهر التي توضح حقيقة العداء الكبير من قبل حكام دولة الإمارات للإسلام والمسلمين في كل مكان.

تخريب المساجد في الإمارات

عمد حكام الإمارات إلى تخريب المساجد المنتشرة على أراضيها من خلال حزمة من التشريعات والقوانين التي تضيق على المساجد وتحد من نشاطها، وتحاصر المصلين بها وتتجسس عليهم، حتى باتت مساجدها خاوية على عروشها، رغم الاهتمام بالمظهر الخارجي لها وبزخرفتها وتزيينها.
وبقصد أو بدون قصد، أصبحت مساجد الإمارات كمتاحف فنية، يمنع الاقتراب منها، فقط وقت الصلاة، وتتم الصلاة بحذر، حيث أقر المجلس الوطني الاتحادي الإماراتي (البرلمان) في نوفمبر الماضي، مشروع قانون خاص بتنظيم ورعاية المساجد، وذلك بحجة مواجهة الفكر المتطرف والأفكار الهدامة.
المشروع يحظر قيام غير المؤهلين وغير المأذون لهم بالتدريس فيه، ويحظر على الموظفين العاملين في المساجد الانتماء إلى أي جماعة غير مشروعة، أو ممارسة أي نشاط سياسي أو تنظيمي ممنوع، أو القيام بمهام الوعظ أو الإفتاء أو إلقاء الدروس أو تحفيظ القرآن الكريم خارج المساجد أو الجهات المصرح بها من قبل السلطة المختصة، والمشاركة بأية أنشطة إعلامية دون الحصول على إذن مسبق من السلطة المختصة، وجمع التبرعات أو المساعدات المالية أو العينية لشخصه أو للغير.
ووفقا لمشروع القانون فتختص السلطة المختصة بتنظيم المساجد في دولة الإمارات بما يلي: توفير احتياجات المساجد ومصليات الأعياد، والإشراف على نظافتها وصيانتها وتأثيثها، وتحديد مواقيت رفع الأذان وإقامة الصلاة، وآلية وضع مكبرات الصوت الداخلية والخارجية، وضوابط وشروط استخدامها، وتنظيم الدروس والمحاضرات الدينية وأي فعاليات أخرى، وإعداد الموضوعات الموحدة لخطب الجمع والأعياد والمناسبات الدينية، وتحديد الأشخاص المكلفين بها، والإشراف على تنفيذها، وتحديد مواقيت فتح وإغلاق المساجد، وضوابط وشروط الاعتكاف فيها.
وعلى السلطة المختصة بالتنسيق مع الجهات المعنية في الدولة، اتخاذ جميع الإجراءات التي تضمن أمن وسلامة المساجد والمصليات ومصليات الأعياد، وطبقا لمشروع القانون، على السلطة المختصة بالتنسيق مع الجهات المعنية في الدولة، اتخاذ جميع الإجراءات التي تضمن أمن وسلامة المساجد والمصليات ومصليات الأعياد، على أن تقيد سندات ملكية المساجد لدى الجهات المعنية بالتسجيل العقاري في كل إمارة باسم السلطة المختصة.
وبتلك الإجراءات المحكمة، صارت المساجد في الإمارات كقاعات المناسبات، يتم الصلاة والأذان فيها وبحذر، ثم سرعان ماتغلق المساجد في وجوه المسلمين، فلا روح ولا أنشطة، ولا حلقات علم، ولا دروس دينية، ولا أي شيء في مساجد مراقبة بالكاميرات.

وحرضت على مساجد أوروبا

وزير التسامح في الإمارات

وزير التسامح في الإمارات

 

