العدسة – معتز أشرف

جباية جديدة تلاحق العمالة المصرية في الخارج، وبالتحديد في ثلاث من دول الخليج التي وصفت نفسها بالرفاهية والاستقرار المالي  كثيرا، ما يعصف بأحلام نصف العمالة المصرية في الخارج، المقدرة بـ”12″ مليون، حيث يعيش نصفهم أو يزيد في الخليج، ويصل عددهم إلى “6.5 مليون” مصري، يتعرضون إلى مقصلة جديدة في السعودية والكويت والإمارات بسبب شبح الرسوم المجحفة التي انطلق لهم فجأة، رغم أنهم يوصفون في تصنيفات الحقوقيين بـ” الفارين من الفقر”، الذي وصل في مصر بحسب إحصائيات حديثة إلى مؤشرات خطيرة، حيث زادت أعداد المصريين القابعين تحت خط الفقر إلى 28%.

أرقام وإحصائيات

أعلنت وزارة القوى العاملة المصرية أن النسبة الأكبر من العمالة المصرية، والتي تتصدر أعداد العمالة في المنطقة كلها، بالمملكة العربية السعودية، حيث يصل حجم العمالة المصرية بالسعودية إلى 2 مليون عامل، يليها الكويت، والإمارات وقطر، إلا أن السعودية فرضت عليهم مطلع العام، رسوم إقامة سنوية بقيمة 100 ريال شهريا، يتم زيادتها كل عام بواقع يترواج بين 100 ريال إلى 400 ريال مع حلول عام 2020، والتي استهدفت توفير مليار ريال في نهاية العام للرياض، وسط أزمة مالية تتضح يوما بعد يوم، فيما نشرت الجريدة الرسمية في الكويت، أول أمس، قرارا بزيادة الرسوم الصحية على المرضى غير الكويتيين المقيمين والمسجلين في نظام الضمان الصحي، مع إدراج تلك الرسوم والأجور مقابل الخدمات الصحية بالنظام الآلى بكل المرافق، على أن يتم تحصيل الرسوم المستحقة مقابل تلك الخدمات مسبقا، من خلال الطوابع الإلكترونية، أو موظفي قسم المحاسبة المعنيين، وفي الإمارات أعلنت الهيئة الاتحادية للضرائب الإماراتية، أنه سيتم فرض ضريبة القيمة المضافة بنسبة 5% على رسوم استقدام الخدم والعمالة من الخارج، اعتبارًا من الأول من يناير 2018.

والوضع هكذا، من المفترض أن يواجه المصريون في الدول الثلاث أعباءً مالية جديدة كانت مقدرة في وقت سابق بصفر، لكنها قد تصل اليوم إلى 400 ريال في السعودية على سبيل المثال، وتشمل الرسوم الجديدة: (التابعين) وهم الزوجة والبنات والأبناء الذكور دون سن 18 سنة، وتشمل كذلك (المرافقين) وهم الأبناء الذكور فوق سن 18 سنة، والزوجة الثانية والثالثة والرابعة، والأب والأم، وأبو الزوجة وأم الزوجة، والعمالة المنزلية والسائقون، وكل مَن على الكفالة بشكل مباشر، ما قد يكبد المصري المقيم بالسعودية وبرفقته زوجته واثنان من أبنائه، في غضون وقت قريب، 7200 ريال عن أسرته وأولاده الاثنين، بواقع 200 ريال عن كل فرد شهرياً، بخلاف الإيجارات وبنود المعيشة الأخرى بالإضافة إلى الرسوم الجديدة التي ستُفرَض هذا العام تحت مُسمَّى “الأعداد الفائضة”، التي تفيد أن هذا المصري الذي يعمل في مؤسسةٍ أعدادُ العمالةِ الوافدةِ فيها أكبر من العمالة السعودية، سيدفع 400 ريال شهريًّا، بواقع 4800 ريال، بالإضافة لـ 7200 ريال رسوم أفراد أسرته، فإن عليه أن يستعد لدفع 12 ألف ريال ستتم مضاعفتها لـ 24 ألف في عام 2019، وستصل إلى 48 ألف ريال في عام 2020، في جباية مجحفة تعيد المصرييين تحت رحمة عصور المماليك، خاصة في ظل بحث المصريين عن لقمة عيش جديدة، ظهرت في تأشيرات عمل مزيفة حذرت منها وزارة القوى العاملة المصرية، حيث انتشرت تأشيرات سفر سياحية بغرض البحث عن عمل في الإمارات، ما أدى إلى دخول أعداد كبيرة إلى الإمارات بتأشيرة زيارة سياحية بغرض البحث عن عمل.

