العدسة – إبراهيم سمعان
جاء التدخل العسكري التركي في مدينة عفرين السورية كأحد السيناريوهات التي كانت مطروحة بعد تحقيق تركيا أهدافها فيما يتعلق بعملية درع الفرات، حيث قضت على تهديدات تنظيم الدولة على حدودها، وأوقفت التوسع الميداني لحزب الاتحاد الديمقراطي، وسدَّت الفجوة الأخيرة المتبقية بين “كانتوني” منطقتي عفرين وكوباني.
وكان الخياران هما: أولا، التدخل بشكل أحادي، لدحر قوات وحدات حماية الشعب من منبج، ودفعها نحو الجزء الشرقي من نهر الفرات، لكن ذلك يصطدم بضرورة عقد صفقة بين تركيا وكل من الولايات المتحدة وروسيا، لتجنب وقوع احتكاك مع تلك القوتين.
وكان الخيار الثاني، يتمثل في تبني عملية سياسية تسعى إلى منع حزب الاتحاد الديمقراطي من السيطرة على التركيبة السياسية والقانونية والأمنية التي ستتشكَّل مستقبلًا، خاصة في فترة ما بعد دحر “تنظيم الدولة” عن سوريا.
لكن تركيا اختارت التدخل الأحادي مع التنسيق مع روسيا فقط، خلال عملية عسكرية حملت اسم “غصن الزيتون” للقضاء على ما وصفها الرئيس التركي بـ”التهديدات الإرهابية” التي تستهدف تركيا، وخلق الأجواء المناسبة للعيش بسلام في المنطقة.
وأضاف أردوغان، في تغريدة له على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”، أن تركيا لم تأخذ إذن أحد لتنفيذ عملية “غصن الزيتون” ضد الأهداف العسكرية لتنظيمي ” حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني (PYD)/ حزب العمال الكردستاني (PKK) في عفرين.
لكن التدخل أثار غضب قوى إقليمية أخرى بجانب الولايات المتحدة، مثل مصر والإمارات، اللتين أعلنتا رسميا إدانتهما للعملية، ما استدعى ردا تركيا من قبل مقربين من الحزب الحاكم التركي، وصل لتوجيه اتهامات للدولتين بدعم وتمويل الحزب الذي تدرجه أنقره ضمن التنظيمات الإرهابية.
صحيفة “يني شفق” في نسختها الإنجليزية، قالت إن حزب العمال الكردستاني وفرعه السوري يأمل في الحصول على دعم من مصر والإمارات، حيث كشفت بيانات مسربة لوسائل الإعلام -وفقا للصحيفة التركية- عن أن حزب “بي كا كا” يسعى في تلقي دعم من الإمارات ومصر.
وأضافت الصحيفة أنه في الوقت الذي يتم فيه استئصال العناصر الإرهابية التابعة للحزب من عفرين السورية، تتوالى رسائل الدعم للحزب من قبل مصر والإمارات، حيث يسعى الحزب إلى الحصول على حلفاء في المنطقة.
وذكرت الصحيفة أنه -بعد كشفهم كشريكين محتملين في الخطة القذرة المدبرة في المنطقة، عبر التحالف مع أمريكا وإسرائيل- أصبح من الممكن أن يكون الحلفاء الجدد للحزب في المنطقة هو كل من السعودية والإمارات ومصر.
ولفتت الصحيفة إلى أن المملكة العربية السعودية تعهدت في الأشهر الأخيرة، بتقديم مليار دولار لدعم إعمار مدينة الرقة التي يحتلها الحزب.
وجاء في بيان صادر عن نظام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الذي جاء بانقلاب عسكري على الرئيس المنتخب عام 2013، بعد عملية عفرين التي تنفذها القوات التركية، أن العمليات العسكرية التركية تعد إنتهاكا لحقوق السيادة السورية، وفقا للصحيفة التركية.
انتهاك للسيادة
واعتبرت الخارجية المصرية في البيان الصادر عن وزارة الخارجية، الأحد، أن العملية التركية في مدينة عفرين “انتهاك للسيادة السورية”، معربة عن رفضها لعملية “غصن الزيتون”، التي وصفتها بأنها “تقوض جهود الحلول السياسية القائمة، وجهود مكافحة الإرهاب في سوريا”.
وأعاد بيان وزارة الخارجية المصرية، التأكيد على موقف مصر الثابت الرافض للحلول العسكرية، لما تؤدي إليه من زيادة معاناة الشعب السوري، مطالبا بانخراط جميع أطياف الشعب في مفاوضات جادة، في إطار عملية سياسية تتسم بالشمولية والموضوعية، دون إقصاء لأي طرف، مع ضرورة الحفاظ على سيادة ووحدة الأراضي السورية.
أمن قومي عربي
قال وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، أنور قرقاش، إن العمليات العسكرية التركية في عفرين السورية، تستدعي إعادة بناء وترميم مفهوم الأمن القومي العربي على أساس واقعي.
وكتب “قرقاش” في تغريدة عبر “تويتر”، الأحد: إن “التطورات المحيطة بعفرين تؤكد مجددا ضرورة العمل على إعادة بناء وترميم مفهوم الأمن القومي العربي على أساس واقعي ومعاصر”، وتابع وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، قائلا: “دون ذلك يهمش العرب وتصبح أوطانهم مشاعا”.
دعم سري
من جانبه، وصف إبراهيم قراغول، رئيس تحرير صحيفة “يني شفق”، المقرب من الحزب الحاكم في تركيا، إن العملية التي بدأتها تركيا في عفرين، بأنها دفاع مشروع على النفس والوطن، مؤكدا أنه يجب مواصلتها كذلك في منبج وشرقي الفرات.
وأضاف “قراغول” أن ردود الأفعال التي تلقتها تركيا على عملية عفرين- سواء من واشنطن أو العواصم الأوروبية، وحتى طهران- ما هي إلا ردود أفعال خبيثة النية، ومنافية للأخلاق.
وأكد أن جميع الدول التي أعربت عن استيائها من العملية تنفذ عملياتها الخاصة على الجانب السوري من حدودنا الجنوبية، ومعظمها يحتل البلاد ويشعل فتيل الحروب الأهلية.
وأشار إلى أنه في ظل هذا المناخ، فإن الدعم السري الذي تقدمه بعض البلدان، مثل السعودية والإمارات، إلى تنظيم “بي كا كا” الإرهابي، يعتبر أمرًا منافيًا للأخلاق بالقدر عينه.
وأوضح أن أكاذيب “الحرب على داعش” قد انهارت منذ زمن طويل، فـ”داعش” و”بي كا كا”، و”بي يي دي” يتحركون بشكل مشترك، ومن يوجههم جميعا هي الولايات المتحدة وإسرائيل.
ورأى الكاتب التركي أنه في النهاية ستنهار الخريطة، التي رسمتها قوى الشر، للمنطقة الممتدة من البحر المتوسط إلى حدود إيران، مشيرا إلى أن تلك الخريطة تلقت ضربة في المنتصف، من خلال عملية درع الفرات، والآن تعمل تركيا على إغلاق الجناح الغربي منها بعملية “عفرين – منبج”.
وسنشهد جميعًا انهيار هذه الخريطة شرقي الفرات كذلك، بعدما استهدفت أربع دول متجاورة بواسطة تنظيمات إرهابية جديدة، ولن نترك مئات الكيلومترات من حدودنا الجنوبية أمانة بأيدي أي تنظيم أو قوة أجنبية.
اضف تعليقا