لم تكتف الإمارات بشن حملات رقابية مكثفة على المساجد المنتشرة في أراضيها، لكنها قررت نقل تجاربها في تجفيف المساجد ومحاصراتها لدول أوروبية، حيث هاجم وزير التسامح الإماراتي «نهيان مبارك آل نهيان» المساجد في أوربا، مدعيا أنها مصدر للإرهاب والتطرف.
وطالب “آل نهيان”، في تصريحات صحفية من الدول الأوروبية، بإحكام الرقابة عليها قائلا: إن «إهمال الرقابة على المساجد سبب في الهجمات الإرهابية».
وقال: «لا يجوز فتح المساجد ببساطة هكذا، والسماح لأي فرد بالذهاب إلى هناك وإلقاء خطب، يتعين أن يكون هناك ترخيص بذلك».
وذكر أن هناك مسلمين تطرفوا في ألمانيا وفرنسا وبريطانيا وبلجيكا؛ لعدم وجود رقابة كافية من السلطات على المساجد والمراكز الإسلامية، موضحا أن بلاده تعرِض دائما تقديم المساعدة في تدريب الأئمة على سبيل المثال، وفي المقابل ذكر الوزير أن بلاده لم تتلق حتى الآن طلبا بالمساعدة من أوروبا. (طالع المزيد)
التصريحات أشعلت موجة الغضب لدى مسلمي أوروبا والذين، أصدروا بيانات يردون فيها على الوزير الإماراتي، ويؤكدون براءة المساجد من اتهاماته الباطلة، ويطالبونه بأن يبقي نصائحه لنفسه ولبلده.
أيضا، فإن المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا، شنت هجوما لاذعا على الوزير الإماراتي بسبب تلك التصريحات، مؤكدة أن المساجد في أوروبا تخضع لأنظمة صارمة كباقي الجمعيات والمؤسسات في أوروبا، وتحرص إدارة المساجد على أداء رسالتها وفقا لتعاليم الإسلام السمحة.
وأشارت إلى أن قيام شخص يرتاد مسجدا بعمل إجرامي، لا يعني أن كل من يرتاد هذا المسجد يؤيدون هذا العمل، أو أن هذا المسجد يحرض على ارتكاب جرائم من هذا النوع، فيبقى هذا العمل منعزلا ومدانا كباقي الجرائم، وفقا لـ«القدس العربي».
وحذرت المنظمة دول الاتحاد الأوروبي من الاستجابة لطلب وزير التسامح لتدريب الأئمة في دولة الإمارات، حتى لا تتحول المساجد في أوروبا إلى مراكز أمنية للتجسس تعمل لصالح دولة الإمارات.
وأكدت المنظمة أن دولة الإمارات، ما فتئت تلاحق المسلمين في أوروبا أفرادا ومؤسسات، بحجة محاربة الإسلام السياسي، وأدى ذلك إلى إلحاق الأذى ببعض الأفراد لفترة قصيرة حتى عادت الأمور إلى نصابها، ونذكر هنا -على سبيل المثال لا الحصر- إغلاق البنوك لحسابات مؤسسات وأفراد بضغط من الإمارات.
ودعت المنظمة حكومات دول الاتحاد الأوروبي إلى ضرورة إبعاد الإمارات عن الشأن الإسلامي والعربي في أوروبا؛ فدولة الإمارات وأجهزتها الأمنية مسؤولة عن جرائم في الشرق الأوسط، أدت إلى تفجير العنف والإرهاب.

حاربت علماء السنة في العالم

 الاتحاد علماء المسلمين

الاتحاد علماء المسلمين

وبحسب تقرير سابق لمجلة “إيكونوميست” البريطانية، تحدثت فيه على انفتاح بعض القادة العرب على العلمانية بشكل كبير، واهتمامهم بخلق مجتمعات علمانية منفتحة، رغم أن إصلاحاتهم هذه لا تشمل المجال السياسي.
وضربت الصحيفة في تقريرها مثالا بدولة الإمارات العربية كمثال على ذلك، حيث أكدت أن الإمارات خففت أولا القيود الدينية والاجتماعية، في الوقت الذي قادت فيه حملة إقليمية ضد الحركات الإسلامية.
وأكدت أن ولي العهد في أبو ظبي والحاكم الفعلي الشيخ محمد بن زايد، بالتزامن مع حربه للإسلاميين، يهتم ببناء الجامعات الغربية وقاعات الفن، وشجع النساء الإماراتيات على الخروج من العزلة الاجتماعية والانضمام للجيش، بمن فيهن ابنته، ورغم تبنيه التعددية، إلا أن القيود المشددة على المواطنة لا تزال موجودة”.
وخلال الأعوام الماضية تحارب الإمارات تيارات الإسلام السياسي، وخصوصا المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين، سواء على أراضيها من خلال الاعتقال والتعذيب، أو من خلال دعم أنظمة قمعية للانقلاب عليهم والتنكيل بهم والزج بهم في غياهب السجون.

وساعدت الإمارات النظام العسكري في مصر للانقلاب على حركة الإخوان المسلمين، والزج بقيادتها في السجون، وتنصيف الجماعة الأكثر انتشارا في العالم، على أنها “تنظيم إرهابي متطرف”.
كما سعت الإمارات للتضييق على الإسلاميين في السعودية، من خلال نصائح قدمها محمد بن زايد إلى صديقة محمد بن سلمان، حتى انتهى المطاف إلى الزج بعلماء المسلمين بالسعودية في السجون واعتقال الكثير منهم.
الأمر ذاته، حاولت الإمارات لعبه في كل من ليبيا وتونس والمغرب وبلاد أخرى، حيث إنها تسعى جاهدة لتشويه كل من يتولى قيادة حركة أو تيار إسلامي سياسي، أو إصلاحي.
الأمر لم يتوقف عند ذلك، بل إن الإمارات سعت ونجحت بالفعل في وضع علماء المسلمين بمختلف العالم في قوائم إرهابية، وحددتها في بعض الدول كالسعودية والبحرين ومصر، ضمت “اتحاد علماء المسلمين” وهيئات أخرى، شهد لها القاصي والداني بالاعتدال، بينما وصفتها الإمارات بالتطرف، وألصقت بها تهمة دعم الإرهاب والعنف.