آخر البيانات الصادرة عن شعبة إلحاق العمالة في غرفة القاهرة التجارية تكشف أبعاد المقصلة التي أطاحت بأحلام فقراء مصر وشبابها، حيث أكدت أن عدد العمال الذين سافروا إلى دول الخليج العربي انخفض خلال 2016 بنسبة 56 %، بعد أن وصل عددهم إلى 220 ألف عامل، مقابل 500 ألف عامل خلال 2015، كما تراجع صافي التحويلات الجارية من المصريين العاملين في الخارج إلى 16.9 مليار دولار، خلال العام المالي 2015/2016، مقابل 21.9 مليار دولار خلال العام المالي السابق عليه.

تسريح وطرد مقنع

الأزمة تتضح أكثر، عندما نطالع البرنامج المالي الجديد في السعودية، والذي يستهدف توفير أكبر عدد ممكن من فرص العمل للسعوديين أنفسهم، حيث يبلغ عدد سكان السعودية بنهاية عام 2015 حوالي 31 مليون نسمة، منهم 10.24 مليون نسمة غير سعودي، أغلبهم من العمال والمرافقين لهم، و20.77 مليون سعودي، ما يهدد تواجد العمالة المصرية، التي تقول الإحصائيات إن السعودية قبل 2015 كانت تستحوذ على 80% من العمالة الحرفية للمصريين، خاصة عقب الأزمة التي تشهدها ليبيا نتيجة الصراعات المسلحة والانقسامات السياسية منذ 2011.

عادل حنفي، رئيس اتحاد العاملين المصريين بالسعودية، أكد في تصريحات صحفية أن القرارات الجديدة الخاصة بزيادة الرسوم المفروضة على المرافقين للعمالة، أدت إلى اتجاه عدد كبير من العائلات إلى ترك السعودية والعودة إلى مصر نتيجة لارتفاع تكلفة الإقامة داخل المملكة، موضحا أن هناك ما يقرب من 600 ألف أسرة مهددة بالعودة إلى مصر نتيجة زيادة الرسوم .

أما في الإمارات، فالجالية المصرية في الإمارات تعد من أكبر الجاليات العربية، حيث يعمل بالإمارات ما يقرب من 400 ألف مصري، وسط ظروف غير إنسانية تجري بحق الوافدين، الذين يشكّلون 80% من سكان الدولة، بجانب الرسوم الجديدة، كشفتها تقارير إعلامية دولية، وتقارير منظمات حقوقية أممية، ومنها المرصد “الأورومتوسطي” لحقوق الإنسان، الذي يؤكد أن “أجواء الخوف، والتهديد بالترحيل، والمعاملة القاسية التي يتّبعها النظام في الإمارات مع العمالة الأجنبية، إضافة إلى نظام الكفالة، الذي يمثّل شكلاً من أشكال العبودية، دفعت العمال للتكتم على الانتهاكات التي يتعرضون لها”، فضلاعن أن الحكومة الإماراتية، تعمل ضمن برنامج معالجة خلل التركيبة السكانية، الذي تنمو فيه أعداد العمالة الأجنبية بنسبة عالية تفوق‏80%‏ من مجموع السكان‏، وهو ما يهدد العمالة المصرية التي تعد الأكبر عددا مقارنة بعمالة الدول العربية‏ .

وفي الكويت، يواجه 700 ألف عامل مصري تهديدات جديّة بمغادرة الكويت، لكون معظمهم مصنفين كـ”عمالة هامشية”، خاصة بعد زيادة الرسوم، بجانب إعلان الكويت تقنين جلب العمالة من بعض الدول، خاصة تلك التي تجاوزت جاليتها في الكويت نسبة عالية دون أن يكون لها مردود إيجابي، وفقا لتوصيات اللجنة العليا لمعالجة خلل التركيبة السكانية، التي ستنعكس على الجاليات الأكثر عدداً وفي مقدمتها مصر، وهو ما يمكن في إطاره قراءة قرار زيادة الرسوم الجديد، الذي كان أيضا ضمن تقرير لجنة معالجة خلل التركيبة السكانية، الذي أرسلته وزارة التخطيط إلى مجلس الوزراء، مرفقا فيه 12 توصية، من بينها زيادة الرسوم، كلما زاد العدد المطلوب، فيما كشف التقرير الثالث لإحصائيات سوق العمل التي أعدتها إدارة الإحصاء بالكويت، أن المواطنين الكويتيين يشكلون 19٪ فقط في سوق العمل بإجمالي  342 ألفاً، مقابل مليون و463 ألف وافد من مجموع السكان، فيما يعمل 56% من العاملين الوافدين في الكويت، في وظائف هامشية، يصعب على الكويتيين القيام بها، مثل وظائف السعاة والمزارعين والخدم والسائقين، وغيرها من وظائف الدخل المحدود.

 وضع مأساوي

برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، أكد في تقرير حديث، أن «العمال الأجانب» في دول مجلس التعاون الخليجي، يواجهون مثل هذه التحديات، بسبب العنصرية والاستبعاد الاجتماعي، وغياب المساءلة وإساءة استخدام أرباب العمل لسلطتهم، وجدير بالذكر أن دول الخليج لم تصادق على «اتفاقية الحرية النقابية وحماية حق التنظيم النقابي» التي اعتمدها مؤتمر العمل الدولي عام 1948، وهو ما يعجز العمال المُغتربون عن تأسيس النقابات أو الاحتجاج على ممارسات العمل غير العادلة.

ووفقا لدراسة أحوال ” العمالة المصرية فى دول الخليج .. نظرة تحليلية شاملة بين واقع محفوف بالسلبيات ومستقبل يحتاج لتدخل عاجل”، أكد الباحث أحمد أبو القاسم، أن العمالة المصرية فى دول الخليج تمر بأسوأ مراحلها عبر التاريخ الحديث، وهو ما يحتاج إلى تدخل مباشر وفعال من الدولة، حيث إنها تتعامل مع ثروة قومية، من خلال التحويلات التي تنعش الاقتصاد القومي، ومن خلال الخبرات المتراكمة التي تحصل عليها العمالة المصرية وتستفيد منها الدولة حين عودتها، بما تملكه من خبرات ومهارات، وباعتبار كرامة المواطن المصري من كرامة الوطن، مشددا على أنه واجب على الدولة أن تأخذ بعين الاعتبار ما تَقدَّم، وأن تعمل فورًا على تقديم رؤية شاملة، وحلول واضحة وعملية، لمواجهة الانتهاكات التي تتعرض لها العمالة المصرية في الخليج، والتي نؤكد أنها ليست تجاوزات فردية، بل هي عمليات معتادة ويومية لإهدار حقوق المصريين فى الخليج بطرق وأساليب متعددة.

عمليًّا، اتحاد المصريين بالخارج دقَّ ناقوس الخطر في أواخر العام الماضي، دون تحرك من النظام المصري، الذي قد يواجه صدمة اقتصادية كبيرة في حال عودة المصريين من الخارج تحت ضغط الرسوم الجديدة، حيث أكد المهندس إسماعيل أحمد علي، رئيس اتحاد المصريين بالخارج، في تصريحات صحفية، أن مصر لا تستطيع استيعاب المصريين العائدين، وأنه قد تحدث مشكلة مع زيادة أعداد المصريين العائدين فوق النسب المعتادة، خاصة وأن السعودية ودول الخليج تواجه صعوبات اقتصادية، فهل يتحرك النظام المصري لوقف المقصلة؟ أم أنه اعتاد على رفع المقصلة في وجه المصريين؟!.